تخلى رئيس الأوروغواي عن 75% من راتبه، ومايزال يعيش في ضيعته. ثائر سابق، أمضى 14 سنة في زنزانة مغلقة، يقود سياسة تزعج أمريكا اللاتينية. آخر اقتراح طرحه: تأميم إنتاج الحشيش. في هذا اللقاء، رسم لبورتريه رئيس دولة لا يشبه الآخرين... للعثور عليه ولقائه، عليك الخروج من العاصمة مونتيفيديو والتوغل في الضاحية القروية، حيث ترعى بعض الأبقار السمينة ومغادرة الطريق المعبدة. في أرض فلاحية على طريق يحرسه شرطيان يبدوان تائهين، ينتصب منزل متواضع عبارة عن جدران مرقعة بيضاء وسقف من الزنك وسط حديقة.. يفتح صاحب المنزل الباب يلبس معطفا صوفيا ولباسا رياضيا قبل أن يقدم التحية بحركة بالرأس. الرجل بأسلوبه البسيط، تحسبه واحدا من السكان القرويين، ليس سوى رئيس لجمهورية الأوروغواي الشرقية. يرأس بلدا صغيرا تعداد سكانه 3.4 مليون نسمة, يقع بين العملاقتين، البرازيل والأرجنتين. خوسي موخيكا، البالغ من العمر 78 سنة، رجل يجدب أنظار العالم اليوم ببساطته وعفته وأساليبه التي أصبحت تزعج في أمريكا اللاتينية»أفقر رئيس في العالم«« كما يلقبونه، تخلى عن قصر سواريزوريسيس الرئاسي، ويعيد ثلاثة أرباع أجرته لفائدة جمعيات المساعدة على السكن. ليس راضيا على تقنين الإجهاض والزواج المثلى، وهي من المواضيع الحساسة في المنطقة، وينوي تأميم انتاج الحشيش (الماريخوانا) وهو موضوع يمثل قنبلة في منطقة مهووسة بمكافحة تجارة المخدرات. يرد الرئيس بنظرة ساخرة من تحت حاجبين كثيفين» لست أنا هو المثير، بل السياسيون الآخرون، أغلبهم يشبهون التماتيل»« بشعره الكثيف وبطن بارزة، لا يهتم موجيكا بالشكليات. يستقبل في غرفة الاستقبال، مائدة خشبية صغيرة وحولها كرسيان، ومدفئة سوداء، وورود مزهرة. وبالقرب تقف السيدة الأولى والسيناتورة لوسيا توبو لا نسكي وهي تقوم بأعمال منزلية بسيطة بدون مساحيق ولا تجميل. ثروتهم؟ ضيعتان وسيارتا فوكسفاغن وثلاث جرارات، ثروة كافية بالنسبة لرئيس لا يتقاضى سوى ما يعادل1000 أورو شهريا: »... الحياة هشة مثل الأعشاب التي تطويها الرياح. وإذا أجهدت نفسك بالمعدات، لن يبقى لك الوقت للقيام بما يروق لك وتكون من تريد أن تكون. وهذا هو الأهم، هذه هي الحرية!« يقول هذه الكلمات وكأنه يغني الطانغو «ELpepe « كما يناديه الجميع في الأوروغواي، «بائع الورد»، يتحدث باللغة الشعرية لأهل البادية، لم يحصل سوى على شهادة الباكالوريا, لكنه نحت بنفسه فلسفته. من مكتبته يستمد قراءاته المفضلة، دليل زراعة البصل، دون كيشوت ومجموعة شعرية لسينيك التي يعشق ترديدها: »الفقير هو الذي يرغب دائما في المزيد«. بساطة بناها على امتداد تاريخ متأرجح، ابن فلاحين بسيطين من أصول باسكية وإيطالية، يتيم الأب منذ سن 6 سنوات، كان خوسي البيرطو موجيكا كوردانو في سنوات 1960 أحد زعماء جماعة ثورية في المدن (توباماروس) هدفها إسقاط الفوارق عن طريق السلاح والوصول الى السلطة عن طريق عمليات التخريب والاختطاف, كانت الثورة الكوبية قد اندلعت و الزعيم تشي غيفارا لاتزال صورته معلقة في قاعة الاستقبال. تلقى موجيكا 6 رصاصات في جسده وشارك في عملية فرار 110 سجناء، عملية دخلت سجل غينيس للارقام القياسية. اعتقل سنة 1973 من طرف الدكتاتورية العسكرية التي استولت على السلطة. قضى ما مجموعه 14 سنة في السجون منها سنتان في بئر، عذب ونقل باستمرار. اكل الحشرات واصيب عدة مرات بنوبات الجنون كما يحكي جاره في الزنزانة. الشاعر موريسو روزنكوف الذي كتب «حواره مع الحذاء». أما الرئيس فلا يحب الحديث عن هذه الفترة, يقول فقط «انها لم تكن ايام عطلة» و هو يداعب كلبته الهجينة ذات الثلاث أرجل. لكنه يتذكرعن هذه الحقبة درسا في الحياة «عندما لا تملك شيئا، تكتشف في ذاتك طاقات كامنة. كلنا نعيش احباطات وفشل, ولكن باستطاعتنا دائما العودة من جديد...» بعد عودة الديمقراطية سنة 1985 تم العفو عنه ويعترف خويس موجيكا قائلا:» الطريق الذي سلكنا لم يكن هو الافضل» لكنه سيواصل ما يسميه» النضال السياسي». اسس حزب حركة المشاركة الشعبية وانتخب نائبا سنة 1994 .في البرلمان كان يأتي راكبا على دراجة VESPA الى درجة انه منع من ركن دراجته النارية. و هو ما لم يمنع هذا الدراج السابق من ان يصبح سيناتورا، ثم وزيرا للفلاحة, انتخب سنة 2010 رئيسا للبلاد باسم جبهة واسعة تضم تحالفا لاحزاب الوسط واليسار. واصبح بذلك الثائر اللاتيني الوحيد الذي يفوز من خلال الشرعية الانتخابية الى جانب السانديني دانييل اورتيفا في نيكاراغوا. صعود لا تفسره شخصيته فقط. يقول غابرييل ايالا، الثائر السابق والذي اشتغل سكرتيره عندما كان نائبا في البرلمان» »تنقصه الثقافة الجامعية، ولكنه عفوي. ويستوعب جيدا كل ما يقال له، ويعرف كيف يستعمل صورته ويتوفر على قدرة عمل هائلة». عندما تولى السلطة، التزم خوسي موجيكا باحترام النهج المعتدل للرئيس السابق طاباري فاسكيز, ويقود حكومة تضم الشيوعيين والمسيحيين الكاثوليكيين، مثل البرازيلي لولا داسيلفا نموذجه في السياسة. خضع المناضل الثوري اليساري السابق لقوانين السوق, ويؤكد ان «المشكل ليس في الرأسمالية, انا بحاجة للرأسمالية من اجل اعادة التوزيع. ولكن المشكل في الاستهلاك المفرط الذي يستنزف الانسان والارض». » قرر الزيادة في المساعدات الاجتماعية. لكنه حافظ على الابواب مفتوحة في وجه الاستثمارات الاجنبية ويلعب ورقة الامن القانوني. اهم ورقة في يد هذا البلد الصغير الموجود في منطقة غير مستقرة. يسمونه «سويسراامريكا اللاتينية» لكونه يخفض بدوره السر البنكي ولو بطريقة أكثر مرونة. واذا كان موجيكا يقوم بالثورة، فإنه يقودها على واجهة قضايا المجتمع. معركته الاخيرة كما يقول:» سنسرق