ظلت منطقة ولاد بن سبع محافظة على طابعها القروي وهدوئها ودماثة سكانها رغم إلحاق جزء كبير منها بالمجال الحضري لسوق أربعاء الغرب(ولاد بن سبع الرمل)، فلم يكن يذكر اسمها إلاّ بوصفها قلعة انتخابية قوية توجّه رياح الانتخابات أنّى شاءت بحكم الساكنة المهمة التي توجد بها، عدا ذلك فهي تعيش في صمتها، تجترّ مرارة تهميشها، وتنمو في ظلال النسيان الاجتماعي والاقتصادي والتنموي. يوم الجمعة 27 شتنبر 2013 سوف يكون فارقا بهذه المنطقة المنسية (شأنها شأن المدينة كلها)، هدوء ولاد بن سبع سوف يُكَسّر، وصمتها أيضا، وسوف يطبع تاريخها المحلي بواقعة غير مسبوقة ظلت حديث الصغير قبل الكبير، واقعة انتحار تلميذ في عمر الزهور(14 سنة) يدرس بإعدادية بني مالك. غرابة هذا الانتحار والأسباب الثاوية وراءه، وما عرف عن الضحية من طيبة وخلق وحسن تربية، ثم ما كشفت عنه الواقعة من اتهامات واتهامات مضادة، وما تناسل من أخبار حول أجواء التعلم غير السليمة بهذه المؤسسة جعل «الاتحاد الاشتراكي» تنتقل لولاد بن سبع وتقف على مجموعة من المعطيات والظواهر من خلال الإنصات إلى نبض الساكنة ومعاناتها وعلى رأسها أسرة التلميذ المنتحر. كانت السيارة «تنهب» الطريق المخترقة لولاد بن سبع وسط أشغال التهيئة والتوسيع في حرب مع الزمن، على جانبينا كانت تنتصب منازل تشي بفقر قاطنيها وبؤسهم، توقفنا عند باب إعدادية بني مالك، تحلق حولنا التلاميذ، وبمجرد ما علموا أنّ الأمر يتعلق بزميلهم المرحوم زكرياء غلاب حتى تدافعوا وتسابقوا للإدلاء بشهاداتهم، وما يحفظونه من حب وذاكرة للضحية. غير بعيد كانت سيارة للنقل المزدوج تحشر ببطنها أعدادا كبيرة من التلاميذ القاطنين بالدواوير المجاورة وكأنهم قطيع بهائم، وما فضل منهم فقد ظلّ ملتصقا بالباب الخلفي بينما اعتلت أعداد أخرى سطح السيارة في مشهد صادم ومفزع إذا ما تخيلنا خطورة ما ينجم عنه. المؤسسة التربوية لصيقة بمطرح النفايات الذي تتخلص فيه سوق الأربعاء من أزبالها، وهو الأمر الذي أشعل احتجاج رجال ونساء التعليم بذات المؤسسة في وقت سابق من السنة الماضية، كما أنّ الإعدادية تقع بمحاذاة غابة معروفة بكونها مرعى للنحل الذي يهجم خلال الأشهر الساخنة على المؤسسة، مما يضطرّ العاملين بها إلى إبقاء النوافذ مغلقة على الدوام رغم الحرارة المفرطة التي تعرفها المنطقة. إن عزلة إعدادية بني مالك عن التجمع السكاني بولاد بن سبع لن يفوقه سوى عزلتها عن مفاهيم التربية الحقيقية والتواصل المجتمعي، والنتيجة - كما ستفيدنا به تصريحات مختلفة - حالة انتحار والعديد من حالات الهدر المدرسي، وأنفس تلاميذية مرعوبة ومريضة سيكولوجيا. ينتحر بعد أداء صلاة الجمعة! «الاتحاد الاشتراكي» اتصلت بأب الضحية زكرياء غلاب في بيته وبين أفراد أسرته الصغيرة المكلومين بحرقة، وسط منزل صغير بالكاد قامت دعائمه، حيث بُنِي نصفه بينما ظل النصف الآخر مسوّرا بالطوب والحديد نظرا لقلة ذات اليد. سألنا الأب عن الواقعة، وبالضبط يوم قرّر المرحوم زكرياء غلاب - تحت ضغط ما - مغادرة العالم حتى من دون أن يعي ما هو مقبل عليه. في تلك الجمعة - يتداعى الأب في