بُعث نبي الله لوط إلى قوم سَدوم ، الذين كانوا يرتكبون الفاحشة. وهو لوط بن هاران بن تارخ. و عَمّه هو إبراهيم عليه السلام. و يُروى أنّ سكانَ الجبل من قوم سَدوم لم يكونوا يعرفون سكانَ السهل . فاحتال عليهم إبليس اللعين ليجمع بينهم ، فجاء بالمزمار و شرع يزمّر . فلما سمع أهلُ الجبل صوتَ المزمار ، نزلوا من الجبل نساء و رجالاً. وعندما اجتمعوا بسكان السهل ، افتتنَ الرجالُ بالرجال وافتتنَت النساءُ بالنساء . ومنذ ذلك اليوم ، ظهرَ السحاقُ واللواط . ويُروى كذلك أن أهل سدوم كانوا يدّخرون الغلال كي يَحصل الغلاء ، فيقصدهم الناسُ من سائر الأقطار. وقد جاءهم إبليس اللعين في صفة شيخ كبيرو قال لهم : " أيها الناس، اعلموا أني رجل خبير بأمور الدنيا. وسوف يأتي عليكم زمنٌ لا تَسقط فيه قطرة واحدة من المطر و لا تَطلعُ فيه نبتة واحدة من الأرض، فادخروا غلالكم حتى ذلك الوقت، فإذا جاءكم الناسُ ليشتروا منكم ، فلا تبيعوهم حتى ترتكبوا عليهم الفاحشة ، سواء أكانوا صبيانا أم شيوخاً. " فلما سمعوا كلامَ إبليس ، صاروا يقعدون على الطريق ، ينتظرون من يمرّ بهم من المسافرين فيعمدون إليهم ويرتكبون عليهم الفاحشة. ملائكة على صورة غلمان لما تزايدَ الأمر بأهل سَدوم ، بعثَ الله لهم لوطاً عليه السلام ، فنهاهم عما هم فيه و دعاهم إلى عبادة الله، لكنهم ازدادوا إصراراً على المعصية ، و قالوا لنبي الله لوط ( ائتنا بعذاب الله إن كنتَ من الصادقين ) فعند ذلك قال لوط ( ربّ انصرني على القوم المفسدين )، فاستجاب له الخالق سبحانه ، وبعث إليهم أربعة من الملائكة على صورة غلمان حسان . وروى قتادة أن الله تعالى قال للملائكة الأربعة: " لا تهلكوا قومَ لوط حتى تشهدوا عليهم أربع شهادات ." وعندما جاء أولئك الملائكة إلى لوط قالوا له : " نحن ضيوفك هذه الليلة." فلما سمعَ منهم ذلك ، انطلقَ بهم إلى منزله و هو يحسب أنهم بشر . ثم إنه قال لهم :" أما علمتم أمرَ هذه القرية ؟" قالوا : " و ما أمرها ؟" قال :" إنها شَرّ قرية على الأرض ." ثم إنه أخبرهم بأمر قومه و ما هم عليه من الفاحشة. وكانت امرأةُ لوط إذا دخلَ منزلَها ضيوف غرباء، تُرسل إلى القوم لتُعلمهم بذلك . و كانت لها أمارة ، و هي أن تبعث رسولها ليطلب من جيرانها ملْحاً ، فيعرفون عندئذ أن في منزل لوط أضيافاً، فيأتون إليهم في الحين. ولما علم القوم بوجود أولئك الأضياف عند لوط ، جاؤوا إليهم فأغلق لوط البابَ في وجوههم و قال لهم ( هؤلاء بناتي هنّ أطهرُ لكم فاتقوا الله و لا تُخْزون في ضيفي) فقالوا له (لقد علمتَ ما لنا في بناتك من حق و إنك لتعلم ما نريد) . فلم يزل لوط يكلمهم من خلف الباب، إلى أنْ تسوّروا الحائط و هجموا عليه ، فخاف عندئذ على أضيافه ، فقالت له الملائكة ( إنّا رُسُلُ ربك لن يَصلوا إليك ) .ثم إن الله تعالى أذنَ لجبريل عليه السلام، فضربَ بجناحه وجوهَ القوم فطُمسَتْ أعينهم وصاروا لا يعرفون الطريق إلى بيوتهم وبدأوا يقولون:" إن لوطاً أسْحَرُ منْ على وجه الأرض. " ولما علمَ لوط أن الأضيافَ رُسُلُ ربه قال لهم :" أريد أن تهلكوهم في هذه الساعة ." فقالوا له ( إن موعدهم الصبح، أليس الصبحُ بقريب ) ً جبريل يَرفع القُرى بجناحه قال ابنُ عباس: إن الله مسخَ امرأةَ لوط فصارت ملْحاً، لأنها كانت تدل على الأضياف بطلب الملح . ثم أمرَ الله تعالى نبيه لوطاً أنْ يسري بعياله تحت جنح الليل . فلما خرجَ لوط و ابتعد ، جاء جبريل و أدخلَ جناحَه تحت تلك القرى بأكملها واقتلعها من أساسها . وكانت سبْع قُرى ، في كل قرية مائة ألف إنسان ، من رجال ونساء و صبيان . فرفع جبريل عليه السلام القُرى عالياً بين السماء و الأرض ، حتى صار أهلُ السماء يسمعون صراخ القوم و صياحَ ديوكهم و نباحَ كلابهم . ثم إنه قلَبَ القُرى وجعلَ أعلاها أسفلها، ثم أتبعهم بحجارة من سجيل، فهلكوا أجمعين. وسُئل مجاهد: هل بقي من قوم لوط أحد؟ فكان جوابُه : نعم ، كان واحد منهم قد خرجَ إلى مكة، فبقيَ حَجَرُه معلقا بين السماء والأرض أربعين يوماً ، إلى أنْ عاد فسقطَ عليه ذلك الحَجَر، فمات منْ حينه. و توفي لوط في زمن عَمّه إبراهيم الخليل.