أفرد كتاب «العقود الثلاثة لبورقيبة» الذي أصدره الطاهر بلخوجة، وزير الداخلية التونسي الأسبق، حيزا هاما لكواليس العلاقات الديبلوماسية التي كانت تربط بين الزعيم التونسي الراحل بورقيبة و زعماء العالم العربي، ويتضمن الكتاب معطيات مثيرة تنشر لأول مرة عن طبيعة علاقة الرئيس التونسي والملك الراحل الحسن الثاني، كما يتحدث عن موقف تونس من الصراع المغربي الجزائري، وكيف حاول الملك الراحل انتزاع موقف واضح من تونس لصالح المغرب، كما يحكي المؤلف تفاصيل عن الدور الذي لعبته إسبانيا في الصراع المغربي الجزائري خصوصا في عهد فرانكو، كما يقدم حقائق عن معركة «أمكالا» و دخول الجيش المغربي للمدينة وعن الدور الذي لعبته تونس في محاولة لتليين المواقف بين الرباطوالجزائر.. منذ 1955 و من القاهرة، كان علال الفاسي يُشهر خارطة مغرب المرابطين الكبيرة التي تنتهي إلى حدود السنغال، و هو مطلب تم تبنيه تدريجيا من طرف حزبه الاستقلال. في سنة 1957، غزا الجيش المغربي شمال الصحراء الإسبانية، و تم إبعاده في فبراير 1958 من طرف اللفيف الأجنبي الإسباني، بمساعدة من الوحدات الفرنسية للجنوب الجزائري و إفريقيا الغربية الفرنسية. في 25 فبراير 1958، أكد الملك محمد الخامس رسميا، أن بلاده «ستواصل تحركها من أجل استرجاع المغرب لصحرائه». وفي 15 أكتوبر 1960، وصل الأمير الحسن إلى تونس في زيارة عاجلة.كان قادما من باريس حيث التقى بالجنرال دوغول. أجرينا جلسة عمل امتدت إلى الليل. كان باهي الادغم في مواجهة الأمير. و باعتباري رئيس ديوان وزير الشؤون الخارجية و نظرا لغيابه، فقد حضرت الجلسة مع أعضاء آخرين من الحكومة. قال لنا الأمير أن «ملك المغرب و المغاربة قد تضايقوا كثيرا من موقف تونس حول موريتانيا التي هي جزء لا يتجزأ من بلاده، تاريخيا، لغويا و سياسيا» داعما وجهة نظره بتفاصيل إثنية و عارضا خرائط جغرافية متعددة. و أضاف قائلا: «إنكم لا تعرفون موريتانيا، إنها مستعمرة فرنسية، غير قادرة على الحياة بالاعتماد على نفسها. ينبغي إخراجها من الربقة الإفريقية و إعادتها إلى مصيرها العربي. و المغرب من حقه على تونس أن تسانده بشكل طبيعي و فوري، كما فعلت بلدي دوما مع بلادكم. فنحن سنساندكم مثلا إذا ما طالبتم بجزيرة بانتاليريا، التي هي أقرب إليكم مما هي عليه من إيطاليا، و هي كانت إقليما عربيا...» كان الأمير مهذارا. كنا صامتين. فلا جدوى من معارضته. وفي اليوم الموالي، كنا في عين غلال حيث يستريح الرئيس. كان الأمير لا يزال متحمسا لكن أكثر هدوءا. كرر الأساسي في مطالبه. تحدث بورقيبة طويلا عن أضرار الاستعمار، و أشاد بنضالات الاستقلال. و قال أن فرنسا ستمضي حتى النهاية في استراتيجيتها الجديدة مع كل البلدان الإفريقية و خاصة موريتانيا، و أنها لن تساند المطالبة المغربية بالاستفتاء، ففرنسا تريد تشكيل مجموعة فرنسية-إفريقية. و المغرب سيكون في الطليعة كي ينسج أفضل العلاقات مع موريتانيا مستقلة. تواصل الحوار و الجدل طيلة اللقاء دون أي أفق للاتفاق. كان الأمير متشبتا بموقفه، و كان يُذَكرُ بانتظام، بالخصال الثابتة التي تجمع الملك محمد الخامس مع بورقيبة، بيد أن رئيسنا ظل جامدا. في نهاية الاجتماع، سيغامر