تعيش الأسر المغربية حالة من الأرق، نتيجة الضغط الذي تتعرض له الميزانية المفروض أن توزع على ثلاث «جبهات» : ميزانية شهر رمضان الفضيل الذي بات يستضاف في فصل الصيف، و ميزانية العطلة الصيفية، و ميزانية الدخول المدرسي، ناهيك عن عيد الأضحى المبارك الذي لا يشغل بال المغاربة حاليا بقدر انشغالهم بكيفية تدبير و تسيير ميزانيتهم حسب الإكراهات الأولى الثلاثة، و التي تشتعل المصاريف فيها لهبا مع حرارة الصيف.فهل ستتمكن الأسر المغربية من الاستغناء عن ميزانية مُناسَبة على حساب الأخرى؟ و ما هي الحلول التي ستلجأ إليها عند استنزاف الجيوب ؟ أسئلة تطرح نفسها في خضم موجة ارتفاع الأسعار التي شملت مختلف مناحي المعيش اليومي. في كل سنة تستقبل الأسر المغربية مختلف المناسبات متفرقة عن بعضها البعض، ليتسنى لها تدبير ميزانية كل مناسبة على حدة، لكن في السنوات الأخيرة، أصبحت هذه الأسر تعيش تحت وطأة ثلاث مناسبات متوالية، وتبقى هذه السنة ذات طابع خاص و مغاير لسابقاتها، حيث توالت أهم المناسبات في فترات ملتصقة فيما بينها، ألا و هي: حلول شهر رمضان الفضيل،الذي يعرف بشهر الاستهلاك المتزايد، ما يجعل الأسر المغربية تصرف أضعاف ما كانت تصرفه في الأيام العادية، إضافة إلى العطلة الصيفية، التي من المفروض أن تشكل فترة لاسترجاع الأنفاس بعد عطاء و تعب طيلة السنة، لكنها تتطلب الشيء الكثير لسد مختلف نفقاتها. و يأتي الدخول المدرسي في ذيل هذه الإكراهات ليحسم الأمر لصالحه، و المعروف أن الدخول المدرسي يحتاج إلى الكثير من المال ليسد حاجيات الأبناء، من خلال شراء مختلف اللوازم المدرسية، ما يجعل الأسر المغربية في حيرة من أمرها لإيجاد الصيغة الناجعة للخروج من هذه المعادلة الصعبة. إن الهاجس الوحيد الذي يشغل بال الأسر المغربية بات مرتبطا بشيء اسمه أكل و ترفيه، و مع الشهر الكريم يصبح هم نسبة كبيرة من الأسر هو اقتناء أكبر قدر ممكن من المواد الغذائية و كأن المحلات ستغلق أبوابها في شهر مثل شهر رمضان الذي يصبح شهر ربح بالنسبة للتجار ، عوض شهر عبادة . و لملامسة هذا الوضع المؤرق، استقينا آراء مجموعة من المواطنين بهذا الخصوص، حيث قالت سيدة وهي ربة بيت وأم لثلاثة أطفال:«أنا أواجه صعوبة في تدبير متطلبات المنزل، بحكم أن زوجي يشتغل خارج المغرب، و مع الأزمة التي تعيشها إيطاليا، يرسل كل شهر تقريبا 3000 درهم التي لا تكفي لسد حاجيات المنزل و الأطفال ، و بما أننا في شهر رمضان الفضيل تكثر المصاريف،وميزانيته لوحدها تتعدى ميزانية الأيام العادية، ما يجعلنا نستغني عن العطلة الصيفية،حيث نكتفي بقضائها في المنزل، فهي تحتاج كذلك إلى ميزانية تغطي مصاريفها، فمثلا إذا ذهبنا ليوم واحد إلى البحر قد نصرف مبلغا يقارب 500 درهم،لقضاء اليوم بكل ما يحتاجه من لوازم،عكس المنزل، حيث سنخسر على الأقل 100 درهم، هذا الاستغناء دافعه بالأساس الاستعداد لمصاريف الدخول المدرسي، لكي لا نضطر إلى الاقتراض، و لتوفير ما يحتاجه من لوازم ( لباس للأولاد، و كتب مدرسية، و...) » . و قال سعيد موظف وأب لطفلين :«قبلا كنا نواجه مصاريف المناسبات وهي متباعدة فيما بينها، أما الآن و مع تواليها بشكل متزامن، أصبح راتبي لا يكفي لسد كل المتطلبات، خاصة مع الشهر الفضيل الذي يعرف بشهر الاستهلاك، حيث نستهلك ضعف ما نستهلكه في الأيام العادية، و مع الراتب الذي أتقاضاه من 2500 إلى 3000 درهم، أستثني العطلة الصيفية، بقدر ما أفكر في الدخول المدرسي الذي يستنزف كل ما وفرته على حساب العطلة، و مع ذلك ألجأ إلى الاقتراض، هذا، ناهيك عن لوازم المنزل، و ما إذا مرض أحد لا قدر الله،الشيء الذي يحتاج إلى عدة مصاريف. وبالنسبة لي يتجسد ثقل ميزانية المناسبات الثلاث في غلاء الأسعار وعدم الزيادة في الراتب الشهري» . بالنسبة لمحمد ، موظف وأب لخمسة أبناء، فيقول:«أجد نفسي في ضائقة مالية نتيجة المصاريف و الميزانية الثقيلة التي تتطلبها مائدة الإفطار، و خصوصا أن بعد متمه أجد نفسي على أبواب الدخول المدرسي، و ما يعمق الأمر أن لي خمسة أبناء، ثلاثة منهم في التعليم الجامعي و يدرسون خارج المدينة، و ذلك حتما يتطلب مصاريف من كراء، و ملبس، و أكل، و كتب، إضافة إلى ابنتيًَّ الصغيرتين اللتين تدرس إحداهما في الثانوي و الأخرى في الإعدادي، فمصاريف رمضان و عيد الفطر و الدخول المدرسي تؤرق بالي كما تؤرق بال أغلب الأسر ذات الدخل المتوسط». أما حجاج موظف في أحد المصانع، أب لخمسة أطفال، فيعيش أزمة من نوع آخر، فهو قبيل حلول شهر رمضان أجرى عملية جراحية، مما جعله تحت ضغط مصاريف هائلة في سبيل العلاج و المراجعات الطبية، و قال حينما حاورناه بخصوص كيفية تدبير ميزانيته في المناسبات التي توالت واحدة تلو الأخرى (شهر رمضان، و العطلة الصيفية،و الدخول المدرسي): «مع العملية التي أجريتها، أعيش أزمة خانقة، خاصة مع مصاريف رمضان، و أسعاره التي تشتعل لهبا، و التي لا تعرف فرقا بين المواطن البسيط و المواطن الميسرة له الأمور، و بما أنني في إجازة مرضية، فأنا أتجاوب مع الشهر الكريم بما بقي عندي من مال و على حسب مقدرتي. هذا ما يجعلني أستبعد العطلة الصيفية تماما من تفكيري، لأنها تحتاج إلى مصاريف كثيرة، هذا دون إغفال الدخول المدرسي الذي يحتاج إلى الشيء الكثير، خاصة و أن لدي خمسة أطفال لا تنتهي متطلباتهم ( كتب مدرسية، ملابس،...)،الشيء الذي سيجعلني ألجأ إلى الاقتراض من الأهل أو الأصدقاء». و قال آخر و هو موظف:«أنا أضع مخططا حسب راتبي الشهري، فمثلا إذا كنت أتقاضى 3000 درهم، فأنا لا أتعداه إلى 5000 درهم أو أكثر في مناسبات كرمضان،العطلة الصيفية،الدخول المدرسي،لأن ذلك سيجرني إلى عواقب غير متوقعة، و هذا ليس بالصحيح، فأنا أتماشى مع راتبي، و بما أننا في شهر رمضان الكريم، فأنا كغيري من المواطنين، أستهلك، لكن ذلك يكون في حدود، لكي لا يعود ذلك بالضرر علي و على جيبي على وجه الخصوص.هذا كله لكي لا ألجأ إلى الاقتراض في المناسبات التي تلي رمضان،لأن دوامة الاقتراض تؤدي إلى الانقراض». تبقى هذه المناسبات من أهم ما تستعد له الأسر المغربية قبل حلولها، و ذلك عبر توفير المال الكافي لسد احتياجاتها، و كل ما تتطلبه كل مناسبة حسب الحاجة، فبدءا من رمضان الذي يأتي على رأس القائمة و الذي يجعل الأسر تعيش حالة من الاستنفار جراء ما يشهده الشهر الفضيل من ارتفاع للأسعار، و كثرة الاستهلاك، مرورا بالعطلة الصيفية التي «تستنزف» جيوب المواطنين من ما بقي من رمضان، وصولا إلى الدخول المدرسي الذي يجد أغلب الأسر ذات الدخل المحدود،حاملة شعار اللجوء إلى الأبناك التي أصبحت تغري بعروضها في مختلف وسائل الإعلام، بغاية استقطاب أكبر عدد من المقترضين،تسهيلا منها في سد مصاريف الدخول المدرسي أو غيره، ما يجعل ميزانية المواطن تتخبط في الديون و تعيش عجزا آخر ، إلى جانب العجز الذي لحقها قبيل الاقتراض.