وعلق ابن عسكر على هذا قائلا: (رأيت ضربة فوق حاجب الشيخ سيدي أبي محمد الهبطي هشمت العظم كان ضربه إياها الشيخ الغزواني، وكانت تثور عليه إلى آخر عمره، وكان أبو محمد الهبطي يقول: »كل ما فتح علي به رنما هو من بركة سيدي أبي محمد الغزواني«. ب في القسوة الرمزية: ونورد مثالا آخر لقسوة أكثر إيلاماً في اختبار ثبات المريد، من القسوة المادية، والتي لم تنجح كمثيلتها المذكورة في صد المريد وفك عزيمته والوقوف دون الشيخ، وبالتالي دون الفتح. يقول د. سالم الغزالي متحدثاً عن مستوى الإذلال والقهر والإلغاء عند صوفية العصر السعدي.. »ولم يقف بهم الأمر عند هذا الحد (إذلال النفس)... فقد جعلوا من إذلال النفس واحتقارها مادة اختبار يتعرفون بها على قدرة المريد ومدى استعداده. فمن ذلك مثلا: إحراق الشيخ المجذوب فراش تلميذه أبي المحاسن الفاسي يوم زفافه لينظر هل يتغير، فلم يبال أبو المحاسن بشيء«. نعم وكذلك، فأي قسوة أقسى وأوعر! من أن يتركك مقصود أتيته من بعيد وكلك رجاء، تتوخى منه كل الخير، تنتظره ثلاثة أيام بضوئها وعتمتها فوق مزبلة: بلا ماء ولا حراك.. وهو عارف بذلك؟! نعم، هذه اللغة التي يقولها أو سيقولها أينا إلى نفسه لا تنتمي إلى هذا المجال، وقاصد الشيخ أكيد لا يمكن أن تجول بذهنه، وليس بذهنه غير الخوف من الحراك، لعل الشيخ يخرج فلا يجده، وهذا امتحان لا وجود فيه إلا للتسليم المطلق، ومحو السؤال.. كذلك كان حال أحمد بن موسى الشاب وهو في هذه الوضعية السفيلة، فقد سولت له نفسه أن يحرك لكنه تدارك: »لعل الشيخ يخرج فلا يجدني»« فقهر نفسه، ونجح في الامتحان الأول بخروج الشي وتصريحه بالقبول: »إنك معي«.. قلنا الامتحان الأول لأن حياة المريد امتحانات متوالية، فالطريق في الطريقة لا ينتهي مادامت أسئلة النفس تنتهي، إنها مجاهدة، وهي مبتدأ ركيزتي التصوف الجزولي والتصوف بصفة عامة، وخبره في التصوف الجزولي (كتمييز وقيمة مضافة) هو الجهاد.. وتكون نتيجة الاختبار: الإجازة.. الإجازة في قول الشيخ: »إنك معي« فعلم المريد، »علم ساعتئذ أن تحمل تبعات صبره كان من أجل تثبيت حضور كلا الطرفين لدى الآخر«. وتقول الأستاذة الراجي معلقة على اللقاء: »مما جعل علاقته بالتباع قائمة على أساسين نظريين: أولهما: ترويض النفس ومجاهدتها، فقد سولت له نفسه لما طال انتظاره أن ينطلق إلى مكان آخر، إلا أنه جاهدها قائلا: »لعل الشيخ يخرج فلا يجدني«. وثانيهما: الثقة التامة في الشيخ، فبعد انقضاء زمن الانتظار، امتثل المريد لأوامر شيخه بانصرافه للنوم، وقد طالت مدة نومه إلا أنه »ظن أنه نام كما ينام الناس، فلما قال له الشيخ: »نمت سبعة أيام«، استغرب ذلك في نفسه، لكنه قال في نفسه أيضاً »الشيخ لا يكذب«، فوقع التصديق بكلام التباع قبل البحث عن قرائن مادية تثبت صحة ما قاله.. »لتخرج الأستاذة بخلاصة للقاء مفادها أن العلاقة بينهما لم تتجاوز اختبار النفس وحثها على المجاهدة والتصديق المطلق«. بعد محطة الاختبار والامتحان والنجاح، بالتسليم المطلق تأتي محطة مرحلة: التوجيه والإرشاد.. وهكذا بعد أن قبله الشيخ كمريد جديد (إني معك) أمره بالمسير إلى شيخ آخر، بعد أن طلب منه أن يزوره في أوبته «»فإن وجدتني زرتني وإن وجدتني ميتا زرت قبري«. يبقى هناك سؤال يفرض نفسه، ماذا أخذ عن التباع غير القبول، تجيب الأستاذة الراجي: »فكان مجمل ما أخذه أحماد أوموسى عنه هو علم الباطن الذي لا يعلم بالحرف، بل ينتقل من الشيخ إلى المريد بفعل التصديق والخضوع«. بعد ذلك من حقنا أن نتساءل لماذا أمره بالمسير إلى ذلك الشيخ... لماذا لم يبقه عنده، ويحشره ضمن تلامذته الكثر وهم ما هم بعد أن سرحهم حين كمل حالهم: ك: الشيخ سعيد بن عبد المنعم والشيخ رحال الكوش والشيخ على بن ابراهيم والشيخ عبد الكريم الفلاح والشيخ الهبطي، ووارث سره الشيخ الغزواني أو لماذا لم يعين له شيخا قريبا منه في مراكش أو غيرها والمغرب عامر بكل أشكال الشيوخ؟ يمكن أن نرجع ذلك إلى شيئين: »أولا لأن الملياني كان كما سنرى في ترجمته »»ضالعا في اللغتين الأمازيغية والعربية اللتين يتحدث بهما بطلاقة، وثانيا: لما قيل عن تسامحه وصبره وعدم اشتراطه شروطا في قبول المريدين حتى عيب عليه ذلك... وأحمد بن موسى قليل المعرفة إذ ذاك وربما يحتاج إلى صبر لا يملكه غير ذلك الشيخ««.. فقد كان كثير التلقين حتى قال له الشيخ أبو عبد الله الخروبي:»أهنت الحكمة في تلقينك الأسماء للعامة، حتى النساء!« فقال له:»»دعونا الخلق إلى الله، فأبوا فقنعنا منهم بأن نشغل جارحة من جوارحهم - وهو اللسان - بالذكر»« قال الشيخ أبو عبد الله الخروبي:» »فوجدته أوسع مني دائرة«« ويظهر أن سعة الصدر هذه طبعا بعد سعة الأفق - قد أورثها مريده، فقد قال عنه لاحقا الشيخ أبو عبد الله سعيد بن عبد المنعم »... لم يبق في هذا الزمان من يقدر على أولاد الناس سوى سيدي أحمد بن موسى«. أو ربما هناك سر آخر سنقترحه في حينه غير ما رأينا أو مضافا إليه..