في خضم ما تعيشه مصر من تطاحن وأحداث مأساوية، سيكون لها ما بعدها في تاريخها الراهن والمستقبلي، توفي في القاهرة عن سن 87 عاما، يوم الأحد 18 غشت 2013، في صمت وفي عتمة إعلامية المخرج المصري توفيق صالح، وهو الذي اشتهر عربيا بفيلمه "المخدوعون" المقتبس عن رواية الكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني «رجال في الشمس» ، التي صدرت في بيروت سنة 1963، وقد عرض الفيلم في العديد من الأندية السينمائية بالمغرب، خلال عصرها الذهبي، فضلا عن أفلام أخرى بصمت تاريخ السينما المصرية منذ خمسينيات القرن الماضي. قدم توفيق صالح، الذي ولد في 27 أكتوبر 1926 في الإسكندرية، على مدى 40 عاما من العمل الفني، سبعة أفلام روائية طويلة، قضى منها أكثر من نصف قرن مدرسا للسينما في مصر وخارجها، وكان المخرج قد استهل حياته الفنية بإخراج مسرحية توفيق الحكيم «رصاصة في القلب». أما أول أفلامه السينمائية فهو فيلم « درب المهابيل» (1955) ، الذي تعاون في إنجازه مع الكاتب الراحل نجيب محفوظ بصفته مؤلفا لقصة الفيلم، وتوقف توفيق صالح عن العمل لمدة سبع سنوات تقريبا، أخرج بعدها فيلم «صراع الأبطال» (1962)، تلته ثلاثة أفلام، هي: «المتمردون» عن قصة للصحفي صلاح حافظ، و« يوميات نائب في الأرياف» ( 1968) عن رواية الكاتب توفيق الحكيم بنفس الإسم، وفيلم «السيد البلطي» ( 1969) عن قصة لصالح مرسي. وعلاوة على ذلك لتوفيق صالح ستة أفلام قصيرة هي: كورنيش النيل 1956، فن العرائس 1957، نهضتنا الصناعية 1959 ، وفيلم من نحن؟ 1960.. وهو فيلم باللغة الإنجليزية عن اللاجئين الفلسطينيين، و فيلم نحو المجهول 1961، وفيلم فجر الحضارة 1977 ( من إنتاج العراق) عن الحضارة السومرية القديمة. لا يُمكن التطرّق إلى تاريخ السينما المصرية، ولا إلى صورة المأساة الفلسطينية (سينمائياً)، ولا إلى علاقة السينمائي بالسياسي في العالم العربي، إن فنياً أو فكرياً، دون المرور بأفلامه السبعة، التي تحتلّ في كل هذه المستويات مكانة متميزة. بعد سنة 1972 قرر توفيق صالح مغادرة مصر هربا من القيود المفروضة على صناعة السينما حيث ذهب إلى سوريا وهناك أخرج فيلمه الشهير «المخدوعون» ، المقتبس عن رواية غسان كنفاني، وبعد عرضه الأول في القاهرة سنة 1972 رفض السماح باستمرار العرض، وما يزال الرفض قائما حتى بعد مرور أكثر من أربعين عاما على عرضه التجريبي آنذاك. وقد عرض الفيلم في أكثر من مهرجان وفاز بعدد من الجوائز أولاها جائزة مهرجان كان (1972) ، وجائزة مهرجان قرطاج ( 1972 ) ، وجائزة مهرجان ستراستبورغ لأفلام حقوق الإنسان (1973)، وجائزة المركز الكاثوليكي الدولي ببلجيكا (1973) ، وجائزة لينين للسلام في مهرجان موسكو (1973 ) . ويمثل فيلم المخدوعون طفرة في دعم القضية الفلسطينية، وقد قال عنه توفيق صالح إنه كان يحمل شحنة من الغضب والحزن خاصة بعد وفاة جمال عبد الناصر والتي عكس الفيلم بعض جوانبها. رحل المخرج توفيق صالح ولكن أفلامه ستبقى خالدة للتاريخ. من أهم الأفلام الروائية لتوفيق صالح: درب المهابيل، إنتاج سنة 