ما يحصل حاليا في مصر كان منتظرا، منذ فاز الرئيس الإخواني المعزول، محمد مرسي، في انتخابات عرفت نتائجها جدلا كبيرا، وبفارق بسيط عن مرشح محسوب على نظام مبارك، بعد أن كان الإخوان أعلنوا أنهم لن يقدموا أي مرشح للرئاسة. و ما حدث بعد كل هذا، كان توجها واضحا للهيمنة على كل شيء، من خلال الإعلان الدستوري، الذي استولى فيه مرسي على سلطات مطلقة، ووضع نفسه فوق القضاء. منذ ذلك الإعلان الدستوري، دخل الإخوان في نزاع مع القضاء والصحافيين والمثقفين و الفنانين، وفي مواجهة مع الحركات والتنظيمات السياسية والشبابية والحقوقية والمدنية، التي كانت وراء ثورة 25 يونيو، التي استولى عليها الإخوان، فانحرفوا بها عن أهدافها الديمقراطية وتوجهوا نحو «أخونة» الدولة، في إطار بناء المشروع الأصولي البديل. ولم تكن ثورة 30 يونيو سوى نتيجة لرفض جزء كبير من الشعب المصري لهذا المشروع، بعد أن واجهته كل القوى الديمقراطية، التي قادت الثورة ضد مبارك، وما حصل لم يكن إلا استمرارا لهذا المسار الثوري، الذي أراد أن يصحح الوضع، حتى لا يتم تكريس استيلاء الإخوان على الثورة، لذلك كان الشعار الذي ساد والذي رفعته فئات واسعة من الشعب هو «يسقط حكم المرشد»، معبرة بذلك عن رفضها لحكم مصر من طرف مكتب إرشاد الإخوان المسلمين. وفي هذه المرة تدخل الجيش المصري أيضا، كما تدخل في ثورة 25 يونيو، وكان آنذاك حاسما في القضاء على نظام مبارك، وصفق له الجميع، بما في ذلك الإخوان المسلمون. وبعد تظاهرات 30 يونيو جاءت إقالة مرسي، استنادا إلى ثورة شعبية، و على اصطفاف لكل القوى الديمقراطية وجبهة الإنقاذ وحركة تمرد والجسم القضائي ونقابات المحامين والصحافيين، وغيرهم من الفئات الحية في المجتمع، ضد حكم الإخوان. كان منتظرا أن ترفض الجماعة هذه الإقالة، باسم التمسك بالشرعية، و لا يمكن لأي ديمقراطي أن ينازع في أي احتجاج، ولو لم يكن مستندا على أسس صحيحة، إذا تم التعبير عنه بالطرق السلمية. لكن التطورات التي حصلت أكدت ان هذه «السلمية»، مجرد أكذوبة، وقد شاهد الرأي العام دعوات قيادات الإخوان من منصتي رابعة العدوية والنهضة، للجهاد والاستشهاد وتكفير المعارضين، وتحويل الصراع السياسي إلى صراع ديني، بين فئة «المؤمنين» و»الكافرين»، وتحول مرسي إلى قديس أو نبي، واعتبر أحد قياديي الجماعة أن هدم الكعبة أخف من إقالته. وتبين من خلال العديد من الأحداث أن الجماعة ليست سلمية، كما تدعي، بل هي مسلحة وهذا ما تجلى بوضوح، بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، بل أكثر من ذلك، فالهجومات المسلحة لم تقتصر على الشرطة والجيش، بل على المواطنين وإحراق الكنائس والمنشآت العامة والخاصة، وقد شاهد الجميع التمثيل بجثث الشرطة، من طرف الإخوان. الآن هناك تبادل للاتهامات بين حركة الإخوان وامتداداتها العربية والدولية، من جهة، والمنظمات الديمقراطية والحقوقية والإعلام في مصر، من جهة أخرى، حول مسؤولية من الذي بدأ في استعمال القوة، وإطلاق الرصاص الحي، ولن يضير في شيء التحقيق في الروايتين، الرواية المضادة للإخوان، التي تعتبر أن السلطة كانت في دفاع عن النفس، وفي مواجهة الجماعات المسلحة، والتي كان بعضها يندس بين المتظاهرين، أو يهاجم القوات، ورواية الإخوان، التي تدعي أن الجيش والشرطة قتلوا متظاهرين سلميين أبرياء وأنهم لم يحملوا السلاح أبدا وأن حرق دور العبادة والمنشآت وقتل مواطنين وقوات الجيش والشرطة، تم على يد «بلطجية» النظام. من المؤكد أن التحقيق الموضوعي في الروايتين ضروري، من طرف المنظمات الحقوقية والديمقراطية والقضاء في مصر، لتحديد المسؤوليات، واتخاذ كل القرارات الإدارية ومحاكمة المجرمين، ولكن ما هو واضح هو أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة متطرفة، وأن هذا التوجه المتطرف لم يبدأ بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، بل هو ثابت في إيديولوجيتها، التي تعتمد مرجعية «جاهلية القرن العشرين»، كما نظر لها سيد قطب، التي تنظر إلى ما تعيشه مصر والعالم العربي، وكأنه شبيه بعصور الجاهلية، التي تتطلب من فئة المؤمنين، فتحا إسلاميا جديدا، وما الانتخابات إلا خدعة من خداع الحرب، ينبغي استغلالها في المجتمع المعاصر، لكن خلفها وخلف الواجهات الحزبية المنفذة لها، تقف الجماعة والمرشد والتنظيم الدولي، بأمواله وإعلامه وسلاحه.