انتهى مسلسل التشويق وأمست للمغاربة حكومة بأغلبية حزبية جديدة. في البلدان المتعودة على التمرين الديمقراطي، يكون حدوث الرجات السياسية وتصدع الأغلبيات نادر الحصول لسبب بسيط كون التحالفات بين الأحزاب تكون قبلية ومبنية على التوافق حول البرنامج المقدم للناخبين داخل إطار احترام المرجعيات والثوابت والقيم المؤسسة للدولة الوطنية. في فرنسا مثلا لا يمكن أن يجازف أحد بالتحالف مع الجبهة الوطنية لأن خطابها وبرنامجها معاكس لقيم الجمهورية الخمس، ونتذكر كيف وجه الحزب الاشتراكي الفرنسي ناخبيه للتصويت على مرشح اليمين جاك شيراك لقطع الطريق على جون ماري لوبين، كما نتذكر كيف اهتزت أوربا وعارضت وصول ممثل اليمين المتطرف إلى رئاسة حكومة النمسا للحفاظ على أوربا المنسجمة داخل إطار الاختلاف المقبول بين اليمين الليبرالي واليسار الاشتراكي الديمقراطي. في بلادنا أضاعت الدولة فرصا عديدة لإخراج الوطن من براثن مخلفات الاستعمار والتخلف وانتشار الأمية والفوارق الاجتماعية والجهوية، وخلقت كيانات لتأثيث المشهد السياسي ، وأحكمت قبضتها على الإدارة والاقتصاد ووجهتهما لخدمة حفنة من التابعين، وعشنا عقودا من القطيعة بسبب اختلاف الرؤية حول طبيعة الدولة الوطنية التي نطمح إليها، إلى حين الإعلان عن الفشل والحاجة الملحة للاتحاد للخروج من عنق الزجاجة. كان ممكنا أن يقبل حزب القوات الشعبية اليد الممدودة، وأن يضع شروطا مقابل تحمل المسؤولية في ظروف الأزمة، لكن وضع مصلحة الوطن فوق مصالح الحزب، وتصرف بمنطق سلام الشجعان. صحيح، كان القرار صعبا على كثير من الاتحاديين الذين نشأوا وتكونوا في مدرسة النضال وفي نفوسهم، عن وعي أو بدونه، أن بين الاتحاد والمخزن دماء المهدي وعمر. وعلى خلاف ما تروجه بعض الأقلام المأجورة، فإن حصيلة الاتحاد في التسيير كانت أكثر من إيجابية، ولا يسع المجال هنا لسردها بالتفاصيل. لكن يلزم القول أن الانتقال السلس للحكم، وتوسيع هامش الحريات، والإقرار بالحقوق والمساهمة في تحقيق العدالة الانتقالية، وإعادة التوازنات المالية الكبرى والتقليص من المديونية الخارجية وإخراج مدونة الأسرة وفتح الأوراش الكبرى، وترسيخ أجواء الثقة كانت أبرز العناوين لهذا النجاح، دون نسيان الحماس الجماهيري الكبير والإحساس بالتفاؤل الذي توجه المواطنون بتجديد الثقة في الاتحاد الاشتراكي خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2002 ، وفي ذلك رسالة سياسية واضحة مفادها رغبة الشعب في استمرار الاتحاد على رأس الجهاز التنفيذي. بعض الأغبياء يجهدون أنفسهم لطمس الماضي، وتحريف التاريخ، بل من بينهم من ينسج خرافات لا تصلح حتى لمساعدة الأطفال على النوم بل من بينهم من يلبس لباس القرون الوسطى، وينصب نفسه الضامن لاستقرار البلاد والنظام، ويجحظ عينيه متوعدا ومهددا كل من يعارضه، في أكبر عملية ابتزاز سياسي عرفتها البلاد. إنها عقدة التاريخ الذي لا يمكن الكذب عليه، فصانعو بطولات الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير والشهداء، أسماؤهم موشومة في الذاكرة الشعبية، والمناضلون من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية عناوينهم السياسية معروفة. لا يهددون ولا يتاجرون برصيدهم النضالي على الرغم من دورهم المحوري الحاسم في رجوع الملك الشرعي للبلاد، وفي نقل وتوريث رسالة الوطنية الصادقة للأجيال اللاحقة. أشباه الأبطال الجدد يهددون لأنهم لا يؤمنون بالديمقراطية. لقد أًصيبوا بدوخة يوم 25 نونبر 2011 ، بل منهم من اعتقد بنهاية التاريخ وهلل لأفول عهد الفجور وبزوغ فجر الإخوان. لقد فاق الرقم كل التوقعات فاستكثروا على البعض وتشدقوا على الآخر بعجرفة لا مثيل لها. حتى الرئيس الذي قاد حملته الدونكشوتية على «بي ويت» وجد نفسه معزولا بعد أن رفض الاتحاد حكاية تسخين أكتافه. لقد تسرع وقال أن «بي ويت» حرام في حرام وخط أحمر. فاستدرك وقال أن بينه وبين الحركة الشعبية العضو في «بي ويت»، «نسوبية» سياسية قديمة تعود لعهد الفديك، ولم ير مانعا في تولي أمينها العام حقيبة الداخلية وما أدراك ما الداخلية. وتجند الإخوان بكثير من الحيوية، وفتشوا عن عنوان للفساد فاهتدوا وأطلقوا نيرانهم على رئيس التجمع، أحد مكونات «بي ويت» ، وأقسموا بأغلظ الأيمان أن يدخلوه السجن. قالوا إنه استفاد بغير وجه حق، ثم أعقبوا وقالوا إنه رمز النكوص والردة. وفجأة استفاقوا ووجدوا أن من استكثروا عليه حسب اعتقادهم غير راض عن الأداء الحكومي وغادرهم. ثم بدأ مسلسل الواقع المرير حيث لا مفر من التوسل لزعيم «بي ويت»، ولا ضرر أن يعوض رئيس المجلس الوطني الإخواني في الخارجية وما أدراك ما الخارجية. سيصوم الإخوان ثلاثة أيام تكفيرا عن خطايا السب والقذف والرجم والبهتان في الحليف الجديد العضو في «بي ويت» الذي أنقذهم من السقوط. ماذا سيقولون للقواعد؟ بل ماذا سيقولون للشعب؟ مولاي الشعب كما كتب الأخ عبد الرفيع الجواهري، الذي يعرف كيف يحشد قوته عند الملمات، لقد فعلها يوم 5 أكتوبر وأشهر ورقة ملتمس الرقابة في وجه الفاشلين. هل سيقول الرئيس إنه تشويش من فعل عفريت أو تمساح، أم سيصاب بمرض الرشد السياسي ويبتعد عن زلات اللسان. لا تستغرب. يحكى أن رجلا ساق خنزيرا لفقيه الدوار وسأله عن الأجزاء الحرام فيه. رد عليه الفقيه أن كل ما يوجد فوق الفراقش حرام، فقام الرجل وقلب الحلوف على ظهره وحوافره في السماء وقال الآن كله حلال. فهمتيني ولا