1955، سيناريو نجيب محفوظ، بطولة شكري سرحان وبرلنتي عبد الحميد وتوفيق الدقن، ونال عنه جائزة الإخراج في أول مسابقة تنظمها وزارة الثقافة المصرية . صراع الأبطال إنتاج سنة 1962، بطولة شكري سرحان وسميرة أحمد، ونال عنه جائزتي الإخراج والسيناريو. المتمردون إنتاج سنة 1966، عن رواية الصحفي صلاح حافظ وبطولة شكرى سرحان وزيزي مصطفى ومحمود السباع وتوفيق الدقن. السيد البلطي إنتاج سنة 1967، عن رواية صالح مرسي «زقاق السيد البلطي» وأدى أدوار البطولة فيه كل من عزت العلايلي ومحمد نوح وسهير المرشدي ومديحة حمدي. يوميات نائب في الأرياف إنتاج سنة 1968، عن رواية بنفس العنوان لتوفيق الحكيم . المخدوعون (1973) ، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا وبطولة عبد الرحمن آل رشي، محمد خير حلواني، بسام لطفي، وثناء دبسي. كما أنجز الراحل عدة أفلام تسجيلية منها أساسا: - كورنيش النيل 1956. - فن العرائس 1957. - نهضتنا الصناعية 1959. - من نحن؟ 1960 ..، وهو فيلم باللغة الإنجليزية عن اللاجئين الفلسطينيين. - نحو المجهول 1960. - القُلة 1961. - فجر الحضارة1977 ، إنتاج عراقي عن الحضارة السومرية القديمة. ومن بين خمسة أفلام أخرجها الراحل توفيق صالح في مصر اختار نقاد ومخرجون بمناسبة مئوية السينما عام 1996 أربعة أعمال ضمن أفضل قائمة ضمت مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي : «درب المهابيل» و«صراع الأبطال» و«المتمردون» و«يوميات نائب في الأرياف». كما يعد توفيق صالح أحد رواد السينما الواقعية المصرية رغم قلة عدد أفلامه. ويعد فيلم «المخدوعون» أحد أهم مائة فيلم في تاريخ السينما العربية. عاد الراحل إلى مصر عام 1984، ونال جائزة الدولة التقديرية عام 1996. كما كرمه المهرجان القومي للسينما عام 1999، وصدر عنه بهذه المناسبة كتاب «سينما توفيق صالح» للناقد محسن ويفي كما كرمه مهرجان الإسكندرية السينمائي عام 2009 . وكتب الناقد السينمائي المصري المعروف سمير فريد عن وفاة الراحل معتبرا إياه آخر مخرجى العصر الذهبى للسينما المصرية «1933 1963»، وأحد الأعمدة الكبيرة فى تاريخها، وفى تاريخ السينما العربية، ومن عدد قليل من مخرجى السينما العرب، الذين تجاوزوا الحدود إلى العالم الواسع بأفلامهم. واعتبره «هوفيك حبيشان»، في مقال له بجريدة النهار اللبنانية، من القامات الكبرى في السينما المصرية، على غرار صلاح أبو سيف وهنري بركات وكمال الشيخ. وجاء في نفس المقال «أن الراحل كان مقلاً، لكنه عمل بتأنٍّ، وباحترافية عالية قلّت مثيلتها بين زملاء له في المهنة. كان صالح، الدائم الاهتمام بالقضايا الكبرى البعيدة عن الحدوتة الصغيرة، يؤمن بأن السينما أداة تغيير لا تكريس لتخلّف الواقع ودغدغة مشاعر الجماهير قبل النوم مع كل الأمنيات الطيبة بأحلام سعيدة». كان أخر ظهور للمخرج الكبير الراحل توفيق صالح خلال حفل افتتاح الدورة 16 لمهرجان الإسماعيلية السينمائي الدولي للأفلام الوثائقية والقصيرة المنعقدة فعالياته في شهر يونيو 2013، حيث ألقى كلمة السينمائيين في المهرجان.