3 فمن هو الشيخ التباع؟ وكيف كان اللقاء؟ جاء في الدوحة: »»ومنهم شيخ المشايخ، جبل الفضل الشامخ، بحر العرفان، وجرثومة المآثر الحسان، ولي الله العارف به، أبو فارس عبد العزيز التباع المراكشي المعروف بالحرار نسبة إلى صناعته لأنه كان حراراً في بداية أمره. صحب القطب أبا عبد الله محمد بن سليمان الجزولي، فكان صاحب الإراثة من بعده، وصحب الشيخ أبا عبد الله محمد الصغير بالتصغير، وكان من الأكابر، وقد مر في غير ما ترجمة من تراجم المشايخ الإلمام بعلو مقامه، لأنه كبير الشأن جليل القدر من الأفراد، انتفع المريدون بتربيته، وشهد الأكابر بولايته، وكرامته رضي الله عنه أشهر من تذكر ولو تتبعناها لاستقلت بها إسفار، وحسبك أن الشيخ سيدي أبا محمد الغزواني، والشيخ عبد الكريم الفلاح، والشيخ سعيد بن المنعم، والشيخ عبد الله بن داوود، وغيرهم ممن تقدم ذكره من تلامذته، ومن بركة تربيته خفقت الوية الولاية على رؤوسهم. توفي رضي الله عنه سنة أربعة عشرة (كذا) وقبره مزارة عظيمة بمراكش على مقربة من جامع ابن يوسف رحمه الله«. وأضاف صاحب ممتع الأسماع: »»ومنهم وارث حاله (أي حال الشيخ الجزولي) الشيخ أبو محمد وأبو فارس عبد العزيز بن عبد الحق الحرار عرف به وبالتباع » «(..) كان عالماً عاملا وشيخا كاملا. بحر العرفان ومجمع المآثر الحسان شيخ المشايخ، وأستاذ الأكابر، وجبل الفضل الشامخ، وجرثومة المفاخر، قطب وقته، ووارثه، وغوته النفاع، وإمام أئمة الطريقة في عصره من غير اختلاف ولا نزاع.. قال أبو العباس المرابي في «»تحفة الإخوان»، كان رضي الله عنه في أمامته، وجلالته بمكانة يعز على الوصف بلوغ مداها ويعلو على ارتفاع الشأن وشهرة الصيت نداها، وقد تخرج عليه من كبار المشايخ مالا يكاد يحصيه عد، أو يحصره حد، وبالجملة فقد أنعمت أقطار المغرب أنواره وملأت صدور رجاله معارفه وأسراره حتى كان يشتهر فيما لقناه من بعض الصالحين من الأقطار المراكشية بسيدي عبد العزيز الشيخ الكامل، وكان يقال: النظرة فيه تغني. انتهى. ووصفه شيخه بالكيمياء، وذلك أنه خدمه مدة وفتح له على يديه، فلما حان أجله، أوصى به سيدي الصغير، وقال له يا صغير: الله الله في عبد العزيز، فإن عبد العزيز كيمياء.. فسار إليه بعد موت الشيخ، فخدمه سنتين بمنزله.. ثم قال له سر ينتفع بك الناس، فأطلقه من ثقاف الإرادة فسار، فاستقر بمراكش وطنه وأقبل الناس إليه من كل مكان، واشتهرت كرامته وانتشرت تبعته فعم خيره من المغرب الزوايا والأركان«. ويصف أدفال الدرعي اللقاء هكذا: »فذهب إلى سيدي عبد العزيز التباع في حال الذهول (كذا)، والله أعلم فلما دخل سوق (مراكش)، أخرج الشيخ من يأتي به إليه، فلما لقي الشيخ دخل الشيخ داره، وقال له انتظرني هنا. فمازال ينتظره ثلاثة أيام على مزبلة لا يبرح عن مكانه. قائلا لعل الشيخ يخرج فلا يجدني، ويتيمم هناك ويصلي، فبعد ثلاثة أيام، يخرج الشيخ: فقال إنك معي، اذهب لتنام، فذهب فنام ما شاء الله، ثم إن الشيخ أتاه وأيقظه. وقال له: كم نمت، فظن أنه نام كما ينام الناس، فقال له: إنما نمت سبعة أيام أو قال له أكثر وهو يستغرب ذلك في نفسه، وقال أيضاً في نفسه: الشيخ لا يكذب. ثم نظر إلى جسده فوجده نحيلا، وإلى الأرض التي نام عليها، فإذا هي قد تندت فظهر له صدق الشيخ رضي الله عنه ونفعنا به. ثم أمر له بالمسير. قال له حتى إذا رجعت، فإن وجدتني حياً زرني، وإن وجدتني ميتا زرت قبري (كذا) والله أعلم. فساح من هنالك وقصد بعض الأشياخ (هو أحمد الملياني) بإذن سيدي عبد العزيز قصده إليه. قيل بقي عند ذلك الشيخ ما شاء الله قبل أن أدخله ذلك الشيخ الخلوة سنة. ومن عند ذلك الشيخ، كانت سياحته في الأرض. قيل هذا الشيخ أمره بها، ومرت سياحته على ما سمعت نحواً من ثلاثين سنة«. على العموم، وكما لاحظ «»مصطفى نعيمي» »جاء اللقاء مخنوقاً وجافا««، كما جاء غنياً بالدلالات الملأى بلغة خاصة تنتمي إلى مجال طريقة القوم، وشيوخهم في التعامل مع المريدين وكيفية الانتقاء لهم، ونكتشف أن اللقاء طبعته محطتان هما: محطة الاختبار ثم محطة التوجيه. والاختبار عند المشايخ (أو الشيخ)، إما أن يكون حاداً وقاسياً، وإما أن يكون لينا ورقيقاً وهذا يرجع إلى طريقة الشيخ في التربية وطبعه.. ويكفي أن ندرج نموذجين في ذلك لنتبين الأمر: في القسوة والحدة هناك قسوة مادية وقسوة رمزية. أ في القسوة المادية: يورد حسن جلاب مثالا لقسوة الشيخ الغزواني في التعامل مع مريديه. إذ نقل عن الشيخ أبي محمد عبد الله الهبطي حواراً دار بينه وبين شيخه الغزواني في حلقة من حلقاته العلمية...: »... وسجل الهبطي في هذا الحوار طبيعة العلاقة التي كانت تربط الغزواني بطلبته، فإذا كان بعض الشيوخ يأخذونهم باللين والرفق ويحرصون على إطعامهم وإيوائهم، فإن الوثيقة تبين عكس هذا بالنسبة للغزواني قال: (وكان إذا رأى من تحرك في حلق الذكر أو يقصر في خدمته ضربه بعصا لا يفارقه وكل من يضربه يفتح الله عليه في الحال).