شاءت الأقدار الرحيمة، أن يرافق المهدي فاريا قدماء اللاعبين الذين شاركهم الحضور اللافت في مونديال مكسيكو 1986. إلى مدينة طنجة في أواسط الأسبوع الماضي، ليكون شاهداً ومودعاً. كان خروجه الأخير، حين تم تكريمه بمناسبة اللقاء الودي الذي جمع قدماء ريال مدريد وقدماء اللاعبين الدوليين.. شاء القدر أن يكون الرحيل إلى طنجة، الرحيل الأخير، وهو الذي ظل يرفض الرحيل إلى بلده الأصلي، مصراً على البقاء هنا، في بلد منحه أغلى شهادة وأغلى إنجاز في تاريخ الكرة الوطنية المغربية. فاريا ذلك الرجل الذي ظل صامتاً رغم جراح الزمن القاسي، اختار أن يكون وحيداً في مواجهة تقلبات الزمن. ورغم بعض السطور والعناوين التي نبهت إلى وضعه الصحي والمادي الصعب. لكن ظلت الأيادي قصيرة، ولم يلتفت إليه إلا القليل القليل من الأصدقاء ومن اللاعبين الدوليين القدماء، الذين احتضنوه بدفء خاص. كما احتضنهم في وقت مضى بما يملكه من صدق وحنان واحترافية أيضاً. لم يكن المهدي فاريا رجلاً عادياً. فلقد وضع اسمه على سطور التواضع وقلبه ظل مفتوحاً لجيل كامل، بل لأجيال جاءت بعد الزمن الجميل. فاريا، لا يحتاج إلى تعريف ولا يحتاج إلى من يقدمه إلى كل المغاربة، فالرجل دخل كل البيوت ورسم على أبوابها اسمه الجديد، اسم المهدي. هكذا كان الرجل. أحب البلاد والعباد وأصر على البقاء هنا، حيث تلقى كل الحب وكل التقدير، حين كان الحضور مرفوقاً بالأداء والعطاء. فاريا تنقل في أماكن عديدة، فمن الرباط إلى مراكش ثم فاس وخريبكة والدار البيضاء. كان رجلاً استثنائياً بكل المقاييس، كفاءة مهنية عالية وصدق ووفاء بدون حدود. نتذكر قبيل الرحيل إلى المكسيك. تلقى الرجل هجوماً إعلامياً قاسياً، حين كان اسم أمان الله غير موجود في اللائحة الأولى. وظلت سهام النقد والانتقاد تلاحقه أينما رحل وارتحل. لكن الرجل كان وقتها يضع العناوين الأولى فقط، وتدارك الأمر في الأخير ووضع اسم اللاعب الدكالي على اللائحة. لكن هناك لم يدخله إلى الملعب وظل جالساً إلى جانبه على كرسي الاحتياط. كان الرجل وقتها يضع ثقته في أسماء بعينها، كان راسماً للنواة الصلبة لمنتخب أدهش العالم بتأهله إلى الدور الثاني. كان يدرك أن المجموعة وضمان تماسكها فوق الأسماء والاعتبارات. هكذا كان الرجل، كان محباً للغة الجماعية، ذاهباً بها إلى أقصى حدود العطاء. المهدي فاريا، وزع تجربته على الجميع، وساهم بقسط وافر في إنعاش جسم بارد، ونزل بعد الإنجاز إلى الأرض ليشتغل، فاحتضنته الملاعب بكثير من الود والعرفان. قصة المهدي فاريا مع المغرب وأرضه، قصة تستحق أن تقرأ فوق سطور من الاعتزاز، أن تقرأ فوق جبال من الدفء، أن يكون بطلا لقصة، مع الأسف، لم تعرف نهايتها، لسبب بسيط أن اسم الرجل سيظل موشوماً في ذاكرة الكرة الوطنية. في انتظار أن يقف الجميع، وعلى جميع الملاعب الوطنية، ترحماً على رجل نسي مسقطه ليحيى بين جبال وهضاب لم تكن معلومة، في انتظار ذلك، نقول رحمه الله وأدخله فسيح الجنان إلى جانب كل الصادقين. شهادات أجمعت في حق المدرب الأسبق للمنتخب الوطني المغربي لكرة القدم المهدي فاريا، الذي وافته المنية، يوم الثلاثاء بالرباط، عن عمر يناهز الثمانين سنة، على أن الراحل كان مثالا للمدرب المقتدر والمحنك العاشق للمغرب والمغاربة. وفي شهادات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء. مصطفى الحداوي اللاعب الدولي السابق «وفاة فاريا خطب جلل وخسارة كبيرة للرياضة المغربية، لأن هذا الرجل، الطيب المعشر والأخلاق الفاضلة، أعطى الكثير لكرة القدم الوطنية». وأضاف «الرجال من طينة المرحوم نادرون جدا. ما نعرفه جميعا عن فاريا أنه كرس كل حياته للرياضة، وأسدى لها خدمات جليلة، وإن رحل عنا اليوم إلى دار البقاء فإنه سيبقى في الوجدان أبد الدهر»، مبرزا أن أسرة الرياضة المغربية في حداد بعد وفاة المهدي فاريا، الذي كان رياضيا ومدربا ومربيا كبيرا». واعتبر الدولي المغربي السابق عزيز بودربالة أن «بوفاة فاريا، فقد المغرب واحدا من الوجوه البارزة التي تركت بصماتها على المشهد الكروي الوطني، لا سيما دوره المتميز في التأهل إلى الدور الثاني لنهائيات كأس العالم 1986 بالمكسيك»، مشيرا إلى أن «الراحل الذي عشق المغرب وأحب المغاربة، كان أيضا معروفا بحسه المرهف وبروح المسؤولية والوطنية الصادقة». من جانبه، قال الدولي المغربي السابق محمد البويحياوي، الذي بدا متأثرا لفقدان أحد الأطر، التي اضطلعت بدور كبير في النهوض برياضة كرة القدم في المغرب وبروز أسماء لامعة، إن «المرحوم فاريا، الذي تربطني به صداقة متينة كان بمثابة والدي الثاني»، مضيفا أن الراحل الذي يتوفر على مسار حافل بالعديد من الألقاب على الصعيدين الوطني والقاري، أعطى الكثير لكرة القدم المغربية وعمل في صمت وتواضع وأبان عن روح عالية من التفاني ونكران الذات».