توالت مناسبات استنزاف الجيوب على الأسر المغربية تباعا هذه السنة، فمن العطلة الصيفية إلى رمضان، ليأتي الدخول المدرسي بما له من متطلباء تنوء بثقلها الجيوب العامرة بله الفارغة، جراء التكاليف الباهضة التي تتطلبها المناسبة من أولياء الأمور، وهم لم يتنفسوا بعد من تكاليف التغذية وكسوة العيد ومصاريف التخييم والأسفار أثناء العطلة الصيفية. والذي يزيد الطين بلة، هو أن أسعار المقررات الدراسية - حسب ما يروج - ستتضاعف نتيجة التعديلات التي ستعرفها بعض المقررات الدراسية. توالي المناسبات وكثرة التكاليف مر عيد الفطر السعيد بعد مضي شهر رمضان، بما تتطلبه المناسبتان من مصاريف زائدة، ليحل الموسم الدراسي الجديد، وفي الوقت الذي انتهت فيه الأسر المغربية من توفير متطلبات المناسبتين السابقتين، تجد نفسها أيضا مطالبة بتوفير اللوازم المدرسية لأبنائها وملابسهم، وبذلك فهي مجبرة على تدبير أوضاعها وسد احتياجات المناسبتين من ميزانية الشهر العادية، والتي لا تكفي عند بعض الأسر حتى لسد مصاريف الشهر العادية، فالميزانية الإجمالية لتغطية نفقة هاتين المناسبتين تفوق بكثير أجرة الموظف العادي، مما يخلق فجوة كبيرة بين المصاريف والمداخيل، تزيد من معاناة غالبية الأسر المغربية التي ضاقت بها الحياة، وأصبح الفقر يطرق أبوابها نتيجة الارتفاع المطرد لأسعار المواد الأساسية. ولذلك لا تستغرب حالة الاستياء السائدة بين المواطنين اتجاه هذا الوضع. طرق كثيرة والهدف واحد أمام كثرة المتطلبات تنوعت طرق تعاطي الأسر معها، فمن متجه إلى قروض الاستهلاك أوالاستنزاف، إن صح التعبير، ومن متجه نحو القرعة، إلى من يسلك طريق طلب المساعدات من جمعيات المجتمع المدني. أما القلة القلية من الأسر، فإنها لا تبالي بالغلاء ما دامت في بحبوحة من العيش، وتدرس أبناءها في مدارس خصوصية مرتفعة التكاليف، غير آبهة بشيء ما دامت إمكاناتها المادية تفي بالغرض وزيادة. قروض الاستهلاك سعيد، موظف عادي بإحدى الوزارات وأب لثلاثة أطفال، ومعيل لأمه وأخته؛ لجأ خلال العطلة الصيفية لاقتراض مبلغ 40 ألف درهم، ليتمكن من السفر مع زوجته وأولاده وأمه، اشترى منها ملابس الأسرة وتحمل مصاريف السفر إلى قرية بعيدة عن العاصمة ب 530 كلم، ويعتمد على ما تبقى من هذا المبلغ لتوفير لوازم المائدة الرمضانية والحقيبة المدرسية لطفلين في السلك الإعدادي، وطفلة بالمستوى التمهيدي. عبر سعيد عن امتعاظه من ارتفاع تكاليف الحياة مقابل أجرة زهيدة لا تفي بمتطلبات الأسرة، خصوصا أن الأطفال تصيبهم خيبة أمل كلما رأوا أقرانهم يتمتعون بملابس وألعاب إلكترونية وغيرها. لم تنكر زوجة سعيد أنها حاولت ثنيه عن الاقتراض لعلمها بأنه بعد قضاء عطلة مريحة ستضطر الأسرة إلى التقشف من أجل أداء أقساط القرض، لكن زوجها صمم ونفذ تصميمه، لذلك لم تتردد في المطالبة، هي أيضا، ببعض مستلزمات المطبخ وبملابس جديدة. التعاونية سلاح ثمة أسر مغربية متشبثة بعدم إعلان الحرب مع الله، باللجوء إلى الاقتراض الربوي، ومع ذلك لا تجد بدا من التفكير في طريقة تدبير أزمة شراء لوازم مناسبة الدخول المدرسي ورمضان، ومن هذه الأسر من يلجأ إلى التعاونية أو ما يصطلح عليه المغاربة بالقرعة أو دارت. مصطفى، موظف بشركة للنسيج بالحي الصناعي بالرباط مثل زوجته، وهما أبوان لطفلين، اختارا أن يدبرا فترة الدخول المدرسي ورمضان باللجوء إلى القرعة، فانخرط كل منهما في واحدة تبلغ قيمتها الإجمالية 5000 درهم، ومجموع القرعتين 10000 درهم بمساهمة 500 درهم شهريا لكل منهما، تقتطع من أجرتيهما التي لا تتجاوز الواحدة منهما 2500 درهم شهريا. تقول زوجة مصطفى، التي تكتري بيتا بالحي الصناعي بقيمة 1000 درهم شهريا، أصبح من الصعب التفكير في الكماليات لأسرتنا؛ فمطالب المائدة والحقيبة المدرسية، إضافة إلى فاتورات الماء والكهرباء أنهكت قوانا، كما أن التفكير في ترك العمل بالنسبة لي أصبح من سابع المستحيلات، مع أنني أعاني من التعب وأعشق المكوث مع أبنائي في البيت وإشباعهم عاطفيا، عزائي الوحيد أن أمي المسكينة ساعدتني في تربيتهما