ووري الثرى زوال أمس بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، بعد صلاة العصر، جثمان الصحفي الكبير الطيب حذيفة. وكان الفقيد قد فارق الحياة في وقت مبكر من صباح أمس في إحدى مصحات البيضاء عقب تدهور حالته الصحية جراء مرض قاومه طويلا. ويعتبر الراحل من أرقى وأهم وأعمق الأقلام الصحفية المغربية باللغة الفرنسية، ازداد بمدينة الجديدة سنة 1949، وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا - شعبة الآداب العصرية - التحق بالمدرسة العليا للأساتذة التي تخرج منها محتلا المرتبة الأولى بالنسبة لجميع الشعب. وبعد التدريس أربع سنوات بالرباط، سافر إلى فرنسا لمتابعة مرحلة تدريبية في مجال تكوين المكونين والحصول على شهادة التبريز، وبعدها سيعود إلى القنيطرة ليشتغل فيها بالتدريس قبل أن يعين منسقا عاما للآداب الفرنسية في المغرب. وفي 1981، سيلتحق الراحل مجددا بفرنسا ليحصل من السوربون على دبلوم الدراسات المعمقة في اللسانيات ويصبح مؤطرا في المركز الوطني للأبحاث العلمية الفرنسي وأستاذا باحثا في إيكس- أون- بروفونس. وإذا كان الطيب قد نال دكتوراه الدولة سنة 1993، فإنه اشتغل بالموازاة ضمن مشروع أوربي حول التواصل باللغة اليومية «كيفية تواصل المهاجرين في دول الاستقبال» قبل أن يعين مديرا لنفس المشروع الذي كان يضم كلا من فرنسا وبلجيكا وسويسرا وإنجلترا وعدة دول أوربية أخرى. ستدفع التزامات عائلية الفقيد الكبير للعودة إلى المغرب لاحقا والاستقرار به، شارعا في ممارسة الصحافة الثقافية والفنية ضمن ملحق لوبينيون ولوماتان وعدة منابر أخرى من بينها مجلة «تيلي بلوس» التي شغل منصب رئيس تحريرها ثم مديرها. وإذا كان الطيب قد ساهم بكتاباته الأنيقة ولغته الراقية وأسلوبه السامي ومقارباته المتميزة ضمن عدة عناوين إخبارية ومتخصصة، فإنه ظل رئيسا للقسم الثقافي والاجتماعي لأسبوعية «لا في إيكونوميك» قبل تقاعده، لكن شغفه باللغة والكتابة ومتابعة الأحداث بنظرة ونبرة خاصتين جعله يستمر في نشر عمود أسبوعي في ذات المجلة إلى أن وافته المنية. الطيب حذيفة كاتب، صحفي، في الأدب والفن بشتى أجناسه، وكان يعتبر ذاكرة حية لا تنضب في مجالات جد متنوعة من فنون المغرب العريقة والمعاصرة وكرة القدم والأدب المغربي المكتوب باللغة الفرنسية وأيضا بالعربية، مثلما كان يعتبر موسوعة في حقول الأدب والفن والمعارف العالمية. وقد ظل إلى آخر كتاباته يستعمل قلم الحبر الجاف ولا يلجأ إلى الحاسوب، كما صدر له ضمن منشورات «مرسم» كتاب جميل حول «التبوريدة: فن الفروسية المغربي» تضمن نصه بالفرنسية بالإضافة إلى ترجمة إلى الإنجليزية والعربية مع صور فوتوغرافية للفنان الفرنسي باتريس غيريطو. وعقب تقاعده، أقدمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية على تكريم الراحل، الذي ظل طوال حياته يؤجل مشروع الصياغة النهائية لروايته، علما أن كان قد أنهى، قبيل غيابه، دراسة مستفيضة حول مسقط رئيسه، مدينة الجديدة، ومجتمعها، وهو الكتاب الذي لم ينعم بالتمتع به مطبوعا قيد حياته والذي يستحق النشر تكريما لذاكرته وذكراه وتكريما لعطاءاته. وبهذه المناسبة الأليمة، تتقدم «الاتحاد الاشتراكي»، التي ترجمت العديد من مقالاته باتفاق معه، بأحر التعازي وأصدق المواساة لحرم الفقيد السيدة الفاضلة حجيبة اليوسفي ولابنه رضا ولعائلات حذيفة والأشعري ومطران. س. ع