شيعت جموع غفيرة يوم الخميس الماضي, المناضل الفلسطيني المغربي واصف منصور, بمقبرة الشهداء بالرباط ، بعد ازمة قلبية مفاجئة ، وقد خلف رحيل ابو سفيان صدمة قوية لكل معارف الرجل ، من احزاب سياسية ونقابية وجمعوية . وعبرت الوجوه التي جاءت لتوديعه عن حزن شديد ، لما كان يتمتع به واصف منصور، من رحابة الصدر وقوة الحضور وجهورية الموقف . وقد حضرت قيادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برئاسة الكاتب الاول ادريس لشكر لتوديعه, وكذا اعضاء اللجنة الادارية ومناضلين ومناضلات من الصف الديمقراطي والحداثي الى جانب اعلاميين عاشوا مع الرجل طيلة مساره داخل المغرب, منذ ان وطأت قدماه ارض المغرب سنة 1965, وعاش طالبا ومناضلا وكاتبا واعلاميا وديبلوماسيا ، كما ودع واصف منصور الى مثواه الاخير اصدقاءه ومعارفه في الاحزاب السياسية والنقابية والجمعوية ، وقد حضر بعض الوزراء يتقدمهم رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران . وتلا ابن اخيه اياد منصور ، الذي تأثرا كثيرا برحيله ، حيث كان يعتبره العم والوالد والاخ والقائد ، والمحب العاشق لفلسطين والمدافع عنها كلمة تأبينية نيابة عن العائلة». كما استحضر أبو مروان ، سفير فلسطين الأسبق في المملكة المغربية ، عضو المجلس الوطني الفلسطيني ، والمجلس الاستشاري لحركة فتح , في كلمته التأبينية, أرواح الفلسطينيين الذين احتضنتهم مقبرة الشهداء,كما تحتضن اليوم واصف منصور قائلا : «اليوم نفجع بفقدان أخينا الحبيب واصف منصور الذي ابتدأ نضاله مع إخوانه المغاربة منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة ، منذ أن حضر طالبا في الجامعة عام 1965 ، وقد تشبع بروح النضال والالتزام الوطني منذ نعومة أظافره في مخيم الفارعة للاجئين الفلسطينيين ، متعلما من والده النقابي الفلسطيني الملتزم حسن منصور أساليب النضال والثبات على المبدأ ، والالتصاق بالجماهير، والإخلاص لقضيتها التي لم تكن أبدا إلا قضية الكفاح لتحرير فلسطين ومقاومة الاحتلال الصهيوني الغاصب على أرضها . نعم يا أخي الحبيب أبا سفيان ، لم تكتف بتحصيل العلم على مقاعد الدراسة في جامعة محمد الخامس ، وإنما عملت منذ اليوم الأول على تشكيل نقابة للطلاب الفلسطينيين في الجامعة, متمحورا حول قضية شعبك لتصبح الجامعة مكانا للتحصيل العلمي ومدرسة للكفاح الوطني ، التزاما بالقضية . فبالإضافة لرئاستك للاتحاد العام لطلبة فلسطين في المغرب المضياف ، ونشر الوعي بقضيتك في الأوساط الطلابية والسياسية والنقابية, إلى جانب ذلك أسست مع بعض إخوانك الفلسطينيين أول خلية لحركة فتح ، والتي وجدت الدعم والتأييد والمساندة الشعبية والسياسية والنقابية ، دعما لفلسطين ومساهمة في نضال شعبها وما إن حصلت على اعتماد القيادة في فتح للجنتكم الفتية ، حتى اندمجت في جهود المناضلين المغاربة لإنشاء الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني والتي تكونت من أساطير الحركة الوطنية المغربية وشخصياتها المناضلة ، فأصبحت سكرتيرا لها ومبرمجا لأعمالها وعملت مع عمالقة العمل الوطني في المغرب ، مثل الزعيم علال الفاسي والأستاذ أبو بكر القادري والأستاذ عبد الكريم بنجلون والأستاذ محمد الطاهري والدكتور عبد الكريم الخطيب والدكتور مهدي بن عبود والشهيد عمر بنجلون والفقيه محمد بن عبد الله والأخ محمد اليازغي والدكتور فتح الله ولعلو والدكتور عزيز بلال ، وغيرهم الكثير من الشخصيات الوطنية المغربية ، فاستفدت من خبرتهم النضالية ونسقت جهودهم المخلصة في تجنيد الدعم الشعبي المغربي للثورة الفلسطينية الفتية، برعاية من الحكومة المغربية وتوجيه حكيم من جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني ثم جلالة الملك محمد السادس حفظه الله . كأني أراك الآن أخي الحبيب تطوف مختلف المدن المغربية مع الفرقة