هل لديك شهية أن تأكلي طفلك الرضيع؟ يبدو المشهد مألوفاً بين النساء أكثرَ مِمَّا بين الرجال، و يبدأ هكذا: تتجمَّعُ النسوةُ حول أُمٍّ مع طفلها الرضيع عادة، ثم يَبدأْنَ بإطلاق عبارات الإستلطاف والإعجاب مِثل، «ما أحلى هذهِ الصَّبيَّة»، «ما ألطف هذا الصبي»، «هذا الطفل آية في الجمال و الحلاوة»، ثم يتطور الكلام إلى: «أُريدُ أن أقرص تلك الخدود الحلوة السمينة». وتنطلق الجملة السحرية المُميَّزة، «إلهي، لا أستطيع المقاومة، أُريدُ أن آكل هذا الطفل». وأُمُّ الرضيع، التي قد تُجازف بحياتها لحماية طفلها، تتقبل هذه العِبارة «الآكلةَ للحوم البشر» برحابة صدر وابتسامة عريضة، و تعتبرها إطراءً عظيما، و كأنها تقول في نفسها، «أنا أيضاً أُحِبُّ أن آكُلَ طفلي، لكني لا أستطيع أن أقول ذلك أمام زوجي». لكن ما الَّذي يجعل النساء يسْلُكْنَ هكذا؟ كان المُعتقَدُ عند البعض أن هذا السلوك قد يعود إلى الأسباب التالية: اولها أن الطفل الرضيع مع الشخص البالغ يشكلان فريقاً هزلياً ممتازاً، فهو يكون موضوع الهزل وليس سببه. وقد يميل الذهن بصورة لاواعية إلى الربط بين شكل الرضيع وبين الغذاء اللذيذ. فالطفل بعمر ستة أشهر، مثلاً، غِذاؤه الحليب فقط، ويبدو غضَّا بديناً، وتظهر طيات الجلد الناعم والشحم في مناطق كثيرة من جسمه الصغير. وكثير من النساء اللائي يَنظُرْنَ إلى طفل لطيف بإعجابٍ إنَّما يُرِدْنَ طِفلاً لأنفُسِهِنَّ. ويكون التعبير، «أُريدُ آكُلُ هذا الطفلَ» إشارة رمزية إلى الرغبة في الحَمْل. لكن أظهرتْ دراسة حديثة من جامعة مونتريال في كندا أن المرأة التي تشُمُّ رائحة الطفل الرضيع تشعر في الواقع كأنها تتناول وجبة إفطار لذيذة أو كمثل المخدرات للمدمنين عليها. وقال الدكتور جوهانيس فرازنيلي أستاذ علم النفس ورئيس فريق الباحثين في الجامعة، بأنهم أثبتوا لأول مرة أن رائحة الرضيع تُحفز الدوائر العصبية في مركز اللذة من دماغ الأم بطريقة لا نظير لها في الروائح الأخرى، كما تزداد فجأة مادة الدوبامين في الدماغ، وهي المادة الناقلة العصبية الرئيسة في مركز اللذة. يستمر هذا التفاعل القوي بين الأم وطفلها حتى بعد غيابه عنها لمدة. وهذه الحالة مشابهة لما يحصل عندما تأكلُ وجبة لذيذة وأنتَ جائع للغاية أو كمدمن يحصل على المخدر المعتاد، أي أنها عملية إشباع اللذة. وهذه الدراسة هي جزء من مشروع علمي لفريق الدكتور فرازنيلي مع زملائه في السويد وألمانيا لدراسة تأثير الروائح على الأدمغة البشرية. والسؤال هنا، هل نتفاعل مع روائح الغرباء بنفس الطريقة التي نتفاعل بها مع روائح أفراد العائلة أو الأصدقاء؟. وفي هذا البحث تم إختبار روائح الرُضَّعِ فقط. إذ أخذت ملابسهم بعد يوم أو يومين من الإستعمال عقب ولادتهم، وجمدت للإحتفاظ بالرائحة. ثم أختيرتْ لهذه الدراسة ثلاثون امرأة، نصفهن من الأمهات في الأسابيع الستة الأولى بعد الولادة (النفاس). واستخدم جهاز التصوير بالصدى المغناطيسي الوظيفي لدراسة نشاط الدماغ أثناء التجربة. وطلب من النساء وصف الروائح التي شممنها بعد تعريضهن لثلاثة أنواع وهي، رائحة الهواء النقي، رائحة الرضيع التي لا تعود لنفس طفلها، ورائحة ثالثة، خلال ذلك يراقب الباحثون نشاط الدماغ ويقارنونه بالوصف الذي تذكره النساء. بالنسبة لرائحة الأطفال الرضع، فإن النساء وصَفْنَها بأنَّها «طيِّبة قليلاً». لكن المسح الدماغي بالجهاز أظهر أن الجهاز الحافي توهج بوضوح. وعند مقارنة ردود الفعل الدماغي بين مجموعة الأمهات الجدد ومجموعة النساء الخوالي «بدون أطفال» ظهرت فروقات إحصائية قوية لصالح المجموعة الأولى حيث بدأت غريزة الأمومة تفعل فعلها. وأضاف الدكتور فرازنيلي «إذا إستطاعت رائحة الرضيع أن تُحفِّز مركز اللذة في الدماغ بهذه القوة فإن ذلك قد يُفسِّرُ سببَ سعادة الوالدَين المرزوقَين بمولود حديثاً. بل أنّه حتى في غياب الطفل الرضيع فإن دماغ المرأة كان مغموراً بالمواد الطبيعية المُخدِّرة المُريحة». ومن المعروف أن مادة الدوبامين ترتبط أيضاً باللذة الجنسية وأنواع أخرى من اللذات. كما قال، «إن التفاعل الكيمياوي بواسطة حاسة الشم، وليس بواسطة الكلام أو النظر، بين الأم ورضيعها هو قوي جداً» لكنَّهُ إستدرك انه ليس كل الروائح تثير رد الفعل هذا، وانما فقط تلك المرتبطة بالمكافأة «اللذة» مثل الطعام وإشباع الرغبة يمكنها أن تنشط مركز اللذة. وخلص الباحثون إلى القول بأنّه عندما تشعر المرأة أنها تريد أن «تلتهم الطفل» الذي تحمله في ذراعيها، حتى لو لم يكُنْ طفلَها، فهو إستجابة حياتية طبيعية مرتبطة بوظائف الأمومة مثل الإرضاع والحماية لأن رائحة الرضيع تلعب دوراً في تطور الإستجابات التحفيزية والعاطفية بين الأم ورضيعها. ونظراً إلى أن الدراسة لم تشمل الرجال فإن الدكتور فرازنيلي لا يُمكِنُهُ القول فيما إذا كان هذا التفاعل غريزياً في الإنسان أو أنه خاص بالنساء فقط. كما أنه لا يستطيع الإجابة على السؤال إذا كان تفاعل الأمهات ناجماً عن خبرة مكتسبة من خلال قضاء أوقات طويلة مع أطفالهِنَّ أو أنّه تفاعل كيمياوي طبيعي بين النساء والأطفال الرُّضَّعِ.