مرة أخرى تفوز شركة «رضا للعقار» بتفويت تدبير المحطة الطرقية «أولاد زيان» بالدارالبيضاء بعد عملية فتح الاظرفة ولمدة خمس سنوات أخرى. وقد رست عملية التدبير المفوض على هذه الشركة بعد استجابتها لدفتر التحملات الموضوع لهذا الغرض والذي تشوبه، كما أكدت عدة مصادر مقربة من هذا الملف الضخم، عدة ملاحظات لكونه جاء وفق معايير لا يمكن أن تتوفر إلا بهذه الشركة، التي سبق أن استفادت من هذا التدبير المفوض عن طريق الكراء منذ تدشين المحطة في 23 يوليوز سنة 1999. عملية فتح الاظرفة، التي جرت يوم الخميس 25 يوليوز 2013، لم تخل هي الأخرى من ردود فعل متفاوتة، حيث يرى العديد من المتتبعين أنها أولا جاءت جد متأخرة، لأن مدة الصلاحية التي تربط هذه الشركة والجماعة الحضرية للدار البيضاء عن طريق عقد الكراء قد انتهت منذ شهر يوليوز 2011. واستمرت نفس الشركة في تصريف أعمال هذا المرفق الحيوي الكبير دون أن تستفيد الجماعة المعنية من أي مدخول، رغم أنها راسلت هذه الشركة لإخبارها أن مدة صلاحية عقدها ستنتهي بالتاريخ المذكور سابقا. أيضا استغراب كبير للعديد من الفعاليات الاقتصادية بجهة الدارالبيضاء من قيمة ثمن الكراء والتفويت، حيث منذ افتتاح هذه المحطة سنة 1999 وقيمة الكراء لاتتعدى 600 مليون سنتيم سنويا. وكان مجلس مدينة الدارالبيضاء في جلساته الصاخبة وعبر لجانه المختصة، قد رفع قيمة التفويت إلى مليار سنتيم، وهو المبلغ الذي لم تقبله هذه الشركة أو غيرها من الشركات. وكان أحد الأسباب الرئيسية لعدم تقديم عروض الاستفادة في المواعيد التي حددتها الجماعة سابقا. وهو ما اعتبرته هذه الفعاليات بسيناريو محبوك ليبقى الوضع كما هو عليه، وبالتالي العدول عن المبلغ المطروح، وهو ما جاء على لسان بعض نواب الرئيس محمد ساجد في عدة خرجات إعلامية بمناسبة وبدونها، وهو السبب الذي جعل، حسب المصادر نفسها، أن تكتفي بفتح ملف تقني لهذه الشركة والشركة المنافسة التي يترأسها مستثمر مغربي له تجارب تجارية بالولايات المتحدةالامريكية، لتوضيح أن الشركة الفائزة هي التي لها تجربة ميدانية في تدبير مثل هذه المرافق، وتم فتح الملف المالي لها دون أن تكلف نفسها عناء فتح الملف المالي للشركة المنافسة، حسب نفس المصادر، حيث ثم فقط إضافة 5 ملايين سنتيم على السومة الأولى، أي أصبح واجب الكراء السنوي 605 ملايين سنتيم. وتنازلت الجماعة الحضرية عن 395 مليون سنتيم التي كانت مقررة كمبالغ إضافية للمبلغ السابق دون معرفة المبلغ المقترح من طرف الشركة المنافسة. وأكدت عدة مصادر أن إمكانية الطعن في عملية فتح الأظرفة وتفويت هذا المرفق لنفس الشركة مطروحة بشدة إذا ما كانت هذه الوقائع صحيحة وواقعية. إلا أن التساؤل المهم، والذي طرح بعد عملية فتح الأظرفة حتى قبلها، وتحديدا بعد وضع دفتر التحملات الذي يحمل توقيع عمدة الدارالبيضاء ووالي جهة الدارالبيضاء محمد بوسعيد، تتوفر الجريدة على نسخة كاملة منه، ما تضمنته مرافق وآليات وتجهيزات وبنايات المحطة، التي لم تكن موجودة في دفر التحملات الأصلي الأول. وبعبارة أصح أنها مرافق أضافتها الشركة التي كانت تشرف على تدبير هذا المرفق، وهي مرافق ذات مردودية مالية مهمة، انضافت إلى مداخيل الشركة دون أن تستفيد منها ميزانية الجماعة الحضرية للدارالبيضاء، بل لم تكلف نفسها عناء تكوين لجنة مختصة ترسلها لعين المكان لمراقبة أملاك الجماعة، وكيف تم التصرف في المرفق بدون ترخيص، أو إذن من المجلس الجماعي... وهو ما يمكن اعتباره حسب العديد من المصادر والمتتبعين، تسيبا في الملك العمومي واستغلالا للنفوذ، علما أن من المرافق ما تم كراؤه من طرف هذه الشركة للمقربين من رئيسها، كمحطة الوقود التي تم كراؤها رغم أنها لم تكن موجودة بتاريخ 23 يوليوز 1999، وتم بناؤها سنة 2001، رغم احتجاج أرباب النقل الذين وقفوا في البداية ضد هذا المشروع بحجة أنه يستولي على مساحة جد مهمة من مكان وقوف الحافلات بعد دخولها لهذه المحطة، إلا أن أمورا حدثت جعلت عملية غض الطرف هي الحل الوحيد، كذلك استغلال الطابق الأرضي وتحويله لمركز تجاري وكراء محلاته وتحويل بعضها رغم صغر مساحتها إلى مقاه مع إمكانية ضم محلين وتحويلهما إلى مقهى، هذه الأخيرة استولت على مساحة كبيرة من المركز التجاري خصوصا ليلا وأصبحت ملاذا لكل من لا مكان له للمبيت، أكثر من ذلك سمحت الشركة بإدخال الرهان لإحدى المقاهي في المركز التجاري الأرضي «التيرسي» وهو ما تسبب في تجميع العديد من محترفي هذا النوع من القمار، بالاضافة إلى أنه تسبب في إفلاس العديد من المسافرين القادمين من مناطق مختلفة وتحويلهم إلى أناس يطلبون الصدقات لجمع ما يمكن تسديد واجب تذكرة تعيدهم إلى مناطقهم أو لإيصالهم إلى ذويهم بنفس المدينة. دفتر التحملات هذا شمل، أيضا، محلات تجارية لم تكن أو كانت مرفقا عموميا كمكتب الارشادات الذي تحول إلى محل لبيع السجائر، ومالكه معروف من ذوي القربى. مسؤولون عن تسيير هذه المحطة تابعون لنفس الشركة أصبحوا يملكون محلات تجارية هم أيضاً. ومنهم من سجلها بأسماء زوجاتهم، دون رقيب أو محاسبة، لكن التغيير البارز هو الذي يخص مركز الشرطة والصيدلية وقاعة التمريض، حيث كانت في الأول بعد تدشين هذه المحطة وفتحها أمام المواطنين، فقط مركزاً للشرطة وقاعة للتمريض، واستمرت لما يقارب السنة. بعدها تم إسقاط الجدار الفاصل بين مركز الشرطة وقاعة التمريض وتحويله إلى صيدلية، وتم بناء مركز للشرطة الحالي. رغم أن الفصل 24 من القانون الداخلي جاء واضحاً حول قاعة التمريض، فأكد «تفتح في وجه المسافرين قاعة للتمريض قصد تقديم العلاجات الأولية للوافدين عليها من المسافرين تحت إشراف وحدة طبية مختصة». الآن لا وجود لوحدة طبية، ولم تعد القاعة تشتغل منذ السنة الأولى من عمر المحطة الطرقية، وأصبح الباب الرئيسي لما يسمونه بالقاعة الطبية هو مدخل الصيدلية، رغم وجود باب شكلي من الخلف. وأضافت مصادر مؤكدة أن الكهرباء المستهلك في هذا المرفق مازال يحسب على القاعة الطبية، بمعنى أن الجماعة الحضرية للدارالبيضاء هي التي تؤدي فاتورتها. إذا كانت محطة أولاد زيان تعتبر من أكبر المحطات الطرقية بالمغرب، وكلفت عملية بنائها وتجهيزها ما يفوق 7 ملايير سنتيم، فإنها ولاشك تعتبر أيضاً أكبر محطة طرقية من ناحية الخروقات والفوضى في كل شيء. ولم تأخذ من موقع المدينة الاستراتيجي والاقتصادي والتنظيمي أي شيء. فعمليات السفر واستقطاب المسافرين تعرف فوضى وارتجالية. كثيراً ما خلفت أجواء مشحونة وصلت في العديد من المناسبات إلى مركز الأمن والاعتقالات. أثمنة تعرف تسيباً كبيراً في المناسبات دون أدنى مراقبة من الوزارة الوصية، حافلات تقف أينما يحلو لها وأمام أعين بعض رجال الشرطة دون أي تدخل، صياح وهيجان صوتي من كل جانب، باعة جائلون داخل المحطة ووسط المساحة المخصصة للحافلات، بل وبداخلها أيضاً، كل شيء يباع بها، مما جعلها قبلة لكل أنواع البشر، الباعة، النشالون، المحتالون من الكورتيا الذين تعج بهم المحطة. التذاكر تباع في كل مكان حتى داخل الطاكسيات التي تهم بالوقوف لإنزال المسافرين. فما يلبث سائق الطاكسي يستعد لأخذ واجبه حتى تطل عليه رأس من إحدى نوافذ سيارته، سائلا الزبون