تعيش مدينة الدارالبيضاء أزمة بيئية خانقة، أزمة تستدعي دق ناقوس الخطر والتفكير بجدية في التعامل مع المشكل والتخفيف من حدة تلوث ، ليس فقط الهواء، بل كذلك الشوارع والأزقة. فمن يتحمل مسؤولية هذا الوضع البيئي القاتم بالدار البيضاء؟ وهل ستنتظر الجهات المسؤولة إصابة نصف سكان المدينة بالحساسية والأمراض التنفسية لتتفهم الأمر؟ حسب الدراسات الميدانية ، والتي سبق أن تطرقنا إليها من قبل، فإن السيارة الواحدة بالمدينة تلوث مقدار ما تلوثه أربع سيارات في أوربا ، لنصل إلى أن 500 ألف سيارة التي تجول شوارع الدار البيضاء دون احتساب شاحنات نقل البضائع وحافلات نقل المسافرين التي تدخل وتخرج المدينة ليل نهار، فإنها تلوث مقدار ما تلوثه 2 مليون سيارة في أوربا نتيجة للحالة الميكانيكية التي توجد عليها هذه السيارات، والتي تستدعي فتح النقاش حول دور مراكز الفحص التقني للسيارات، ودور رجال الشرطة الذين ينظمون حركة السير بالمدينة، في التعامل مع المشكل عوض التغاضي عن ذلك. ففي دراسة سابقة توصلت إلى أن هواء الدار البيضاء يقذف فيه سنويا مايعادل 152815 طنا من أوكسيد الكاربون و 32348 طنا من أوكسيد الآزوت و 19583 طنا من المركبات العضوية المتطايرة و1816 طنا من الجزئيات، الأمر الذي يشكل خطرا حقيقيا على صحة المواطنين، وهو مايفسر ارتفاع نسبة المرضى بالحساسية وأمراض الجهاز التنفسي، فحسب معطيات إحصائية غير رسمية يعاني أزيد من 20% من سكان مدينة الدار البيضاء من هذا النوع من الأمراض. مشكل آخر يزيد من حدة التلوث بالدار البيضاء، يتعلق الأمر بثقل حركة السير وسط المدينة نتيجة انعدام وجود القناطر والأنفاق التي تسهل حركة انسياب السيارات وتخفف بالتالي من فترات التوقف عند ملتقيات الطرق والأضواء الحمراء ، التي تفرض على السيارة أن تتوقف أحيانا أربع مرات قبل المرور خاصة في أوقات الذروة. فكيف للمدينة وشبكة طرقها بخريطتها الحالية، أن تتحمل كل هذا الضغط ؟ مشكل التلوث بمدينة الدار البيضاء لا ينحصر فقط في الدخان الذي ينبعث من عوادم السيارات والشاحنات وحافلات النقل العمومي، التي حطمت الرقم القياسي في التلوث، بل كذلك في العديد من المحلات الصناعية التي لاتخضع لأية مراقبة تذكر والتي تنتشر في أحياء المدينة من دون رقيب أو حسيب. بالتأكيد، هذه الوضعية التي تسببت فيها مختلف المجالس المتعاقبة على الجماعات المحلية بالدارالبيضاء، بلغت اليوم ذروتها بعد أن تبين بأنه ليس في الأفق ما يشير إلى محاولات جادة لوقف النزيف البيئي بالمدينة، فالوحدات الصناعية الملوثة مازالت تزاول أنشطتها بدون حسيب ولارقيب ، الأمر الذي يفرض تبني سياسة واضحة تجاه الإشكالية البيئية بالدار البيضاء والخروج من نفق اللقاءات والأيام الدراسية حول الوضع البيئي بالمدينة إلى فعل حقيقي، وبالتالي تفعيل القوانين المنظمة للنشاطات الصناعية بالمدينة، وبناء العديد من القناطر والممرات والأنفاق لتسهيل حركة السير للسيارات والآليات، فالأمر هنا لايرتبط بوصلات إشهارية ، بل بحملات لرفع الضرر عن ساكنة البيضاء من الخطر المحدق بها. التحركات الرسمية في اتجاه احتواء الأزمة، تم حصرها فقط في تغيير الوقود المستعمل من قبل وسائل النقل والتنقل، إجراء محمود لكن مالم تتم مواكبته بإجراءات مماثلة تجاه المؤسسات الإنتاجية الملوثة، فإن الأمر سيستمر كما من قبل، ولمن أراد معرفة حقيقة الوضع وانتشار الأمراض التنفسية، فماعليه إلا أن يطلع على الإحصائيات الخاصة بالذين يزورون العيادات الطبية للعلاج، ماعليه إلا الإطلاع على إحصائيات رواج أدوية «الضيقة» والحساسية، ليكتشف أن اللامبالاة ستجعل من أبناء الجيل القادم يتحركون بكمامات لحماية أنفسهم ولربما بقارورات الأكسجين على ظهورهم، من يدري؟