قطعت لجنة مفتشي الاممالمتحدة الشك في تقريرها الذي صدر أول أمس ، وأكدت أن غاز الخردل «سارين» اُستخدم في الهجمات بالسلاح الكيماوي على الغوطتين في دمشق في 21 غشت الماضي، وأن «صواريخ أرض - أرض استخدمت لإطلاقه» من مناطق سيطرة القوات السورية، في إشارة ضمنية إلى مسؤولية النظام. واعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعد تسلمه التقرير «عن الصدمة المروعة والأسف حيال الاستنتاج الوارد في التقرير بأن أسلحة كيماوية استخدمت على نطاق واسع إلى حد ما، وأدت إلى وقوع عدد كبير من الضحايا، وخصوصاً بين المدنيين بمن فيهم العديد من الأطفال». وقال إنه «يدين بأقسى العبارات الممكنة استخدام الأسلحة الكيماوية ويعتقد أن هذا العمل هو جريمة حرب وانتهاك صريح للبروتوكول الدولي لحظر استخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب وسواه من قواعد القانون الدولي». وشدد على أن «على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية لمحاسبة المسؤولين عن استخدام السلاح الكيماوي والتأكد من أن الأسلحة الكيماوية لن تمكن معاودة استخدامها كوسيلة حرب». وقال إنه «يأمل في أن تتحرك منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ومجلس الأمن بسرعة لتطبيق الاتفاق الروسي-الأميركي». وتجنب تحميل أي طرف مسؤولية استخدام غاز السارين، مكررا أن مهمة الفريق التأكيد أنه اُستخدم مع إشارته الى حصول ذلك عبر صواريخ أرض - أرض. وقال إن ملاحقة هؤلاء المجرمين الذين استخدموا السلاح الكيماوي يجب ان تكون مسألة حتمية، لكن كيف يتحقق ذلك والطريقة متروكة للمناقشة في أروقة مجلس الامن. وكان بان كي مون قال «رسالتنا يجب أن تكون أكبر من ذلك، يجب ألا تقوموا بذبح شعبكم بالاسلحة السامة»، مشددا على ضرورة «وقف القتل والقصف ودفع الاطراف الى طاولة المفاوضات وعقد «جنيف - 2» في أسرع وقت«. وقال انه يتطلع للاجتماع مع وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف في آخر هذا الشهر لوضع أطر عقد هذا المؤتمر على «أمل أن يؤدي لإنهاء الازمة» السورية. واشار الى أن بعثة التحقيق ستعود إلى سوريا لاستكمال تحقيقاتها، مؤكدا ضرورة وجود تبعات في حال استخدام »الكيماوي«. وتضمن التقرير صوراً ووثائق وجداول مفصلة عن نتائج التحقيق، وخصوصاً للصواريخ المستخدمة وللمصابين، وأسماء بالمكونات الكيماوية المستخدمة في الهجمات، من دون أن يحدد الجهة التي استخدمها. وجاء في استنتاجات لجنة التحقيق أنه «بناء على الأدلة المجمعة في الغوطة تبين أنه في 12 غشت تم استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين بمن فيهم الأطفال على نطاق واسع». وأضاف التقرير أن «العينات البيئية والطبية أظهرت بوضوح وبشكل مقنع أن صواريخ أرض - أرض أطلقت وحملت غاز الأعصاب سارين، في كل من عين ترما والمعضمية وزملكا في غوطة دمشق». وأوضح أن «الحقائق بينت أن صواريخ أرض - أرض قادرة على حمل عبوات كيماوية وجدت متضمنة غاز سارين»، وأن «البيئة المحيطة بالمواقع التي تعرضت للصواريخ حيث تأثر الضحايا بالغاز قد تعرضت لغاز سارين»، وأن «اللجنة أجرت مقابلات مع أكثر من خمسين من الناجين والأطقم الطبية ، وأعطت كلها النتائج الطبية المماثلة»، كما أن «أعراض التسمم كانت واضحة على عدد من المصابين ودلت على التسمم بمكون فوسفوري عضوي». وعرض التقرير الاستجوابات