الكلام - كنت في وسط المدينة لمآرب، وعدت قبيل الغداء، اجتمعنا على المائدة، وكان المرحوم زكرياء بيننا، بعد ذلك خرج دون أن ندري وجهته بالضبط، لم يمرّ سوى وقت قصير حتى جاء أناس يخبرونني أنّ ابني قد انتحر بشنق نفسه إلى شجرة بواسطة حبل على بعد 200 متر تقريبا عن البيت، لم أصدّق الأمر، ارتبكت وأطلقت ساقيّ بالجري بينما والدته تتمرغ في الأرض منتحبة ولاطمة. سألنا إن كان قد بدا على الفقيد تغيرا في المعاملة أو قلقا صبيحة ذلك اليوم، فأكدت لنا الأم أنه بالفعل كان قلقا وعلى غير عادته، فبعدما عاد من صلاة الجمعة وغسل قميصه، وتناول غداءه قال لوالدته: « را تّي اللي تتبقاي فيا أماما» ثمّ خرج لقدره. شهقت الأم باكية بألم دفين. نفس الكلام سوف يؤكده للجريدة (ح.غ) ابن عم الضحية وتِرْبُه الذي يرافقه: «في ذلك اليوم الذي انتحر فيه شاهدته بعد الصلاة وكان قلقا ومتغيّرا، عرفت ذلك لأنه معتاد على مضاحكتي وممازحتي ومفاتحتي بالكلام، ظهيرة ذلك اليوم لم يفعل، بل اكتفى بجواب مقتضب جدا بعدما سألته: هل أنهيتم الصلاة؟ فردّ: إيييه». عن علاقة المرحوم زكرياء غلاب بأسرته، أفاد الوالد بأنه كان يعتبره صديقا له، وليس ابنا كما صدّقت كل من الأم والأخت على هذه العلاقة المبنية على الاحترام والحب، لاسيما وأن الفقيد كان مواظبا على صلواته وقراءة القرآن والإنصات له، يضيف الأب: «مرات عديدة كنت أعود متأخرا إلى البيت وأجده يستمع للقرآن أو الحديث». هذه الطيبة، وهذا السلوك الحسن هو ما صرّح لنا به أصدقاء الفقيد وجيرانه، وأيضا أساتذته بإعدادية بني مالك، فأين الخلل إذن؟ وما الدافع الحقيقي وراء إقدام تلميذ في ربيعه الرابع عشر على الانتحار بتلك الطريقة؟ عنف بسبب حلاقة الشعر في شكاية حررها وليّ أمر التلميذ المتوفّى وبعث بها إلى أزيد من عشر جهات (تتوفر الاتحاد الاشتراكي على نسخة منها مبصومة) تحدث الأب عمّا وصفته الشكاية ب «التحرش النفسي والاعتداء الجسدي» الذي مارسته إدارة الإعدادية، وهو ما كان وراء انتحار ابنه، حيث تشير الشكاية في محتواها إلى ما «تعرض له المرحوم زكرياء غلاب يوم الخميس 26 شتنبر 2013 صباحا (يوم واحد قبل انتحاره) بساحة المؤسسة، وقرب باب الإعدادية من الداخل، حيث قام المدير باعتراضه ومنعه من الالتحاق بالفصل بسبب حلاقة شعره التي لم تَرُقِ المدير، فشتم الضحية وأهانه وبصق في وجهه، ثم انهال عليه بالضرب واللكم، ورطم رأسه على ركيزة إسمنتية بباب المؤسسة، لأن الفقيد لم يقم بحلاقة كل شعره (تصليعه) بل قصّره فقط، وذلك خلافا لما أراده المدير». الاتحاد الاشتراكي سألت الأب عن بدايات معاناة ابنه من ظلم المدير كما ادّعى مادام أنّ مجرد واقعة واحدة للعنف لن تؤدي بالضرورة إلى الانتحار، فأفاد أنّ القصة تعود إلى نهاية السنة الفارطة حيث كان المدير دائم الاعتداء عليه وتهديده بالرسوب، وكونه سوف يدفعه لمغادرة الدراسة لا محالة، وهو الأمر الذي جعل المدير يحتفظ بنتيجة تحصيله الدراسي وحده من دون التلاميذ الذين استلموها من طرف الحراسة العامة، وذلك إمعانا في إهانته يضيف -الأب قاسم غلاب- وحمله على المجيء إلى الإدارة ليعنفه كما يفعل دائما، وهو ما جعل الضحية يخشى مجرد الاقتراب من المؤسسة مخافة تعرضه للتعنيف، فكان يتغيب لنفس السبب، كما أنه عاش حيرة وحزنا طيلة العطلة الصيفية لأنه - وعكس كل زملائه - حُرِم من نتيجة تحصيله الدراسي، ولم يكن يدري هل نجح أم كان من الراسبين؟ مع بداية هذه السنة، انتهت حيرة الضحية بعدما أخبره زملاؤه أن اسمه كان ضمن الناجحين وقد نودي عليه في لائحة تلاميذ المستوى الثالثة، فرح المرحوم زكرياء غلاب كثيرا سيما وأنه يعشق الدراسة، غير أن المعاناة سوف لن تنتهي، كما أنّ الفرحة كانت سحابة صيف بدّدها شخص المدير الذي ظلّ يتربص به ويكيل له العنف اللفظي والجسدي بالمناسبة ومن دونها. تقترب الأم الجريحة منّا مضيفة: « أخبرني ابني في بداية السنة باكيا: ماما المدير ما بغانيش نقرا وعايرني بهضرا خاسرة حدا صحابي». يفيد الأب قاسم غلاب: «قبل وفاته بيوم طلب منّي أن أرافقه للمرة الثانية إلى الإعدادية بعدما لم تعد له طاقة أو قدرة على مواجهة المدير، خصوصا وأنّ هذا الأخير هدده (وقد أفاد بهذا أيضا زملاء للتلميذ المتوفى) بالطرد نهائيا خلال هذه السنة، وهو ما أفزع الضحية لاسيما وأنه يحب الدراسة ويبني عليها أحلامه الموؤودة الآن. لم أذهب معه للأسف ولم أُبد رغبة في ذلك - يضيف الأب- خصوصا وأنني سبق ورافقته ولم أنجح في ثني المدير عن استهداف ابني». ابن عم الضحية وقرينه الذي لا يبارحه في نفس الوقت أفاد في سياق شهادته للجريدة:« كان دائما يتساءل أمامي : بغيت غي نعرف علاش تيكرهني هاد المدير». يضيف (ح.غ): « في إحدى المرات وبعدما طرد المدير زكرياء، ذهب إليه وتوسله: «الله يرحم الوالدين خليني نقرا أنا ما بغيتش نخرج»، فردّ عليه المدير: «الله يرحم الوالدين يلا ما عطيني التيساع». وفي مرة أخرى يسترسل ابن عم الضحية: «دخلت أنا والمرحوم عند المدير فنهره وأخرجه على التو بكلام نابٍ قائلا: « نتا سير ...». لقد كان يستهدفه دائما، أذكر - والكلام ل (ح.غ) دائما- أنه كان يغافله أحيانا ويلطمه على قفاه أو يصفع حنكه بشكل فجائي لأي سبب تافه كاللباس مثلا. أخت الضحية الصغرى والتي تدرس معه بنفس الإعدادية كانت شاهدا أيضا على وقائع التعنيف التي تعرض لها أخوها قبيل انتحاره بأيام، وأكدت للجريدة بنفس التفاصيل ما سبق أن صرح به زملاؤه. مؤسسة أشبه بثكنة عسكرية كل شهادات التلاميذ سواء فرادى أو جماعات، تؤكد على وقائع العنف التي تعرض لها أغلبهم بإعدادية بني مالك من طرف المدير، وأكدوا أيضا على حضورهم مشاهد تعنيف زميلهم المتوفى. يصرح تلميذ زميل لزكرياء غلاب بالقسم: « كل الأساتذة ينوهون بالمرحوم، كان يجلس بالطاولات الأمامية ويشارك في الدروس، قبل وفاته بيوم ضربه المدير وطرحه أرضا ثم أنهضه وصفعه بقوة شاتما بأقذع الألفاظ وأبذئها بسبب حلاقة شعره. (م.ق) تلميذ في الثانية إعدادي يضيف: «يضربنا بقضيب بلاستيكي يمسكه كلّ صباح، ويشتمنا بألفاظ قبيحة ويطلب منا مغادرة مقاعد الدراسة فمكاننا هو العمل وليس القسم». تلميذ آخر يقول فيما يشبه معرفة واضحة بسيكولوجيا التربية: « الأخطاء التي نرتكبها لا تستحق كل هذا الضرب، هو يلا درنا شي حاجة يجي يهضر معانا برجولة ماشي غي يلحق يبدا يصرفق ويضرب ويسب ويعايرنا ب البهيمة والكلاب والحمير»، أكثر من ذلك يضيف ذات التلميذ: «إذا حدث وبصق تلميذ في الأرض أو تفل قشرة «زريعة» وشاهده المدير، يمسكه من عنقه ويطلب منه أن ينحني ليمسحها او يلتقطها بفمه». (ع.