الأمير ب»دعوة المجاهد الأكبر إلى المجيء قريبا لتناول الشاي مع صديقه محمد الخامس تحت الخيمة في موريتانيا». كاد الوضع أن ينفجر. فقد رمى بورقيبة الخرائط الجغرافية، التي عرضها الأمير الحسن، أرضا و قال جملة واحدة: «إنك لم تفهم شيئا». خرجنا جميعا و قد ران علينا الصمت. في 28 نوفمبر1960 ،نالت موريتانيا استقلالها. و رعت تونس و فرنسا قبولها في الأممالمتحدة. في 4 يناير 1961، أُنشئت مجموعة الدارالبيضاء التي ستضم كلا من المغرب و الجزائر و غينيا و غانا و مالي و ليبيا و مصر و التي عبرت عن معارضتها لاستقلال موريتانيا. و في المقابل ، تشكلت مجموعة مونروفيا التي ضمت كلا من تونس و موريتانيا و السنغال و ليبيريا و ساحل العاج و هي الدول التي ستساند موريتانيا. في سنة 1963،أعلنت إسبانيا اعتزامها استغلال مناجم الفوسفاط في بوكراع، التي تغطي 250 كيلومتر مربعة باحتياطي يصل إلى ملياري طن مكشوفة، و قررت بناء رصيف بميناء العيون يستقبل بواخر بحمولة 100 ألف طن، مع بناء عدد من مصانع الحامض الفوسفوري في هويلفا بإسبانيا. بعد فترة، سيطلب الحسن الثاني من الوزير الإسباني لوبيز برافو الأمر التالي : «أعطوني التزاما بأنكم لن تمنحوا الصحراء الاستقلال...و أنا مستعد لقبول تواجد استعماري اسباني... لأني أملك هذا الإقليم ...» في سنة 1971، رد الجنرال فرانكو- الذي اعتبر الصحراء الغربية أرضا بدون مالك حين أقام بها الإسبان- على ملك المغرب الذي زاره بمدريد :» ما تطلبونه مني يا جلالة الملك، هو انتحار لست مستعدا لا أنا و لا إسبانيا للقيام به...» و في سبتمبر 1973 ، أعلن الجنرال فرانكو في رسالة إلى الجمعية المحلية الصحراوية (الجماعة) أن «الشعب الصحراوي هو الوحيد سيد مصيره و أن إسبانيا تضمن وحدته». و في سادس نوفمبر 1975، كانت «المسيرة الخضراء» الشعبية التي قام بها عشرات الآلاف من المغاربة نحو الصحراء الإسبانية. توجه لهم الملك قائلا: « غدا إن شاء الله ستطئون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز...» رضخت إسبانيا و أرسلت مبعوثا إلى الملك بأكادير لإبلاغه أن إسبانيا ستغادر المنطقة، فتوقفت المسيرة. في بداية أكتوبر 1974، كرس اتفاق سري بين الحسن الثاني و ولد داداه، تقسيم الصحراء: الساقية الحمراء للمغرب و وادي الذهب لموريتانيا. و في 14 أكتوبر بمدريد، تم التوقيع على اتفاق ثلاثي بين إسبانيا و المغرب و موريتانيا، تقبل إسبانيا بمقتضاه وضع حد لاستعمارها الصحراء يوم 28 فبراير 1975، على أن تتولى الفترة الانتقالية إدارة ثلاثية: حاكم إسباني و مساعدان له أحدهما من المغرب و الآخر من موريتانيا. و تم إنشاء شركة لاستغلال الفوسفاط بمساهمة مغربية ب65 بالمائة و مساهمة إسبانية ب 35 بالمائة. فيما بقيت ترتيبات أخرى تحت غطاء السرية. و في 28 نوفمبر، سيحتل المغاربة السمارة. و في 11 دسمبر احتل 4000 جندي مغربي مدينة العيون. و في 19 احتلت موريتانيا الكويرة الواقعة على حدودها مع الصحراء الإسبانية. في 9 يناير 1976 ،دخل الجيش المغربي إلى الداخلة.