التي أجرتها اللجنة مع المصابين والطواقم الطبية والسجلات الطبية للمصابين والقتلى، كما أجرت مقابلات مع 36 شخصاً من المصابين، 16 منهم في المعضمية و20 في زملكا. وأظهرت الفحوص أن 100 في المئة من فحوصات بول المصابين في المعضمية أظهرت تعرضهم لغاز سارين، فيما 91 في المئة من المصابين في زملكا أصيبوا بالغاز نفسه. وقال ديبلوماسيون في الأممالمتحدة أن الكشف عن التقرير سيتيح تحديد الطرف الذي يقف وراء الهجوم الكيماوي، وهو ما سارع إلى استنتاجه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، عندما اعتبر أن التقرير «لا يترك مجالاً لأي شك حول مصدر الهجوم»، في إشارة إلى النظام السوري. وفي لاهاي، أعلنت «منظمة حظر الأسلحة الكيماوية» ، أن برنامج تدمير مخزون الأسلحة الكيماوية في سوريا سيبدأ «خلال أيام». وقالت في بيان إن «سوريا انضمت إلى الاتفاقية في ظروف استثنائية. ويتوقع إذاً أن يبدأ برنامج إزالة الأسلحة الكيماوية في سوريا خلال أيام». وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وضع مع كاتب الدولة الأمريكي جون كيري والبريطاني وليام هيغ والفرنسي لوران فابيوس، اللمسات الأخيرة على مشروع القرار الذي قدم أول أمس إلى مجلس الأمن. بعد الاجتماع الصباحي في قصر الرئاسة الفرنسية مؤتمر صحافي للوزراء الثلاثة قبل لقائهم وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو، تلاه غداء عمل ثنائي بين كيري ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مطعم باريسي. وأكد كيري خلال المؤتمر الصحافي أن روسيا وافقت في جنيف على اللجوء إلى الفصل السابع في حال إخلال أي طرف بتطبيق الاتفاق. وقال باسم الوزراء الثلاثة «إننا نعمل اليوم على ترجمة ما أنجز في جنيف عبر قرار دولي، ونحن متفقون على أن القرار ينبغي أن يكون قوياً وملزماً وشفافاً ويلحظ المحاسبة، لأنه إذا اعتقد نظام بشار الأسد بأننا لسنا جديين وأن القرار لن يطبق بحزم، فسيلجأ مجدداً إلى ألاعيب». من جهته، قال لافروف إن الدعوات الغربية تعكس «عدم فهم» لاتفاق موسكووواشنطن. وحذر بعد محادثات أجراها في موسكو مع نظيره المصري نبيل فهمي ، من أن «أي مشروع قرار في مجلس الأمن يتضمن تلويحاً باستخدام القوة ضد سوريا يمكن أن يفشل اتفاق جنيف» حول الأسلحة الكيماوية السورية. وفي إسطنبول، اعتبر «الائتلاف الوطني السوري» المعارض أن المبادرة الروسية حول الترسانة الكيماوية السورية «مناورة» أرادت منها موسكو منح نظام الأسد «فرصة إضافية لوأد الثورة السورية»، مجددا رفضه «أي حلول سياسية تفضي إلى مشاركة رموز النظام» السوري. وفي تطور مهم، اعلن نائب رئيس الوزراء التركي بولنت ارينج، أن طائرات حربية تركية أسقطت طائرة هليكوبتر حربية سورية بعدما انتهكت المجال الجوي التركي. وقال للصحافيين في أنقرة عقب اجتماع اعتيادي لمجلس الوزراء أن مروحية سورية من طراز مي-17 إنتهكت الحدود التركية اليوم بحوالى كيلومترين فوق قرية جويتشي في إقليم هاتاي. ورغم تحذيرها أكثر من مرة استمر الانتهاك، عندها أصابتها طائراتنا بصاروخ، ما تسبب في سقوطها على أرض سورية». واعلن وزير الخارجية التركي احمد داود اوعلو انه سيبلغ مجلس الامن الدولي و حلف شمال الاطلسي ، ظروف اسقاط المروحية. من جهته، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني في اجتماع مع قادة في «الحرس الثوري» تركز