المسرحية الفلسطينية « شعب لن تموت « ، وكأني بالتبرعات تنهال على الجمعية لتدعيم الثورة الوليدة, كأني بالسيدات المغربيات يتبرعن بحليهن الذهبية على خشبة المسرح لمساندة الكفاح الفلسطيني وأنت تشكل فروع الجمعية في مختلف أنحاء المغرب وتوطدها لأداء مهمتها الكفاحية والثقافية لمساندة فلسطين فتنظم المحاضرات الأسبوعية وتكتب الصفحات الملتزمة بالقضية الفلسطينية في الصحافة الوطنية . وكأني أراك على ظهر الباخرة المتجهة من الدارالبيضاء الى ميناء طرموس وعلى متنها 105 سيارات عسكرية لإخوانك المقاتلين على الجبهة الشمالية وهم يحتفلون بك فرحين بجهودك وجهود إخوانك لحرصكم على المساهمة الفعلية في الجهاد» . كما أشار فتح الله ولعلو في كلمته لعمق العلاقة التي جمعت الراحل بالمغاربة على اختلاف توجهاتهم مستطردا « جئنا اليوم من كل التوجهات ، لأن واصف منصور كان يعرف كل المغاربة ، وكل المغاربة يعرفونه ، واصف منصور ارتبط طبعا ارتباطا عضويا بالقضية الفلسطينية ، ولكن ارتبط كذلك بنضال المغاربة بالنسبة للقضية الفلسطينية ، فكان فلسطينيا وكان في نفس الوقت مغربيا . وأضاف ولعلو بفضل واصف منصور ، وابومروان والقادة الفلسطينيين ارتبطت القضية المغربية بالقضية الفلسطينية ، كانت مرتبطة منذ 1947 وكانت ارتبطت بشكل تنظيمي اساسي ، وخلال كل هاته السنوات لا ننسى مصاحبته لكل القادة الفلسطينيين الذين كانوا يزورون المغرب وخاصة الشهيد ياسر عرفات ، ولا ننسى حضوره مع ابو مازن ، خاصة في أخر زيارة عندما وقع تدشين سفارة دولة فلسطين ، الذي هو شخصيا وبجانبكم لعب دورا اساسيا في تأسيسها . لاننسى واصف منصور المثقف ، الشاعر ، الاديب ، المحاضر القوي الذي استفاد منه المغاربة في الجامعات وفي الاحزاب والنقابات وفي المجتمع المدني ، ولا ننسى تأطيره في المظاهرات التي نظمها الشعب المغربي في هذه المدينةالرباط ، خاصة في اواخر الثمانينات واوائل التسعينات مع الانتفاضة الاولى والثانية ، فكان جسرا اساسيا بين المغاربة والقضية الفلسطينية . نحن كمغاربة لا ننسى انخراطه التام في المجتمع المغربي ، بل اصبح مغربيا اكثر من المغاربة ، تزوج من عائلة مغربية ، واولاده وبناته مغاربة ، وانخرط في التقاليد المغربية التي استوعبها واستقبلها وربطها مع الثقافة الفلسطينية . و استعرض بنجلون الأندلسي, باسم الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني, مسار واصف منصور في المغرب «48 سنة وأنت مغربي ، وفي عمرك الكامل كنت مناضلا من اجل قضيتك ، خرجت من حيفا وولدت منها ، وكنت تريد ان تعود اليها ، وتريد ان تستقل الدولة الفلسطينية وان تعود فلسطين لأصحابها ، كنت تحن للعودة الى خطواتك الاولى والى تراب الخطوات الأولى من اجل ان تعيش القضية, لأن تعيش انت في وطنك ولتعيش من اجل وطنك . كان واصف منصور مغربيا وفلسطينيا حتى النخاع ، وكان حريصا على استقلال فلسطين بكل صفاء وكذلك قضايا الشعب المغربي, كان بطلا ,ينافح ويخاصم من اجل الخير لهذا الوطن ومن اجل فلسطين . حينما يستحضر واصف منصور عادات وتقاليد وجغرافية المغرب، اشعر بالحياء لأني مغربي ، وأنت اعلم مني بوطني وبكل دقائق وطني وبكل الحيثيات لوطني ، اعطاك الله ذاكرة من الصعب ان تموت . واصف سجل لن يموت, وهو عنوان هذه المحبة الكبيرة بين الشعب المغربي والشعب الفلسطيني ، نعدك في اطار الجمعية المغربية لمساندة كفاح الشعب الفلسطيني والتي تعتبر حياتك في موازاة نضالك ، فأنت منذ نشئتها والى اليوم وانت رفيق الدرب والمساند والداعم والباحث عن وحدة المغرب ووحدة المغاربة ازاء القضية الفلسطينية ، وكنت تجيز أن ينقسم الفلسطينيون ولكن ما كنت تجيز ان ينقسم المغاربة في سبيل مناصرة الشعب الفلسطيني . كنت تعتبر قضية فلسطين هي التي توحد الشعب المغربي ولا تفرقه .إنها الثورة حتى النصر لك ولأمثالك من الشهداء «