حيث التحقت به القوات الموريتانية في 11 قبيل رحيل القوات الإسبانية نهائيا. شجبت الجزائر بقوة الاتفاق الثلاثي. و أصبح لا مناص من النزاع. لم تتوقف المناورات، مما زاد المشكل تعقيدا. أما تونس، فلم يتم التشاور معها و لا إبلاغها حول مسألة تهم تطور المنطقة برمتها. في الجزائر، و في كولومب بشار، التقى ولد داداه مع بومدين الغاضب الذي توجه له بالكلام: «إن القضية بيني و بين الحسن الثاني. إذا أخذت موقفا جديدا مرة أخرى، فسأحاربكما معا...» كان الحديث يدور حينها حول رغبة الجزائر في الحصول على ممر نحو المحيط الأطلسي» الذي من شأنه، علاوة على طابعه السياسي و الاستراتيجي، أن يسمح للجزائر بتصدير معدن الحديد المستخرج من غار جبيلات. (ظل رئيس الدولة الموريتاني محاصرا في طائرته بالمطار لمدة أربع ساعات، حتى غادرت طائرة بومدين) وفي 25، كانت المواجهة شرسة. فاحتل المغرب حامية أمغالا. توالت البلاغات المتناقضة، و توالت الحملات الدعائية. أصبح خطر تحول المناوشات بين البلدين إلى مواجهة عسكرية كاملة، أمرا حالا. في الثلاثين من يناير، استدعاني الرئيس إلى اجتماع مضيق مع الهادي نويرة الوزير الأول و الحبيب الشطي وزير الخارجية و الشاذلي القليبي مدير الديوان. و مباشرة، كلفني الرئيس بمهمة عاجلة لدى الرئيس الجزائري و ملك المغرب: « لقد كنت أراها قادمة، فالرهان كبير جدا... ينبغي محاولة وقف هذا التصعيد و إلا فإن الأمور ستمضي بعيدا « . كنت ممتعضا قليلا: فالسياسة الخارجية أساسا، هذه المهمة الصعبة، ينبغي أن تُناط بالوزير الأول أو بوزير الشؤون الخارجية، الحاضرَين معا في الاجتماع. إلا أن الرئيس لم يُفَسر قراره حتى. استعرضنا تاريخ القضية مطولا، و قيمنا قوات الجيشين بصورة عامة و استعرضنا السند الخارجي الذي يعتمد عليه هذا الطرف أو ذاك. كان بورقيبة يريد الضغط بكل قوة من أجل وقف التصعيد. و ذكرنا باستجواب سابق له قال فيه : «لقد قلت للوزير الأول المغربي أننا مستعدون لمساعدته إذا لم يرفض المغرب قرار الأممالمتحدة منح الصحراويين حق تقرير المصير» خُصصت لنا طائرة خاصة فورا. و طرت إلى الجزائر. لدى وصولنا توجه موكبنا مباشرة نحو قصر الشعب، حيث استُقبلتُ مباشرة، مصحوبا بسفيرنا بالجزائر محمود المعمري،من طرف الرئيس بومدين الذي كان مُحاطا ببوتفليقة، و بنظيري أحمد عبد الغني و المدير العام للأمن أحمد درايا و العقيد محمد يحياوي. أتاحت لي المقابلة، التي ستدوم من الخامسة إلى السابعة زوالا، التعبير عن تخوفاتي و التأكيد على الهم الرئيسي لبورقيبة و المتمثل في حفاظه على الأمن بالمنطقة. و تركت الانطباع بأننا مستعدون للقيام بنفس العمل مع المغرب و ختمت بالتالي : «إن الإرادة الطيبة للجزائر من شأنها أن تسمح لي بمواصلة مهمتي بالمغرب» قال بومدين الهادئ و المصمم « «لقاءات القمة بيننا وحسن نيتنا، تمت خيانتها باتفاق مدريد الثلاثي الذي أعاد إسبانيا إلى المنطقة والذي يهدف لتقسيم الصحراء الإسبانية على حساب شعب بأكمله يُراد تشتيته على غرار الشعب الفلسطيني. ستكون لنا فلسطين ثانية بالمنطقة.