في افتتاح برنامج أنشطته الثقافية للموسم الحالي، احتفى المسرح الوطني محمد الخامس، مساء يوم الاثنين، برواية «الهدية الأخيرة» للكاتب محمود عبد الغني، التي اعتبرها الناقدان شرف الدين ماجدولين وشعيب حليفي منجزا سرديا متفردا يقتفي، من خلال التغلغل في أسرار فن التصوير الفوتوغرافي، محنة البحث عن الذات والتحرر من لعنة التشابه. في «الهدية الأخيرة»، الصادرة عن منشورات «المركز الثقافي العربي» بالدار البيضاء، قصة سعاد حمان التي تبدل حرفة عرض الأزياء إلى التصوير الفوتوغرافي، لكنها تواجه بتهمة «ثقيلة» من ناقد فني يعتبرها نسخة من الأصل، من الفنانة الأمريكية ذائعة الصيت لي ميلر، فتتورط سعاد في مأزق التحقق من شرطها الوجودي، والتحرر من لعنة المشابهة أو المطابقة مع الفنانة الشهيرة. إنها قصة التغلغل في وجدان الفنان لكتابة جرحه المفتوح ومعاناته الوجودية الأزلية. وبذلك تنضم رواية محمود عبد الغني، التي توجت بجائزة المغرب للكتاب في فئة السرد، إلى طائفة من النوع الروائي العالمي الذي ينفتح على أجناس تعبيرية أخرى، ويغوص في أسرارها ومعاناة ممارسيها. ويثمن الناقد شرف الدين ماجدولين في هذا العمل السردي نجاح محمود عبد الغني، في تجربته الروائية الأولى، في «الجمع بين مهارة الشاعر بلغته العذبة لتصوير مشاهد فاتنة ورسم شخصيات آسرة، وبين مساحة معرفية واسعة من تاريخ الفن الفوتوغرافي، تأسست على مجهود توثيقي كبير». ويرى شرف الدين أن الكاتب تناول من خلال قصة المصورة سعادة إشكالية الإبداع الأزلية، ذلك أن أسوأ قدر يمكن أن يصيب الفنان هو أن توضع له حدود ويحبس في تصنيف أو تبعية لنموذج آخر، أو «مشابهة مؤلمة». وتحدث الناقد والروائي شعيب حليفي عن شخصيات تتداخل في سياق البحث عن شيء ما، هي رحلة البحث عن الذات، محنة تنتهي بفرح حين يتحقق اليقين بأن «المشابهة وهم». توقف حليفي عند حكايات السفر التي تؤجج الصراع الداخلي لدى الشخصية (الرباط - القاهرة - باريس ...) وعن تكسير خطية التذكر بعودة الشخصية الرئيسية إلى طفولتها، لكي تبقى الرواية مرتفعة عن العالم الواقعي. وخلص حليفي من تحليل حبكة الرواية وفراغاتها وإحالاتها إلى أنها «رواية ثقافية» و»تفاعلية» بامتياز، ذلك أنه لا يمكن الإحاطة بمسالكها دون الرجوع إلى عوالم بصرية وفنية أخرى تصنع القاعدة الفنية للعمل في اشتغاله على فلسفة الفنون وأسرار صناعتها. أما محمود عبد الغني فأطر روايته في سياق التطور الكوني لمواضيع وأساليب الرواية من الاشتغال على الواقع والزمن إلى تناول ماهية الفن، مستعرضا نماذج روائية ذائعة الصيت في الأدب الغربي. وقال عبد الغني إنه كان مهووسا بدرء خطر الكتابة الشعرية على الأسلوب السردي. يذكر أن محمود عبد الغني من مواليد 1967 بمدينة خريبكة. صدرت له مؤلفات متنوعة بين الشعر والترجمة، من أهمها «حجرة وراء الأرض» (ديوان)، «عودة صانع الكمان» (ديوان)، «كم يبعد دون كيشوت» (ديوان). وفي الترجمة له «التاريخ والمفهوم» و»السيرة الذاتية .. الأشكال والوظائف» و»رحلة شمال إفريقيا» لأندري جيد ورواية «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل.