منذ صغر سنه شكل ظاهرة لفتت انتباه كل الذين صلّوا خلفه بمسجد الشهداء خلال السنوات الماضية ... إنه يونس غربي ، الشاب الذي حُرم من نعمة البصر فعوضه الله بقراءة القرآن ، التي ينير بها طريق المئات/ الآلاف من المصلين يوميا في رمضان وغيره من الشهور. دفعه والده القارىء والشيخ مصطفى غربي إمام مسجد الشهداء، إلى المحراب ليقول كلمته. وبالفعل، حقق حلم والده، حيث ناب عنه في عدة ليالي التراويح في شهور الصيام الماضية، وترك انطباعات جيدة من خلال الأداء المتميز بصوت شجي وقوي، و خلف تأثيرا كبيرا في نفوس كل الذين كان يحجون لهذا المسجد، الذي اشتهر ، في زمن مضى، باسم «جامع مصطفى غربي». بدأ اسمه في التداوال بقوة بعد حضور متألق في العديد من المناسبات رفقة والده، وعقب فوزه بمراتب أولى في العديد من المسابقات... حبه للقرآن الكريم مكنه من حفظ الستين حزباً للذكر الحكيم في ظرف أربع سنوات، حيث بدأ الحفظ وهو في سن السابعة بأوامر والده، واختتم الحفظ في الحادية عشرة. كانت له زيارة لأرض الكنانة، فكوّن علاقات بأسماء كبيرة في مجال القراءة، ممن أُعجبوا بصوت يونس غربي، الذين شجعوه وقدموا له بعض النصائح. تواضعه ورغبته في التعلّم والتبحر في عالم القراءة الرحب، مكنه من فرض اسمه كمقرىء نال إعجاب القراء المغاربة الكبار، الذين يحبهم ويُكِنُّ لهم كل الاحترام... التقته الجريدة خلال الشهر الفضيل، فكان معه هذا الحوار. كيف جاء تعلقكم بالقرآن؟ فضلُ تعلقي بالقرآن الكريم يعود لوالدي ، جزاه الله خيرا ، الذي جعله كمنهجية في تربية الأسرة والأبناء منذ الصغر، حيث عاينا بالمسجد قراءته وتأثر الناس وإعجابهم بها. لقد حثنا في البداية على قراءة القرآن وحفظه من خلال ولوجنا الكُتّاب، ورغم عدم المتابعة الجدية في الصغر ، بحكم اللعب والشغب، لكن فيما بعد، ظهر لنا أثر القرآن وبدأ منذ ذلك الحين التعلّق بكتاب الله عز وجل . في أي سن حفظت القرآن؟ بدأت الحفظ وسني لا يتجاوز السبع سنين، وختمت، والحمد لله، بعد أربع سنوات ، أي عند بلوغي الحادية عشرة . دراستك لأحكام و قواعد القراءة والمقامات الصوتية؟ قرأت عن والدي الشيخ مصطفى غربي، وعن بعض الشيوخ الآخرين ، منهم الدكتور سعيد ربيع، الشيخ مصطفى بوناقة، حالياً رسخت، بعد دراستي علوم القراءات، عند الشيخ محمد السحابي ومازلت معه . الأصوات التي أثرت فيك كمقرىء والمفضلة لديك؟ بالنسبة للتجويد والتحقيق، هناك الشيخ محمد رفعت، الشيخ كامل يوسف البهتيمي والشيخ محمد عمران . وماذا عن مدارس القراء الكبار؟ ماشاء الله، كل واحد يتميز بشيء معين، كُلٌّ له هبة وعطاء رباني غير متواجد لدى الآخر. فعندما نتكلم عن الشيخ والقارىء الكبير كامل يوسف البهتيمي، نجد رخامة الصوت، ومساحة صوتية واسعة، وأسلوب صعب في الأداء. الشيخ محمد رفعت ، كذلك، كان يمتاز بصوت رقراق، مع أسلوب فني مرهف في قراءة آيات كتاب الله عز وجل. أما عند الشيخ محمد عمران، فتجتمع مجموعة من المقامات في آن واحد، انتقالات فريدة، وتصوير عجيب للقرآن بصوته وبمساحته الصوتية المتميزة . كيف تمكنت من إتقان المقامات الصوتية؟ أخذت المقامات بالسمع، كما حفظت القرآن بالسمع. حفظتها بالسمع، وبكثرة الاستماع للشيوخ القراء. وقد كنت أقرأ بالمقامات دون أن أعلم تسميتها، بعد ذلك علمت وأدركت أن هذا المقام بياتي، وهذا راست، وهذا حجاز ، وهذا سيكا، وذاك نهاوند ، وهذا عجم ، وهذا القرار وذاك الصبا... بعد ذلك التجأت لفروع هذه المقامات. ما هي مدرسة يونس غربي؟ حاليا يشدني ولع وميول كبير للشيخ كامل يوسف البهتيمي لما لقراءته من سحر خاص . ماذا عن القراء المغاربة؟ أول من أثر فيَّ هو والدي «مصطفى غربي»، بأسلوبه المتميز، ثانياً الشيخ عبد العزيز الگرعاني، والشيخ عمر القزابري، كلهم، سبحان الله، كالفواكه الطيبة، كل واحد له ميزته الخاصة به. وبخصوص القراء الموجودين، هناك عبد الإله مفتاح، عز الدين بدري، أحمد الخالدي، هشام العظيمي، عبد الكريم الباقي الله، يونس صولت... هناك أصوات كثيرة لقراء مغاربة ، والحمد لله ، لا يُشق لهم غبار الآن في التجويد، وخير دليل الحضور المتميز للمغاربة في المسابقات الدولية، حيث غالباً ما نجدهم يحتلون المراتب الثلاث الأولى . بين القراءة المغربية والمشرقية؟ أحيانا أفضل القراءة المغربية لرونقها الخاص، وطابعها المغربي المتميز. فمثلا يمكن للشرقي بأن يقرأ قراءته الخاصة به، لكنه لا يستطيع أن يؤدي قراءة بالطريقة المغربية، والسبب هو تميز القراءة المغربية بمقامات معينة، وبتعرُّبات صوتية عجيبة، وأحياناً أحب الاستماع لكلتا القراءتين، لكن ، مع ذلك، يبقى للقراءة المغربية وقع خاص . هل لديكم مشاركات في مسابقات دولية؟ لدي مشاركات عديدة، من أبرزها مسابقة لبنان الدولية، مسابقة القارىء العربي، تُوّجت فيها ، بتوفيق من الله ، بالرتبة الثالثة، وكان ذلك موسم 2011/2010. كلمة للقراء المغاربة؟ ما عساني أن أقول لهم، وهم أسيادي في هذا الباب، لكن أقول للجميع بأنه يجب التركيز على تدبر القرآن، والعمل به أكثر من تركيزنا على المقامات والنغم والأساليب. وباللغة الدارجة «خَلّي القرآن هو يْسِيرك، ما تسيروش أنت»... ونؤكد لهم على أن يكونوا أصحاب القرآن ولا حَمَلَته فقط.. طموحات يونس غربي؟ أسعى جاداً لأكون من كبار علماء القرآن الكريم ، وأتمنى من الله عز وجل التوفيق والسداد.