كما ينبغي أن نتفق جميعا على أن لا يكون هناك أي إخلال بالتوازن بالمنطقة، جغرافيا أو سياسيا بدون اتفاقنا جميعا... وبلادي مصممة على إرسال كافة قواتها في المعركة في حالة حصول عدوان جديد بعد أمغالا، حيث لم نرد أن نُرُد تفاديا للتصعيد... فأنا رجل حرب و رجل جبال. لا أعتقد أن ملك المغرب بإمكانه الاستغناء، مثلي، عن الاحتفالات وعن القصور». و هكذا مرت ساعتان كاملتان، لم أتمكن من التدخل خلالها إلا بشكل متفرق، في جو خانق. فقد كان بومدين بحاجة إلى تفريغ ما في نفسه... لكنه بدا لي صادقا. وقد خرجت مقتنعا بأنه مصمم على الرد في أقرب اشتباك. كانت الساعة السابعة مساء تقريبا. دعاني الرئيس الجزائري إلى قبول دعوته للعشاء. فهمت من ذلك أن بومدين يريد استبقائي كي أواصل المحادثات مع مساعديه. نظم وزير الداخلية مأدبة العشاء و جمع فيها كبار المسؤولين المدنيين و العسكريين، تلتها سهرة متأخرة مع بوتفليقة و المدغري، اللذين ذكراني مطولا بعدوان 1963 خلال حرب الرمال. و أعادا علي مختلف مراحل العلاقات الجزائرية-المغربية، مشيرين إلى أن «الجزائر دخلت في اللعبة لكنها تعرضت للخيانة». و استنتجت أن الجزائريين لن يقبلوا الانهزام أمام المغرب. و خشيت أكثر من أي وقت مضى ، حصول ما لا تحمد عقباه. في الحادي و الثلاثين من يناير، في الصباح الباكر، عدت إلى تونس.توجهت مباشرة إلى قرطاج حيث وجدت الرئيس محاطا بالوزير الأول و وزير الشؤون الخارجية و مدير الديوان. بعد تقريري عن الزيارة و بعد تبادل مطول لوجهات النظر، خلُصنا إلى أنه بالإضافة إلى الآثار غير المتوقعة على الملكية المغربية العتيقة و على الثورة الجزائرية الفتية، و بغض النظر عن الطموحات التوسعية و المصالح الاقتصادية لهذا الطرف أو ذاك، فإن تونس لا يمكنها إلا أن تتخوف من أي تطور, لذلك ينبغي أن تصر على الحصول على هدنة فورية، في انتظار تحقيق سياسة حسن جوار و احترام متبادل... في ظل هذه الظروف ينبغي إقناع المغرب بالاكتفاء بنصر أمغالا و تهدئة اللعب، مع تحذيره بأن الجزائر قد ترد بشكل مختلف عن ردها في حرب الرمال». بعد الاتصالات الدبلوماسية، أخذت الطائرة الخاصة، في نفس المساء إلى الرباط، و منه إلى فاس حيث كان يقيم الحسن الثاني. و خلال العشاء و السهرة تحدثت مع كثير من أعضاء الحكومة المغربية ، من ضمنهم أحمد العراقي، الوزير الأول و الطيبي بنهيمة وزير الإعلام و مولاي احمد العلوي المقرب من الملك. كانوا فرحين بانتصارهم في أمغالا و كانوا متحمسين للقضاء بشكل نهائي على الجزائريين. تخيلت الحالة التي سأجد عليها الملك، و تذكرت السهرة المتوترة مع الوزراء الجزائريين، و بنيت استراتيجيتي تبعا لذلك. في اليوم الموالي، ستدوم المقابلة ساعة و 15 دقيقة. كان الملك بمفرده، على عكس بومدين. أثار جلالته بتعاطف زيارتي الأخيرة للمغرب، سنتان قبل ذلك. و مررنا فورا إلى قضايا الساعة.عبر لي الملك عن مدى استيائه و حزنه لموقف القادة الجزائريين و وصف الوضع باختصار. سألني عن مهمتي بالجزائر فأجبته :»إنها نفس مهمة السلام التي أقوم بها هنا...»فكر العاهل لحظة ثم انطلق، بهدوء في عرض هجائي للجزائر كي ينهي عرضه الجيوستراتيجي بالقول: «...قضية الصحراء قضية مغربية-موريتانية، و البلدان معا نجحا في دفع إسبانيا للرحيل.