الحادثة المروعة التي عرفتها مدينة مكناس مؤخرا ، والتي نتجت عن اصطدام شاحنة بحافلة للنقل الحضري ، وأدت إلى انقلاب الحافلة مخلفة مقتل شخصين وإصابة أربعة عشر آخرين بإصابات بليغة ، زيادة على مختلف الأضرار التي لحقت ببقية الركاب الآخرين ، بين البسيطة والمتوسطة ، هذه الحادثة تعيد إلى الواجهة مشكلة أساسية تعاني منها المدينة ، وهي مشكلة تقادم وتهالك شبكة التشوير بين شوارعها وأزقتها ، ولا سيما في منطقة حمرية ، التي عرفت ، خلال العقود الأخيرة ، حركية كثيفة فيما يتعلق بإعادة هيكلة مجالها المعماري ، عن طريق تحويل المناطق التي كانت مخصصة للفيلات ، إلى مناطق مخصصة للعمارات ، التي تمتد من ستة إلى عشرة طوابق ، دون العمل على فرض إبقاء بعض الأمتار المحددة من الحديقة خارج البناء ، كمقابل للطوابق المرخص ببنائها ، وذلك لصالح توسعة الشوارع والأزقة ، حتى تستوعب هذا الكم الهائل من السيارات ، التي أصبحت ترتادها مع تزايد عدد السكان ، بعد تحويل الفيلات إلى عمارات شاهقة . هذا الوضع خلق صعوبات جمة للسائقين داخل هذه المناطق ، ولا سيما في بعض المواقع التي تشكل معابر أساسية في اتجاهات مختلفة ، والذي يزيد من تعميق هذه المشاكل ، هو غياب علامات التشوير في الكثير من الشوارع والأزقة ، ففي حالات كثيرة تجد أزقة يسمح بالوقوف فيها على الجانبين ، مع السماح بالمرور في الاتجاهين ذهابا وإيابا ، مما يسبب ارتباكا كبيرا أثناء المرور بهذه الأزقة ، بسبب عدم اتساع عرضها ليستوعب السيارات المتوقفة على الجانبين ، والسيارات المارة في الاتجاهين ، مما يفرض إما منع الوقوف بأحد الجانبين ، أو منع المرور بأحد الاتجاهين ، بدل ترك الأمور لأريحية السائقين أو نرفزتهم أثناء تواجدهم في وضعيات حرجة . بالإضافة إلى ذلك ، كثيرا ما لا نجد علامة « قف « أو « ليس لك حق الأسبقية « عند ملتقى شارع كبير بزقاق جانبي ، مما يجعل السائق العابر للشارع يعتقد أن له حق الأسبقية ، في حين لا يجد السائق الخارج من الزقاق أي علامة تجبره على إعطاء الأسبقية ، فيستمر في سيره حتى يقع الاصطدام ، وعند ذلك يتشبث كل سائق بأحقية افتراضية ، انطلاقا من تقديره للوضعية وليس بناء على علامة ملزمة قانونا ، وذلك لعدم وجود أية علامة ، وهذا الموقف هو نفسه الذي حدث ، حين اصطدمت الحافلة التي كانت مقبلة من شارع الزرقطوني ، بالشاحنة التي كانت آتية من زنقة عبد الرحمان بادو ، والتي لم يجد سائقها أية علامة تلزمه بالتوقف ، فاعتبر أنه صاحب الأسبقية ، انطلاقا من أحقية صاحب اليمين . والغريب أن علامة « قف « كانت موجودة في السابق عند الملتقى ، على جانبي زنقة عبد الرحمان بادو في الاتجاهين معا ، وسقطت التي كانت بجانب إقامة ساحة تونس منذ سنين طويلة ( أثناء أشغال بناء الإقامة فيما يُعتقد ) ولم يعد تركيبها منذ ذلك الحين ، وبقيت الثانية قائمة في الاتجاه المقابل ، بجانب ثكنة الدرك الملكي ، وكان هذا الوضع يخلق توترات مستمرة بين السائقين ، ويعرف تكرار الحوادث من المستويات البسيطة ، دون أن يتحرك المسؤولون لتدارك الأمر ، إلى أن وقعت الحادثة المروعة ، وإذاك فقط ، تحركت همتهم وقاموا بتركيب علامة « قف « لتواجه أختها في الطرف الآخر ، وليستعيد هذا الملتقى الحيوي منطقه ووضعه القانوني ، ويتبين السائقون عبره أحقيتهم من واجباتهم . ومن المشاكل التي يعاني منها السائقون والراجلون معا داخل المدينة ، إهمال تجديد صباغة ممرات الراجلين ، حيث لم يعد هناك أي أثر للخطوط المحددة لهذه الممرات في كثير من الأماكن ، ولا سيما تلك التي تشتد بها حركة السير ، الأمر الذي يساهم في محوها وإزالة معالمها ، وقد حضرت يوما حالة خلاف بين سائق وراجل حول مشكل يرتبط بهذه الممرات ، وكان ذلك بحضور أحد رجال شرطة المرور ، الذي صرح بأن التعليمات المقدمة لهم بشأن هذه الممرات ، هي أن يتعاملوا معها بالمرونة وغض الطرف ، مادام المسؤولون بالجماعة الحضرية لا يهتمون بتجديدها وتحيينها وفق مواصفات تحترم الشروط القانونية ، وبذلك يبقى أمر هذه الممرات ملتبسا ، قد يتلمس الراجل آثارها ، لكن السائق قد لا يتبين لها أي أثر أثناء السياقة . إنه وضع مربك تعاني منه شوارع وأزقة المدينة ، ولا شك أن له علاقة بسلامة وحياة السكان ، مما يفرض أخذه بعين الاعتبار ، عن طريق القيام بمراجعة شاملة لشبكة التشوير المتقادمة ، سيما وأن الأمر لايتطلب من المسؤولين توفير اعتمادات ولا رصد ميزانيات .