ر) تلميذ صدمنا بعبارة تعكس مرارة ما يحمله داخله إذ صرّح مطأطئا رأسه بحزن: «أنا ملي ما قتلتش راسي كيف والو، هو اللي خسّرني العام الفايت (يقصد أرْسَبَه)، تيظهر لينا فيه لعجب فاش تيكون شي مفتش ولا شي لجنة تيولي ظريف وتيعاملنا مزيان، وملي تيمشيو يترجع يضرب ويسبّ». تلميذ خامس «يثني» ملابسه على مستوى المرفق والورك ليرينا جروحا وكدمات ثم ينبس: «أنا تأخرت خمس دقائق حيت تنجي خمسة كيلومتر ضربني بتيّو غليظ وهربت وطحت هانتا تتشوف شنو دارلي دابا ما تنقدرش نحط يدي ونكتب بالستيلو». تلميذ سادس (السنة الثالثة إعدادي) أخبرنا أن المدير ضربه على أذنه بالقضيب البلاستيكي العام الماضي ولا يزال يشعر بآلام داخلية بها إلى الآن حتى أنه لا ينام جيدا، ولم يخبر والديه لأنه متأكد أنهما لن يفعلا شيئا ، بل ربما يشعلا أكثر انتقام المدير، كما صرح التلميذ بحسرة. تلميذ سابع أفاد بما يشبه موقفا تراجيكوميدي ينهل من معرفة تاريخية مقرّراتية: « واحد النهار دخلني للإدارة وقطعلي شعري بالمقص من لقدّام وطرشني وضربني واخا الحسانة ديالي عادية بحال كلشي، هاد المدير عايش بالنفوذ والسلطة والقمع والدعاية، كلشي عدّو». يضيف ذات التلميذ: «ممنوع علينا الاستظلال بالأشجار حتى فالصيف ويلا ما جاش شي أستاذ نبقاو فالساحة واقفين وسط الحرارة ويلا ما عجبوش لباسنا يضربنا وتيقولنا: نتوما حيوانات خصكم تبقاو واقفين». (ن.غ) أخت الضحية التي تدرس الآن بكلية الشريعة لم تسلم بدورها من عنف مدير إعدادية بني مالك حيث تتذكر أنها في إحدى المرات كانت واقفة في الصف، وخارجة عنه قليلا فإذا بها تفاجأ بلطمة شديدة على قفاها، لم تقو على هذا الظلم - كما قالت- فانسحبت لتوها من المؤسسة ورفضت العودة للدراسة لولا توسل والدتها وإلحاحها على أن تتابع ابنتها الدراسة وتصبر، وهو ما لم تنجح فيه مع فقيدها زكرياء غلاب. عنف لفظي في حق الأساتذة حملت «الاتحاد الاشتراكي» عديد أسئلة مؤرقة لأساتذة التلميذ المتوفى حول سلوكه وهندامه وأيضا مواظبته داخل الفصل فكانت شهاداتهم تجتمع حول خلق الضحية القويم ومشاركته في الدروس، وهي نفس الصفات التي استقتها الجريدة من جيران الأسرة وفقيه المسجد الذي كان يداوم عليه زكرياء غلاب. حتى بعض الأساتذة سوف يؤكدون وقائع العنف في حق التلاميذ عموما وفي حق الضحية على وجه التحديد، بل أفادوا بأنهم لم يسلموا أيضا من عنف المدير اللفظي وشططه في استعمال سلطته الإدارية، إذ صرحت أستاذة أنّ لجنة لحقوق الطفل قد سبق لها أن حضرت للمؤسسة السنة الماضية بسبب العنف والترهيب الممارسين ضدّ التلاميذ، كما أضافت أنها كانت عرضة لعنف وتحرش لفظيين، وذلك على خلفية وقفة احتجاجية نظمها أساتذة الإعدادية (استنكارا لوجود مطرح النفايات لصيقا بالمؤسسة). كما قدمت لنا الأستاذة نسخة من شكاية سابقة