و الجزائر تريد التدخل و تعقيد الوضع. و بورقيبة يعرف الأسباب الحقيقية و كذلك أنا...» و ختم الملك بالحديث طويلا عن حرب 1963 ،في أعقاب المحاولات التوسعية في تندوف... واصل الحسن الثاني بحماس متحدثا عن المزايا الحربية للشعب المغربي: « و بذلك فإن المغرب يدافع عن مجموع المنطقة و يريد حصر الجزائر بصورة نهائية داخل حدودها... فأنتم معنيون مثلنا تماما...». كان تصميم الملك مثيرا. كان يؤكد كلماته، يعرف كيف يرجع إلى الماضي كي يمضي إلى الحاضر و العودة، بمهارة، إلى الماضي كي يحدد معالم المستقبل. كان يعرف كيف يكون لامعا. لم أبتعد معه كثيرا في التاريخ و عدت إلى الموضوع : «أحب أن أرجع إلى بورقيبة بقراركم وقف التصعيد». وهو ما جعلني أنصت إلى تدخل طويل من الملك ختمه بالقول: أن «الجيش سيقوم بواجبه...» أمام هذا التصميم، و بتلقائية، تحملت مسؤولية كلامي و قلت له :» ستكون تونس مضطرة إلى شجب واستنكار أي تعقيد جديد». قطب الملك حاجبيه، ثم سأل : - هل هذا هو الموقف الشخصي لبورقيبة؟ - يا جلالة الملك، هذا ما فهمته... لقد ذكرتم دوما بنصائح المرحوم سيدي محمد الخامس للحفاظ على استراتيجية سياسية متشابهة بين الرجلين... ثم، أنهيت كلامي بالإشارة إلى أن الجزائريين مصممون هم أيضا على القتال. ران صمت ثقيل و توقفت الجلسة. طلب مني الحسن الثاني أن أمدد فترة إقامتي: كان يريد استقبالي مرة ثانية. عدت إلى قصر الضيافة حيث تغذيت صحبة عدد من الوزراء المغاربة من بينهم الطيبي بنهيمة و أحمد السنوسي السفير السابق بتونس. كانوا يعرفون بأني سأرى الملك ثانية، كان الغذاء أكثر هدوءا من عشاء البارحة، لكن التساؤل حول موضوع اللقاء الثاني مع الملك ظل مهيمنا. كان من العسير تبديد التوتر السائد في الأجواء. في المساء، حوالي العاشرة، تم استقبالي من جديد في قصر فاس. كان العاهل ، الذي استقبلني في طابق آخر في مكتب جديد، مرتديا لباس القائد العسكري، و قال لي : «لقد اجتمعت مع هيأة أركاني... و هذا الغلاف يضم تعليماتي للمضي قُدُما. كان علينا هذا المساء استرجاع بير لحلو. لقد أوقفت كل شيء موقتا. قل هذا الكلام لبورقيبة. آمل أن يحصل على المقابل من الجزائر و ألا يتم إحباطه...على الجزائر ألا تتدخل أبدا في قضايا المنطقة التي لن يتم توازنها الاستراتيجي أو السياسي حسب طموحاتها هي.» و أصر الملك على تفسير خطورة و أهمية قراره. كان بادي الصدق، و كان تعاطفه مع بلادنا و إعجابه ببورقيبة واضحين. اتفقنا على أنه من المستعجل انتظار التحول في الجزائر ، التي ستمر بمراحل ثورية قبل أن تجد توازنا معينا. كانت الساعة الحادية عشر و نصف تقريبا. عدت إلى القصر حيث وجدت حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية المصري آنذاك وسعود الفيصل وزير الخارجية السعودي. اتفقنا على أن الهدوء و الطمأنينة ينبغي أن يسودا، و تسلينا ببعض قفشات القذافي و حول مصير الأمة العربية. و قد فوجئت بارتياح لواقعية حسني مبارك و مرونة فيصل. في الغد التقيت الوزير الأول ثم تناقشت مطولا مع مولاي احمد العلوي... في تونس، صرحت بالمطار بأن «توجيهات الرئيس سمحت لنا بالحصول على نتيجتين ملموستين: وضع حد لوضعية كان من الممكن أن تتفاقم أكثر و تؤثر بشكل ملحوظ على مجموع المنطقة، و التفكير في حل سياسي و عملي من أجل تسوية سلمية تحترم الحقوق الأساسية لكل طرف.