لا يعني حديث جماعة الإخوان المسلمين عن الشرعية أن الجماعة صارت تحترم الارادة الشعبية. أدبياتهم التي هي أساس الفكر الذي اتبعته كل الجماعات الدينية المسلحة وتأثرت به لا ترى في المجتمع إلا مجموعة من الفئات الضالة والفاسدة والجاهلة التي لا يمكن اصلاحها إلا من خلال أخونتها. وما اصرار قادة الإخوان على وصف ما جرى بعد الثلاثين من يناير السابق على أنه انقلاب عسكري، إلا دليل واضح على عدم قدرتهم على رؤية ملايين الشعب التي خرجت لتعلن من غير لبس رفضها لاستمرار حكمهم واسقاط الشرعية التي اكتسبوها من قبل بارادة شعبية. ولأنهم يعتبرون أنفسهم على حق دائما فقد كان من الصعب عليهم أن يهبوا جزءا من ذلك الحق إلى الشعب الذي هو من وجهة نظرهم غير مؤهل للتمييز بين الحق والباطل. شعب استعملوا ارادته سلما للوصول إلى السلطة لا يمكنه سوى أن يكون مادة لمشروعهم الذي لا ينص على تدمير مفهوم الدولة فحسب بل وأيضا الحط من مفهوم الوطن واسترخاصه وصولا إلى التخلي عنه، كونه كيانا يتعارض مع التصور الديني الذي لا يعترف بالحدود السياسية للدول. ما لم يكن يعرفه عامة الناس من المصريين، الذين خدعوا بالشعارات الدينية وتم استدراجهم من خلال برامج تضليل وهمية إلى صناديق الاقتراع ليهبوا أصواتهم لمحمد مرسي، أن الجماعة لا تؤمن بالدولة المدنية إطارا قانونيا يتساوى فيه وأمامه الجميع وهي لا تكترث بسلامة الوطن، هو ملك مواطنيه بغض النظر عن دينهم ولونهم وعرقهم. كانت جملة »الاسلام هو الحل« شعارا إخوانيا وإن نطقت بها جماعات دينية متطرفة أخرى، تدين لجماعة الإخوان المصرية بالولاء الضمني بسبب ما اكتسبته منها من مقومات تربوية صارمة. ولم يكن مستغربا أن تلجأ الجماعة إلى تعبئة أتباعها بثقافة الإمتناع عن القبول بالارادة الشعبية وتدفع بهم إلى الوقوف في وجه تلك الارادة، حتى وإن تطلب الأمر اللجوء إلى السلاح. وهو ما كانت تنوي الجماعة القيام به وهي في السلطة، غير أن موقف الجيش فاجأها، وجعلها مضطرة لمواجهة الشرطة وقوى الأمن بدلا من أن تواجه الشعب. كانت الجماعة تستعد لحرب شوارع، متخيلة أنها من خلال استعراض قوتها ستهزم الشعب المصري وتعيده طائعا إلى البيت الإخواني. ومن المؤكد أن الجماعة كانت تراهن في صراعها مع الشعب المصري، على مدد سيأتيها من العالم الخارجي. لا من أعوانها في التنظيم العالمي للإخوان وحدهم، بل وأيضا من الولاياتالمتحدة بشكل خاص والعالم الغربي بشكل عام. وهو رهان ينسجم وتاريخ الجماعة الذي لا يمكن تنقيته من وجود الكثير من علامات الاستفهام التي تتعلق بالتعاون المخابراتي وجهات التمويل والدعم، في ظل ميل إلى العنف لم تستبعده الجماعة من قاموسها إلا نظريا ومن أجل أن تخدع الآخرين. وهي الأسباب نفسها التي دفعت الحكومة المصرية منتصف الخمسينات، إلى اصدار قرار بحل الجماعة وحظرها قانونيا واستبعادها من الحياة السياسية. ولم يخف الغرب وهو الذي يدعي محاربة الارهاب حسرته على ما جرى للإخوان. لم يقل الغرب وهو الذي يزعم أن السلطة ملك للشعب كلمة واحدة عن إرادة الشعب المصري الذي يملك الحق كله في سحب تفويض الحكم متى يشاء. كان رهان الإخوان على الموقف الغربي واقعيا، غير أن ما فاتهم أن الغرب سيتردد كثيرا في اتخاذ موقف مناوئ لدولة بحجم مصر، وهو ما لا يمكنهم الاعتراف بقيمته، أي بقيمة حجم وطنهم وهم الذين لا يعترفون بالأوطان بصيغها المعاصرة. لقد ركب الإخوان معادلة خاطئة، لم تكن مسألة الرجوع إلى الشعب واستلهام ارادته واحدة من مفرداتها. فكان عليهم أن يدفعوا ثمن ذلك الفعل الذي لا يتسم بالوطنية. عاد الإخوان اليوم إلى عزلتهم لأن فكرهم لا يصنع كائنات تتسم بإنسانية تواصلها مع الآخرين. وهو ما يؤكد أن الثقافة الأخوانية لا يمكن أن تؤسس لرؤية اجتماعية، عنوانها السلام.