بالرغم من الاحصائيات المشجعة التي رصدتها منظمة اليونسيف، حول التقدم الذي أحرزه المغرب بخصوص تراجع نسبة وفيات الاطفال الاقل من 5 سنوات،حيث انخفض معدل الوفيات من 81 طفلا من أصل 1000 مولود حي سنة 1990 إلى 33 متوفيا سنة 2011،إلا أن هذا المعدل يبقى مرتفعا في صفوف الرضع الذين تمثل نسبة وفاتهم 62% من معدل وفيات الأطفال الأقل من 5 سنوات. هنا شهادات تسلط الضوء على هذه الحقائق القاسية التي مازالت تحول أفراح انتظار مولود جديد إلى أتراح. عايدة بن يحيى ، أُم فقدت رضيعها، تحكي قصتها والغصة تعتصر قلبها «في الاول كان حملي طبيعيا إلى بداية الشهر الخامس ، والذي تصادف مع الأسبوع الأخير من شهر رمضان المنصرم ، حيث أحسست بنزول القليل من السائل الأميني(الماء الذي يحيط بالجنين) فقمت بمعاينة الطبيب الذي طمأنني أن كل شيء على مايرام وأن وضعي طبيعي، لكن بعد مرور يومين على الكشف تزايد نزول السائل الأميني أو مايعرفه المغاربة ب(السقية) وأحسست بوجع على مستوى البطن ، فتوجهت لمصحة خاصة بالرباط ، ووصفوا لي دواء لتخفيف الوجع وتأخير الولادة إلى الشهر السابع، وذلك ليتمكن الجنين من النمو أكثر، بيد أنهم قالوا إنني سأحتاج لاجراء عملية قيصرية لدى الولادة، كما سيحتاج المولود لحقن يبلغ ثمن الواحدة منها 5000 درهم، وكذا المكوث في الحاضنة الكهربائية التي تكلف 2500 درهم لليوم، وبعد النظر إلى حجم التكاليف ارتأيت التوجه إلى مستشفى عمومي للانجاب، وهناك قدموا لي دواء يدعى «كرونو آدالت». ولد الطفل خديجا، إذ لم يتجاوز عمره 5 أشهر وثلاثة أسابيع ليوضع مباشرة في الحاضنة، وكانوا يطلبون منا ارتداء وزرات ضمانا لسلامة الرضع، لكن عن أي سلامة يتحدثون والوزرات متسخة وفي حالة يرثى لها.بعد مضي ثلاثة أيام أصيب المولود بميكروب في الدم وارتفعت حرارته ولم أتلق أي اتصال من لدن المستشفى لإخباري بالأمر لأفاجأ بالخبر عند قدومي لزيارة المولود، المتمثل في إصابته بالتهاب السحايا»! وأضافت الأم عايدة «خبر وفاة رضيعي لم أعلم به إلا بعد الظهر في الوقت الذي كان قد توفي فجرا ». من جهتها ، تقول خديجة، أم لثلاثة أطفال، والتي تبلغ 34 سنة : «فقدت مولودتي وهي لم تتمم الشهرين بعد،إذ اتضح أثناء الولادة أن المولودة قد شربت من الماء المحيط عادة بالجنين، الأمر الذي تسبب لها في مشاكل على مستوى الجهاز التنفسي، مادفعنا للمكوث بالمستشفى قرابة أسبوعين . وبعد تحسن حالتها عدت وإياها إلى المنزل وبدت حالتها مستقرة لأفاجأ في أحد الأيام وقد استحالت جثة هامدة في مهدها، كان وقع الصدمة شديدا عليّ ، لكن ولله الحمد ، رزقنا بعد ذلك بولد رائع وفي صحة جيدة». صدمات من هذا القبيل كفيلة بجعل الأبوين خاصة الأم، في حالة انهيار قد تحتاج لفترة طويلة من أجل التعافي وتجاوز هذا الاحساس بالفاجعة. للاقتراب أكثر من موضوع وفيات الرضع ، قمنا بزيارة لمصلحة «قطرة حليب»، والتي تعد «مبادرة يتيمة» بالدارالبيضاء، حيث صادفنا سيدة في عقدها الثالث كانت قد فقدت مولودها صباح اليوم ذاته،حين سألناها عن سبب وفاته اكتفت بترديد عبارة «تقادا العمر» ...لتضيف بعد ذلك أنه كان يعاني من ضيق في التنفس.وحسب الدكتور شكيب الخطابي،المتخصص في طب الاطفال، فإن الرضيع أمضى خمسة أيام بمصحة خاصة وبعد تدهور وضعه الصحي قاموا ببعثه لمصلحة «قطرة حليب»، لكنه توفي بعد أسبوع من ذلك، لأنه كان يعاني ثلاث مشاكل: ضيق في التنفس،تعفنات ومشاكل على مستوى الجهاز الهضمي، ليضيف قائلا « إن معدل وفيات الرضع بالمغرب مازال مرتفعا ، خاصة في صفوف من هم بعمر0 إلى شهر، في حين أن المعدل قد انخفض بالنسبة للمواليد الذين يبلغ عمرهم مابين شهر و خمس سنوات، ومن أبرز أسباب وفاة حديثي الولادة، ازدياد بعضهم وهم خُدج، فهؤلاء يعانون من مشاكل صحية ، لأن نموهم الطبيعي لم يكتمل بعد، أي أن أعضاءهم مازالت غير مكتملة (القلب،الدماغ،الجهاز الهضمي...)كما أن مناعتهم ضعيفة لذلك وجب التعامل معهم بحيطة وعناية أكبر نظرا لحساسيتهم»،مضيفا « لتخفيض معدل وفيات الرضع بالمغرب لابد من المراقبة والمتابعة الطبية خلال فترة الحمل في الشهر الثاني،السادس والتاسع كما هو متعارف عليه وفق المعايير الكونية، وكذا القيام بثلاثة فحوصات بالايكو ، ومن جهة أخرى لابد من توفر طاقم طبي ذي كفاءة ومؤهل أثناء عملية الولادة، دون أن ننسى عاملا مهما، وهو الرفع من المستوى السوسيو اقتصادي للبلاد، لأن من شأن ذلك التقليل من حدة هذه الآفة ، وفي الأخير إقامة مراكز ومبادرات شبيهة ب«قطرة حليب». عموما، إن المغرب يبذل مجهوذات كبيرة للحد من هذه الظاهرة، سواء من خلال مخطط عمل وزارة الصحة ل 20122016 من أجل تسريع تقليص وفيات الأمهات والمواليد، أو من خلال بعض الجمعيات من المجتمع المدني وإن كانت قليلة العدد وغير منتشرة بكثرة في الأوساط القروية...