قبل أن يبلغا سن التمدرس، فقد كنت أترك صغيري عندها أيام الأسبوع ما عدا مساء السبت والأحد، أما الآن فإنهما حين يعودان من المدرسة يعتمدان على نفسيهما في صب طعام الغذاء، الذي أعده قبل الذهاب إلى العمل أو ليلا. تقشف رمضاني أحمد، متزوج وأب ل 4 أطفال يدرسون في مختلف المراحل التعليمية، لم يخف قلقه الشديد من كيفية تدبير أمر مصاريف رمضان والمستلزمات المدرسية والألبسة، مع أن الأولاد لا يقدرون الظروف، بل يريدون أن يلبسوا ويتعلموا مثل بقية زملائهم. وقال إنه وأسرته يلجؤون إلى التقشف في الأكل طيلة شهر رمضان، لتوفير الأدوات المدرسية الضرورية فقط، أما شراء الألبسة فموضوع في قائمة المؤجلات، إذ يمنيهم بتوفيرها لعيد الفطر، أما الكتب المدرسية فليس بمقدوره أن يشتريها لارتفاع ثمنها، لذلك يستعيرها من أبناء أصدقائه وأقاربه إن وجد منها ما يصلح لأبنائه ويلائم المدرسة التي يدرس بها. أما فاطمة، متزوجة وأستاذة بالتعليم الابتدائي وأم لثلاثة أطفال؛ اثنان في الابتدائي والآخر بالإعدادي، فقد حاولت البحث عن ألبسة رخيصة لأن ميزانيتها هي وزوجها لن تغطي مصاريف رمضان والعيد والدخول المدرسي. الأولوية للحقيبة المدرسية إذا كانت الأسر المتوسطة الدخل مغلوبة على أمرها، فماذا سيكون الأمر بالنسبة للأسر المعوزة التي تعولها مطلقات وأرامل، غير طرق أبواب الجمعيات من أجل طلب المساعدة. فاطمة معنان، الرئيسة السابقة لفرع جمعية السلام للأعمال الاجتماعية بالرباط، أكدت في تصريح سابق ل التجديد أن جمعيتها أعطت الأولوية للحقيبة المدرسية قبل توفير معونات رمضان. وأفادت المتحدثة نفسها أن جمعيتها وفرت ما بين 800 و1000 محفظة لأبناء الأسر المعوزة، التي تستفيد من خدمات الجمعية، مؤكدة أن 80 في المائة من هذه الأسر نساؤها أرامل، و20 في المائة يكون الزوج فيها مقعدا أو غائبا لسبب من أسباب المشاكل الأسرية. عضو من أعضاء اللجنة الاجتماعية بجمعية العمل الاجتماعي والثقافي، فرع الرباط، أكد أن إعطاء الأولوية للدخول المدرسي قبل مؤونة رمضان؛ إسهاما من الجمعية في عدم ترك بعض الأطفال لمقاعدهم الدراسية، ومن ثم الإسهام - قدر الإمكان - في التقليص من حجم بعض الظواهر الاجتماعية السلبية، نتيجة الانقطاع عن الدراسة. وعبر عضو اللجنة الاجتماعية المذكورة عن أسفه، لارتفاع قيمة مصاريف التسجيل في المؤسسات التعليمية، إضافة إلى أن المقررات الدراسية المستعملة لم تعد مجدية كما كانت من قبل، فالعدد القليل منها هو الذي تتم الاستفادة منه، وذلك ناتج عن تغيير المقررات الدراسية كل سنة، مع تخصيص كل منطقة لمطبوعات دون أخرى. وأمام هذا الارتفاع، فإن نسبة قليلة من الأسرة فقط هي التي يمكن للجمعية تحمل بعض مصاريفها في الدخول المدرسي لطفلين على الأكثر من أبنائها، في حالة وجود عدد أكبر من الأبناء، لأن إمكانات الجمعية لا تسمح بالاستجابة لكل متطلبات الأسر، أما الأيتام الذين يستفيدون من خدمات الجمعية فإنها توفر لهم الحقيبة المدرسية، مع الإشارة إلى أن مصاريف التمدرس أصبحت مرتفعة جدا، ولم تعد مسألة الاستفادة من الكتب المستعملة متاحة بالشكل الذي كانت عليه في ما قبل. التعليم الخصوصي للمباهاة في الوقت الذي تتصارع فيه أسر لتوفير اللوازم الضرورية للدخول المدرسي، سواء بالتقشف المعيشي أو الاقتراض أو الاستعانة بالمحسنين، نجد فئة أخرى تتخذ من المبالغة في مصاريف الدخول المدرسي واختيار المدارس الخصوصية، فرصة للمباهاة أمام الأسر الأخرى، وهذا ما أكدته إحدى الموظفات بالقطاع العمومي، إذ أن زميلاتها يتبادلن أطراف الحديث خلال الأيام الأخيرة حول المبالغ المصروفة على الأبناء للدخول المدرسي، بدءا باختيار البذلات المدرسية غالية الثمن، مرورا بالمحافظ التي تتراوح أثمنتها بين 300 و 600 درهم للواحدة، وصولا إلى المقررات وثمن النقل المدرسي واسم المدرسة، الذي يشير إلى غلاء ثمنها، وتستغرب هذه الموظفة اهتمام المتحدثين بأثمنة الخدمات، دون إعارة الاهتمام إلى جودتها وخصوصا ما يتعلق بقدرة وكفاءة هذه المؤسسات في تخريج أبناء متفوقين في دراستهم.