الذي يستعد هو الآخر لأداء واجب نقله إلى المحطة، «فين غادي الشريف؟» ويسرد عليه مجموعة من المدن، هذه العملية أحياناً تصاحبها عمليات سرقة إما لبعض البضائع أو للمحافظ أو الهواتف في سرعة ودقة غريبة. هذا بالإضافة إلى مظاهر غريبة تعرفها هذه المحطة، من بينها وجود العديد من الفتيات المتخلى عنهن تختلف أعمارهن، ومنهن المتخلفات عقلياً. وبعد مدة، أصبحت العديد منهن أمهات عازبات، تعرضن للاغتصاب من طرف وحوش بشرية أو من بعض «الشمكارة» الذين تعج بهم المحطة. وهذه الفئة هي الأخرى تستغل من بعض عديمات الضمير حين يتاجرن بمولود أو مولودة. وقد تطرقت الجريدة لهذا الموضوع في العديد من المناسبات، حيث ظهرت إحدى الحالات في هذا المجال. ومن أسباب هذه الأوضاع المزرية التي تعرفها أكبر محطة طرقية وطنياً هو الإهمال، عدم المراقبة، عدم المتابعة من مسؤولي عدة قطاعات تتداخل داخل هذه المحطة، وترك المجال كله للتدبير المفوض. هذا الأخير لا يعرف سوى جني الأرباح، وهو شيء طبيعي، لأن الشركة توظف، والموظفون والعمال يعملون دون مراقبة ودون أي استفسار. فما يمكن أن يحصل سوى التهافت على كسب المال بكل الطرق القانونية منها و غير القانونية. فالكل يبحث عن «الروسيطة» ولاشيء غير «الروسيطة». والمؤسف أن دفتر التحملات الجديد زكى إلى حد ما عدة خروقات سبق وأن سجلت في الوقت الذي كان العديد من التجار ينتظرون تدخل الجماعة الحضرية لوقفها ومساءلة أصحابها، تزكيها وتعترف بها. فكم من الأرقام لمحلات أحدثت بعد أن وضع عليها من كلفوا بالوقوف على تدبير هذا المرفق أرقاما مكررة، لأنهم هم المستفيدون منها، لكن دفتر التحملات أعطاهم الحماية اللازمة بوضع رقم خاص، والجريدة تتوفر على نسخ لمثل هذه الفضائح. فعلى سبيل المثال، تؤكد مرافق دفتر التحملات عن وجود 30 كاميرا للمراقبة. وأكدت أنها وضعت رهن إشارة الشرطة. والواقع ينفي ذلك، فلا أثر لها. وإن كانت، كما يدعي دفتر التحملات، فإن المحطة وما يجري فيها خلال الساعات لكل يوم سيكون بالمكشوف، وساعتها تكون عدة سلوكات وممارسات غير موجودة. ورغم أن مدة صلاحية العقد المبرم السابق بين الجماعة الحضرية للدار البيضاء والشركة الفائزة بالتدبير المفوض عن طريق الكراء قد انتهت سنة 2011، فإن الشركة لم تتوقف عن استخلاص مستحقات كرائها لمرافق المحطة ولواجب أرباب الحافلات، إلا أن مجموعة من التجار امتنعوا عن أداء الكراء، طالبين بتفسير الوضع. ولمن يجب أداء واجبات كرائهم ودخلوا في صراع مع الادارة وراسلوا الشركة عبر رسائل عن طريق المفوضين القضائيين وعن طريق بعض محاميهم. كما استنكروا أداء ما استهلكوه من الكهرباء للشركة، عوض أدائه لشركة ليدك مباشرة، واعتبروا عملية تسليم واجب استهلاك الماء والكهرباء للشركة عن طريق إدارتها بالمحطة غير قانونية، وطالبوا بتسوية هذا الموضوع وأداء واجب الاستهلاك لشركة ليدك، مؤكدين أن الشركة لا يمكنها المتاجرة حتى في الكهرباء والماء. الآن، وبعد أن اتضحت الأمور ورست عملية التفويت على نفس الشركة، يتساءل العديد من التجار والمتتبعين عن خارطة الطريق التي ستنهجها إدارة هذه الشركة لفترة 5 سنوات مقبلة؟ وهل ستخصص الجماعة الحضرية مراقبة ومتابعة بصفتها مالكة هذا المرفق العمومي الكبير؟ والحرص على سلامته وعدم التصرف فيه بما يمكن أن يغير معالمه وأهدافه الرامية إلى خدمة المواطنين؟ وهل ستتمكن الوزارات المعنية، كالنقل والتجهيز والداخلية والصحة، من مراقبة جودة الخدمة والمنتوج المقدم من طرف الشركة التي رست عليها الصفقة، أم أن دار لقمان ستبقى على حالها؟