رسم يوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2013 الصورة الحقيقية لكائنات المشهد الكروي المغربي بعد أن امتلأت مقبرة الشهداء بالرباط بكل الوجوه التي رافقت المدرب الراحل فاريا من لاعبين ومدربين ومسؤولين، كان الفقيد في حاجة إليهم في حياته بعد أن هدّه المرض و « بهدلته « الحاجة وقلة ذات اليد وهو الذي صنع لاعبين وفتح أمامهم باب الشهرة والاغتناء. معاناة المهدي فاريا انطلقت منذ أن توقف الراتب الذي كان يتقاضاه من فريق الجيش الملكي رغم هزالته، ولم يبق أمامه سوى شريط ذكريات من أجمل ألبوم عرفته الكرة المغربية مع إنجازاته رفقة أفضل فريق وطني بشهادة العارفين بالكرة. فريق أخرج المغاربة إلى الشوارع لتفجير فرحة كان من الصعب إيقاظها في الثمانينات من القرن الماضي، بعد مأساة انتفاضة 1981 ومخلفات الجفاف. بعد أن ضاقت الرباط بالرجل، حزم حقيبته الوحيدة وقصد القنيطرة حيث كانت لها علاقة خاصة بالمدافعين السابقين للكاك نورالدين البويحياوي وخليفة العابد اللذين قدما له كل المساعدة الممكنة بمساعدة قلة قليلة جدا من اللاعبين القدامى لا يتجاوز عددهم الثلاثة، مع تنكر البقية من لاعبين ومدربين ومسؤولين رغم أن مأساة الرجل كانت معروفة لدي الجميع. لم يتكلم فاريا في يوم عن حالته، ولم يشتك لأحد، ربما لأنه كان على علم بنوعية البشر الذين تعامل ويتعامل معهم، بشر ضعاف الذاكرة، يجمعهم الموت أكثر مما تجمعهم الحياة. لم يكن فاريا رجلا عاديا، حقق ما عجز عنه العديدون ممن يحتلون المشهد اليوم وممن احتلوه سابقا، صنع مجدا لكرة يتغنى الجميع بذكرياتها وأمجادها، علما أن أرقى ما حققته كرتنا في المناسبات الكبيرة، هو فوز بكأس إفريقية يتيمة للكبار مع مارداريسكو الروماني، وأخرى للشبان مع رشيد الطاوسي، وتأهل لنصف نهاية كأس العالم مع فتحي جمال. فعن أي مجد يتحدثون؟ في عهد إشرافه على تدريب المنتخب المغربي والجيش الملكي، تأهل الفريق الوطني إلى الدور الثاني لكأس العالم كأول فريق عربي وإفريقي، وفاز بكأس إفريقيا مع الفريق العسكري، وبكرتين ذهبيتين لأفضل لاعب إفريقي مع التيمومي والزاكي، وخلف جيلا من اللاعبين المتميزين استفاد أغلبهم من خبرة الرجل ورسموا لأنفسهم مسارا ناجحا رياضيا وعمليا ونفذوا من دائرة الفقر نحو الاغتناء والشهرة. رحل دون أن يترك لابنه يوسف وابنته لينا رصيدا بنكيا ودون أن يؤمن لهما مستقبلا يقيهم مدّ اليد وطلب العون، في وطن ظنا أنه سيعترف لأبيهم لما قدمه للكرة الوطنية وللعديدين ممن استفادوا منه كما ظل الراحل يظن في حياته. حكاية فاريا حكاية ستكرر مع آخرين، في زمن التنكر. فرحمة الله على الراحل وصبر جميل لابنيه ولمن حفظوا له قليلا من الجميل.