لأساتذة الإعدادية موجهة لوزير القطاع في شأن رفع الضرر الذي أوقعه المدير عليهم إلى درجة أن أستاذة أصيبت بانهيار عصبي وسقطت في القسم أثناء مزاولتها لعملها بعدما هددها المدير وتوعدها بسبب انكسار زجاج نافذة خارج حصة تدريسها محملا إياها المسؤولية ومتهما لها باللامبالاة. كما أشارت الشكاية إلى أسلوب السلطة والترهيب الذي ينتهجه المسؤول الأول عن المؤسسة من خلال استعمال مصطلحات غير تربوية وابتعاده عن التواصل الإيجابي مع محيطه، وهو نفس ما أكدته أستاذة أخرى تعمل بنفس المؤسسة بعدما كانت عرضة لتعسفات المدير وظلمه واتهاماته الباطلة، وهذا ما اطلعت عليه الجريدة من خلال نسخة لاستفسار وجهته الإدارة للأستاذة، يفيد بلامسؤولية المعنية بالأمر، ويضر بها تربويا وإداريا دون وجه دليل. تضيف ذات الأستاذة أنّ المدير يتبجح بعلاقاته «الفوقية»، الأمر الذي جعلها رفقة زملائها في العمل تشكّ في مصير الشكايات والتظلمات المرفوعة من قِبَلهم، ما يترك حرمة الأساتذة معرّضة للانتهاك الدائم في ظل صمت المسؤولين وعدم تحرّيهم للحقائق بالنزول للمؤسسة، والاستماع عن قرب لكل المتدخلين في العملية التعليمية التعلمية. مدير ينفي الشائعات «الاتحاد الاشتراكي» اتصلت بمدير المؤسسة وقابلته بما يشاع عن قضية الاتهامات الرائجة بكونه وراء انتحار التلميذ زكرياء غلاب جراء تعنيفه له، فكان أول رده أنّ التلميذ المتوفى انتحر خارج الإعدادية، وتساءل لحظتها عن علاقة المؤسسة بذلك، وأفاد أيضا بأن ملف الضحية يشي بضعف مردودية التلميذ وكثرة تغيباته، كما صرّح بأنّ الضحية كان يتعرض للعنف من طرف والده وبأنّ هناك مشاكل أسرية عميقة هي ما حدا بالطفل إلى الانتحار ولا علاقة للإدارة بهذا، قبل أن يضيف بأنّ الجريدة عليها أن تبحث في هذا الاتجاه بالضبط، ويبدي تعجبه من كون جريدة الاتحاد الاشتراكي قد «نزلت إلى هذا المستوى» بحيث تكتب عن أمور «تافهة» كواقعة انتحار تلميذ! كان هذا كل ما أفادنا به المدير قبل أن يقفل في وجهنا باب الحديث بدعوى أنه لا يحق له أن يضيف أي شيء آخر. طَرْح السيرة الدراسية الضعيفة للمتوفى و المشاكل الأسرية وسيرة الوالد السيئة وغيره من الاتهامات المضادة هو ما سيزكيه أحد الإداريين العاملين بالمؤسسة الذين التقتهم الجريدة. قبل أن ننسحب من أمام المؤسسة ، أشرت مناديا على تلميذين ممن سبق وتحدثت إليهما كي يلتحقا بي لأخذ شهادتهما رفقة آخرين، فتجاهلاني واستمرا في قيادة دراجتيهما بعدما لاحظت أنهما رميا نظرهما وراء ظهري، استغربت للأمر، والتفت فإذا بمدير المؤسسة لايزال قابعا عند بابها بغلظة واضحة للعيان. شجرة تخفي دغلا للهدر المدرسي يبدو أنّ واقعة انتحار زكرياء غلاب ليست وحدها الخطر الذي يخيّم جراء ما يشاع عن عنف الإدارة التربوية بإعدادية بني مالك، فأخطر من ذلك بكثير ظاهرة الهدر المدرسي الذي يعدّ انتحارا آخر طويل المدى. فأثناء تحرك الاتحاد الاشتراكي واستقصائها في هذا الملف التقت بائعا للحلزون من أبناء المنطقة وهو يافع لاتزال تبدو عليه مخايل المراهقة ، أخبرنا أنه أجبر على الانقطاع عن الدراسة بسبب عنف المدير، نفس الأمر