من تجار المخدرات سوق الحشيش الذي يدر أموالا طائلة» ليس حبا في المخدرات، يؤكد انه لم يسبق ان تناول المخدرات. ولكن «لأن السياسات القمعية التي اتبعت منذ 100 سنة والتي كلفت غاليا, كانت فاشلة» وبالتالي فهو يقترح ان تتكفل الدولة بانتاج وبيع الماريخوانا في الصيدليات بنفس ثمن السوق السوداء. مع سقف محدد لكل مواطن حتى يمكن معالجة المدمنين. هذا الاجراء الذي ينتظر أن يصادق عليه مجلس الشيوخ في نونبر بعد أن صادق عليه النواب، نتيجة غير مضمونة حسب الرئيس, لكن »كبلد صغير من واجبنا أن نحاول ما لا يستطيع الكبار القيام به!«. ويؤكد على التقاليد الاصلاحية الطويلة المعروفة عن بلاده. صحيح أن الاوروغواي كانت من أولى البلدان التي ألغت عقوبة الاعدام سنة 1907 وأعطت للنساء حق الطلاق سنة 1913 أو حق التصويت سنة 1927. هذه الاجراءات الرائدة اضافة إلى الدهشة التي تثيرها شخصية الرئيس، ففي السنة الماضية ألقى خطابا في قمة ريو 20 حول التنمية المستدامة، حيث تجرأ على الحديث عن السعادة وحتى عن الصداقة، خطاب تابعه آلاف المتصفحين للانترنيت. ومن المرتقب أن يخصص له السينمائي الصربي أميركوستوريكا فيلما وثائقيا .وعشية لقائنا معه, وجهت المجموعة الغنائية «»أيروسميت» «التي تقوم بجولة غنائية في مونتيفيديو, وجهت تحية لهذا »الرئيس المثالي« الذي يروج اسمه كمرشح لجائزة نوبل للسلام. في بلده، تبقى صورة الرئيس أكثر تناقضا وتعقيدا، فالرئيس موجيكا يتمتع بتأييد 50% في استطلاعات الرأي, خاصة في فئة المسنين والطبقات الشعبية، لكن الترخيص بتداول المخدرات يثير بعض القلق. رفاقه بالأمس يعتبرونه ليبراليا, أما المحافظون فيمتعضون من أسلوبه الشعبي وأخطائه اللغوية, وكشاعر لا يتردد الرئيس موجيكا في وصف نظيرته الارجنيتية «»بالمنحرفة«« أو »»العجوز العنيدة««. مساعدوه يشتكون من غضباته والمعارضة تتهم الرئيس بقول الشيء ونقيضه أو إطلاق أفكار صعبة التطبيق وبالأخص تؤاخذه لكونه لم يستفد من نسبة نمو متواصل بنسبة 6% سنة 2011 و4% سنة 2013 من أجل الاستثمار في التربية والتعليم الذي يتدهور باستمرار ومواجهة تدهور الأمن في عاصمة كانت الجريمة منعدمة فيها من قبل. يقول مؤرخ سيرته ميخيل أنجيل كامبودونيكو «»بإمكانه أن يفعل أشياء تكلف سياسيين آخرين الشيء الكثير, ولكنه أصبح شخصا لايمس, نوع من السلطة الاخلاقية فوق جميع الاحزاب, ويبدو أن الرئيس نفسه لا يأبه للانتقادات» »في سني، ليس هناك سوى خوف واحد، الموت وضعف قوة الحيوانات الصغيرة في الجبال« «وفي نهاية ولايته سنة 2014 سيواصل »»بيبي« «جولاته الصباحية مشيا في الطبيعة «التي تكلم من يعرف الانصات إليها» وسيتأنف زراعة الاقحوان في حديقته ويرى» »شجرة الخلد»« تكبر وهي الشجرة الأولى التي أزهرت بعد قنبلة هيروشيما. أليس بويا عن الفيغارو