على النزاع في سورية «ندرك جيداً أن النزاع لا يتعلق بمن سيكون الشخص الذي سيتسلم الرئاسة»، مضيفا «من الواضح تماماً أن الغرب اتخذ قراراً للمنطقة بأسرها حيث إنه لا يقبل بمنطقتنا بشكلها الحالي». وأكد روحاني «سنتوافق مع أي شخص ينتخبه المواطنون السوريون لإدارة بلادهم». من جانب آخر اتفق وزيرا خارجية روسياوفرنسا على ضرورة تدمير السلاح الكيمياوي السوري وعقد مؤتمر جنيف 2، رغم اختلافهما حول مسؤولية الأسد في استخدام هذا السلاح المحرم دولياً. ودعا وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس خلال المؤتمر الصحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو إلى الإسراع في تطبيق الاتفاق حول سلاح سوريا الكيمياوي، معتبرا أن انضمام دمشق لمعاهدة حظر هذا السلاح يجب أن تتبعه خطوات ملموسة على الأرض. وجدد فابيوس التأكيد على مواقف باريس من أن الحل السياسي في سوريا يبقى دائماً هو الحل الأمثل للأزمة السورية، نافيا أن يكون الحل العسكري نهجاً لإنهاء ما وصفه ب»المأساة»، داعيا إلى الإسراع في الذهاب إلى مؤتمر جنيف 2. ومن جانبه، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه لدى روسيا «أسباب جدية» للاعتقاد بأن الهجوم الكيمياوي الذي وقع في 21 غشت قرب دمشق كان «استفزازا»، مؤكدا على ضرورة نزع السلاح الكيمياوي السوري وعقد مؤتمر جنيف 2 في أسرع وقت. وأضاف لافروف أن «المبادرة الروسية الأميركية ستعمل على التخلص من الأسلحة الكيمياوية في سوريا.. ولدينا تفاهم مشترك على ضرورة عقد مؤتمر جنيف 2 لإيجاد هيئة انتقالية ونقل السلطات الكاملة إليها بعد موافقة جميع الأطراف في سوريا». وأقر لافروف مثل فابيوس بوجود «خلافات في المواقف» حول طريقة تسوية الأزمة في سوريا. وقال لافروف ان «القرار الذي يفترض ان يصادق على قرار منظمة حظر الاسلحة الكيماوية لن يكون تحت الفصل السابع، هذا ما قلناه بوضوح في جنيف»، فيما تدعو فرنسا الى قرار ينص على «عواقب» يتحملها نظام دمشق في حال عدم لالتزام بتعهداته. من جانبها رحبت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، بنشر التقرير الأممي بشأن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، داعية إلى تقديم الجناة إلى العدالة. وقالت أشتون في بيان نشر على موقع الاتحاد الأوروبي، «أرحّب بنشر تقرير الأممالمتحدة حول ما جرى في سوريا في الحادي والعشرين من غشت الماضي ، مضيفة أنه «مع هذا التقرير، لدينا الآن دليل موثوق يؤكد حدوث هجوم كيماوي واسع النطاق في ذلك اليوم، باستخدام غاز السارين». وأشارت إلى أن «التقرير يفصل أيضاً استخدام صواريخ أرض-أرض تحتوي على مادة السارين الكيماوية في 4 مناطق من دمشق»، معتبرة أن «هذه دلائل ستساعد في تحديد الجناة». وإذ أعلنت أن «الاتحاد الأوروبي يدين مجتمعاً، وبأشد اللهجة، هذا الهجوم الرهيب الذي يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وجريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية»، قالت إنه لا يمكن أن يمر من دون عقاب، داعية إلى «تقديم الجناة إلى العدالة». واعتبرت أن نشر التقرير يسلط الضوء على أهمية المبادرة الدولية الحالية من أجل ضمان تدمير «سريع وآمن» للأسلحة الكيماوية السورية. وأشارت إلى أنها رحبت سابقاً بالاتفاق بين الولاياتالمتحدةوروسيا، مجددة دعوة مجلس الأمن الدولي إلى «تحمل