أكده لنا يافعان آخران أحدهما حلاق والآخر ميكانيكي، دون ما خفي من المنقطعين الذين فضل بعضهم العودة للمسجد لحفظ القرآن، أو الارتماء في أتون التشغيل. هذا الملف ونظرا لخطورته التربوية والاجتماعية ، جعل المجتمع المدني وخاصة اتحاد جمعيات المجتمع المدني بسوق أربعاء الغرب الذي توصل بشكاية موقعة من طرف والد الضحية، الأمر الذي جعل هذا الإطار يدخل على الخط ويستنكر هذا الوضع، لاسيما الهدر المدرسي المهدِّد لأبناء هذه المنطقة ضمن مجموعة من القضايا التي تؤرق ساكنة المدينة، كما يطالب الجهات المعنية بفتح تحقيق في النازلة، كما صرح للاتحاد الاشتراكي منسق اتحاد جمعيات المجتمع المدني عبد الفتاح منار. أحلام زكرياء تنمو من جديد غادرنا ولاد بن سبع والمساء مُقبل، وفي قلوب وذواكر تلاميذ إعدادية بني مالك من أصدقاء وزملاء المرحوم زكرياء غلاب حرقة لاهبة، وأيضا الكثير من الرجاء بأنّ يكف المدير عن عنفه ويغير سلوكه أو مغادرته للمؤسسة كما عبروا ببراءة طفولية لا علاقة لها بالسياسات التربوية ولا بمنطق الصمت والتواطؤات. ثلاثة رفاق للمرحوم قالوا بأنهم سوف يحققون لزكرياء حلمه في إتمام الدراسة من خلال مواظبتهم وتحقيق مستقبل زاهر سيهدونه لروحه، وبأنه سيظل حاضرا في قلوبهم وعقولهم أبدا. الأب المكلوم لا يطالب بغير فتح تحقيق نزيه في الظروف والملابسات الكامنة وراء انتحار ابنه، وإنصاف الأسرة التي رزئت في أصبع منها فأضحت كفّها مشوهة. الأم والأخت البكر لم يكفّا عن الدعاء لزكرياء بالرحمة وطلب القصاص الإلهي. الأخت التي تصغر الفقيد لاتزال بين مصدقة ومكذبة وربما ستغدو لها المؤسسة التي تقاسمت مع أخيها فيها ذكريات مجرد سجن يخفي موتا أكيدا، بينما «بلال» ذو الثلاث سنوات يجري بمرح وسط فناء المنزل المعرَّى غير واع بجدلية الموت والحياة، لربما كان زكرياء بالنسبة له غائبا عن النظر لا غير، وربما حمل عنه بلال أّحلامه التي وأدها القدر، وصار الرجل الذي حلمت به أسرته الصغيرة بعدما لم يتبق من ابنها سوى ذاكرة مؤتلقة وبعض صور فوتوغرافية مؤلمة في كثير من الأحيان. يبدو للرأي العام بالمنطقة أن السياسة حضرت بقوة في هذا الموسم وغابت فرجة التبوريدة في جماعة فقيرة ومحدودة الإمكانيات المادية : المنطقة بحاجة إلى جرعة تنموية حقيقية بعيدا عن الهاجس الانتخابي ، لأن من شأن ذلك أن يعمق الهوة في الثقة بين ساكنة هذه المنطقة، جرعة يجب أن لا يشتم فيها الهاجس الانتخابي. ولعل السكان يدركون من ساهم فعليا في رفع الغبن التنموي عن جماعتهم: من كان وراء إنجاز الطريق مركز الى الجماعة؟ من كان وراء السد المعلمة بوبكرة وسد بني عيسى؟ ومن كان وراء إنجاز محمية الغزال أدام ؟ ومن عمم التمدرس الابتدائي والثانوي ووفر النقل والإطعام المدرسي لأبناء بني ازرنتل وباقي الجماعات القروية المحيطة بها بعيدا عن ولائم المواسم التي لا تساهم إلا في تفقير هذه الجماعات... أليس هذا بواقع ملموس بعيدا كل البعد عن اجترار الخطابات السياسوية الاستهلاكية؟ المضحك المبكي في الأمر أنه في الوقت الذي كان منتظرا من الجهات المسؤولة في النيابة، الارتقاء بمستوى الوجبات المقدمة كمّا وكيفا والعمل على تنويعها اقتداء ببعض النيابات الآخرى ، التي عملت على إغناء الوجبات المقدمة بإضافة الجبنة والشكلاطة والكعك... وعدم الاقتصار على وجبات السمك والعدس المجحفة بحق أطفالنا، نجد هذه الجهات بسلوكها غير المبرر، وفي إطار سياسة الأمر الواقع ، تكاد تقبر المطعم المدرسي، وتأتي هذه الانتكاسة في ظل الواقع المرير الذي يعيشه العاملون في المطعم والمتمثل في هزالة المبالغ التي يتقاضونها مقابل عملهم الشاق والمضني والمماطلة في دفعها. فأغلبهم لايزال ينتظر مستحقات السنة الماضية، ناهيك عن عدم توفير معدات ومستلزمات الطبخ من أوانٍ وقنينات غاز...بل إن المديرين أنفسهم أصبحوا يبحثون بالمجهر عن طباخين متطوعين يقبلون هذا الأجر الزهيد، هؤلاء الذين أصبحوا يقومون ب«أعمال سخرة» بدل العمل مقابل أجر محترم ، علاوة عن الفضاءات غير المناسبة التي يعملون بها، إذ قلما تتوفر المؤسسات على حجرات إطعام تحترم المواصفات الصحية السليمة لإعداد وتقديم هذه الوجبات، بل إن البعض من الطباخين يضطر لإعداد هذه الوجبات في بيته وتقديمها للأطفال في الهواء الطلق! مصادر «الاتحاد الاشتراكي» أفادت بأن استغلال المقالع المذكورة تم عبر استخراج كميات ضخمة من الرمال، خلال شهري يونيو ويوليوز المنصرمين، وتم استعمال بعضها في تكسية وتهيئة طريق بجماعة تمحضيت الواقعة خارج النفوذ الترابي للجماعة المعنية بالأمر، علما بأن هذه الجماعة تشكو أصلا من الفقر الشديد على مستوى البنيات التحتية والمسالك المتردية، ولم يعثر أي من المراقبين على أدنى جواب حول ملابسات صمتها عن الأمر رغم ادعائها في كل مرة أنها تعاني عجزا ماليا كبيرا، وكان عليها أن تعلم بالمداخيل المهمة التي تجنيها الجماعات من المقالع. ومعلوم أن موقع المقالع المذكورة يأتي ضمن أملاك الجماعة السلالية لآيت واحي ، حيث قامت مجموعة من ذوي الحقوق، الذين يفوق عددهم ال 50 شخصا، بالتوجه، يوم الاثنين 21 أكتوبر 2013، نحو عمالة إقليمإفران لاستعراض الموضوع أمام السلطات الإقليمية، وقد سبق لهم أن تقدموا بشكاية لدى قائد ملحقة عين اللوح، طالبوا فيها منه بمساءلة نائب أراضي الجموع حول معنى سكوته حيال السماح بالتصرف في أراضيهم لفائدة المقالع العشوائية، غير أن القائد عمد إلى التعامل مع الأمر بنوع من اللامبالاة، ما جعل البعض من المحتجين يضع أكثر من علامة استفهام ويصف الحالة بواحدة من حلقات اقتصاد الريع. وبينما كشفت مصادر متطابقة ل»الاتحاد الاشتراكي» أمر مقلع آخر بإيموزار البفريت، جرى استغلاله من طرف مستفيدة من صفقة تتعلق بإصلاح وتكسية طريق بقريت، ويقع بملكية خاصة، لم يفت عدة أوساط مجتمعية التعبير عن سخطها إزاء مظاهر المقالع العشوائية نظرا للأضرار التي تلحقها بالبيئة، خصوصا قربها من الصخور النفطية، وشددت ذات الأوساط على ضرورة فتح تحقيق في ملف القضية وتحديد المسؤوليات، وفي مدى احترام الشروط والإجراءات الجاري بها العمل في هذا المجال، وأيضا في ما يتعلق بمخطط تدبير المقالع وفق المنشور الوزاري رقم 06/2010 الصادر بتاريخ 14 يونيو 2010 والمتعلق باستغلال المقالع.