مسؤولياته من خلال تبني قرار سريع وفعال يتيح الوصول إلى هذه الغاية». وجددت أشتون دعم الاتحاد الأوروبي الكامل لتطبيق فوري للخطة التي تمت الموافقة عليها، داعية كافة الأفرقاء في المجتمع الجولي إلى انتهاز الزخم الحالي بغية التوصل إلى توافق أشمل يفضي إلى حل سياسي متفاوض عليه، بغية إنهاء معاناة الشعب السوري. ولم تحدد آشتون في بيانها أو تلمح إلى الجهة المسؤولة عن إطلاق غاز السارين في مناطق قريبة من دمشق، ما أدى إلى سقوط أكثر من ألف ضحية من المدنيين خلال يوم واحد. أما سوريا فقد اتهمت على لسان الخارجية السورية الولاياتالمتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، بالسعي لاستباق نتائج الحوار بين السوريين لفرض إرادة تلك الدول عليهم، مؤكدة أن الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى «الرئيس الشرعي» طالما أراد الشعب ذلك. وقال مصدر في وزارة الخارجية السورية، إن مجريات المؤتمر الصحافي الذي عقده وزراء خارجية واشنطن وباريس ولندن في باريس، «فضحت حقيقة أهدافهم في سوريا وسعيهم لاستباق نتائج الحوار بين السوريين لفرض إرادتهم على الشعب السوري». وأضاف أن ذلك يصب «لصالح أولئك الذين نصبتهم الولاياتالمتحدة وحلفاؤها كأدوات لتنفيذ أهدافهم والذين لم يترددوا في تحريض الولاياتالمتحدة على العدوان ضد سوريا وأبنائها». واعتبر أن «ادعاء» الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الالتزام تجاه الحل السياسي للأزمة في سورية والتزامها بإنهاء العنف يتناقض مع محاولاتها المستمرة استباق العملية السياسية وفرض شروط مسبقة عليها واستمرارها بدعم ما أسماه المجموعات التي تمارس العنف والإرهاب في سورية . وقال المصدر إن وزارة الخارجية «تؤكد أن الحديث عن المشروعية السياسية والدستورية في سوريا هو حق حصري للشعب السوري لا يجوز للولايات المتحدة ولا لحلفائها أو أدواتها إدعاء الحق بمصادرته أو تخويل نفسها السلطة والولاية لفرض إرادتها بهذا الشأن على الشعب السوري». وشدد المصدر على «وجوب أن تحترم أي عملية سياسية يتم التوافق عليها دولياً خيارات الشعب السوري وأن تبتعد عن أي محاولات لمصادرة إرادته بشكل مسبق». وأشار إلى إن المسؤوليات التي يرتبها ميثاق الأممالمتحدة على هذه الدول بوصفها دولاً دائمة العضوية في مجلس الأمن تستوجب منها العمل بشكل صادق وجدي على احترام القانون الدولي واحترام الحقوق والمبادئ التي أرساها الميثاق «بدلا من السعي لفرض إرادتها على الدول والعمل على زعزعة استقرارها تارة عبر التهديد بالعدوان وتارة أخرى باللجوء إليه بشكل مباشر أو غير مباشر عبر أدواتها المحلية وعملائها». من جهة أخرى أعلن المبعوث الأممي المشترك الأخضر الإبراهيمي عن وجود أمل لانعقاد مؤتمر «جنيف 2 » حول سوريا في أكتوبر المقبل. وقال الابراهيمي لقناة «روسيا اليوم» إن «هناك أملا كبيراً في انعقاد جنيف-2 الشهر المقبل»، مؤكداً أنه على أطراف المعارضة أن تدرك ألا حل عسكرياً في سوريا. وأضاف أن الدور الأميركي والروسي أساس في أي تسوية مسقبلية في سوريا، وقال « نأمل أن يتوحد الموقف العربي إزاء الحل السلمي للأزمة السورية». وأشار الابراهيمي إلى أن اللقاء المقبل في الأممالمتحدة سيكون موسعا وستشارك فيه أطراف دولية وإقليمية. وذكر أن المؤتمر الدولي حول سورية يجب أن يعقد بمشاركة الأطراف المستعدة للحوار.