يُعتبَر المنتج والمخرج السينمائي، «بيل غوتنتاك» وجها معروفا على الساحة السينمائية المستقلة في الولاياتالأمريكيةالمتحدة.. وبالإضافة إلى كونه يدرس اقتصاد السينما والتلفزيون بجامعة ستانفورد، فهو كاتب سيناريو متخصص في الأفلام الوثائقية التي يتطرق فيها لتاريخ بلاده من خلال نظرة ترصد المآسي الوطنية الكبرى والاضطرابات الاجتماعية في بلاده كاغتيال كينيدي والهجوم على البرج التوأم وثورة الاحتجاجات من أجل الحقوق المدنية... ولقد قدم «بيل غوتنتاك»، للسينما والتلفزيون، أعمالا ذات طابع نقدي سواء كمنتج أو مخرج أو سيناريست.. وتتميز أعماله التليفزيونية بتناول دواليب العدالة الأمريكية لفضح بعض جوانبها المُظلمة.. أما على مستوى الإبداع الأدبي، فتُعتبَر رواية « الشارع « التي صدرت بالفرنسية ( ماي 2013 ) عن دار «كاليمار/سيري نوار»، مُترجَمة عن الانجليزية بقلم «كريستوف مرسيي»، أول عمل أدبي روائي له.. تحكي الرواية قصة «كيزي»، الفتاة المراهقة ( 14 سنة ) التي تحل بمدينة «لوس أنجلس»هاربة من حياة أسرية متصدّعة وطفولة مُدَمَّرة عاشتهما بمسقط رأسها «سياتل» في كنف أب اقترف زنا المحارم وأم لم تقم قط إزاءها بواجب الرعاية والاعتناء.. حلّت «كيزي» بمحطة «هوليود» الطرقية وهي لا تملك سوى بضع دولارات وجراب أمتعة أخف من كل معاناتها الماضية.. وصلت وفي ذهنها أنها حققت ما لم يستطع تحقيقه آخرون لبثوا في «سياتل» لافتقادهم الشجاعة الكافية؛ لكنها وقعت لقمة سائغة بين براثين سمسار بغايا اعتاد اصطياد ضحاياه على رصيف تلك المحطة.. فسقطت «كيزي» كما سقطت أخريات مثلها أتيْن إلى عاصمة السينما بحثا عن فرصة تفتح أماهن أبواب النجومية.. هكذا أجبرت «كيزي» على ممارسة بيع الهوى بشارع «سنست ستريت» حيث ربطت علاقة صداقة مع مجموعة من المهمشين عبارة عن مراهقين يعيشون في الخفاء ويمارسون التسول والبغاء والسرقة في ظل لامبالاة الجميع.. من بين هؤلاء، «بول»، الشاب المنحرف الذي أصبحت «كيزي» تعيش في كنفه؛ ثم «رانشور»، المدمن على المخدرات رغم أن والده، «جيمي»، يعمل شرطيا مكلفا،حسب دوره في الرواية، بالتحقيق في جريمة قتل بشعة جرت أحداثها في غرفة أحد الفنادق الفخمة وذهب ضحيتها أعز أصدقاء عمدة المدينة... تتشابك خيوط قصتي «كيزي» و»جيمي» لتجعل من رواية «الشارع» صرخة غضب ضد البالغين الجبناء الذين تسيطر عليهم نزواتهم وضد نظام يسحق أكثر مما يساعد على التألق.. هكذا يرسم «بيل غوتنتاك» صورة، بلا مساحيق ولا تدليس، لمدينة تضمحل فيها الأحلام والأوهام؛ إذ يتحول التحقيق في جريمة قتل إلى ذريعة للغوص في دهاليز الحياة البائسة بالأماكن الأكثر رمزية بمدينة الملائكة ( لوس أنجلس ).. ومن أجل إماطة اللثام عن قذارة الأزقة وكآبة البيوت المهجورة والمُحتلة في مكان لم تعد له أية رمزية، يَعمَد المؤلف إلى ملازمة شلة من فتيات الهوى لا يؤمنّ إلاّ بقانون العيش والبقاء.. هكذا تحمل رواية «الشارع» آثار التزامات كاتبها السياسية.. فمن وراء هذه القصة ذات النبرة القدرية والمْرويَة عبر فصول قصيرة تشبه مشاهد فيلم سينمائي، تربض النظرة الثاقبة لمبدع سينمائي متخصص في الأفلام الوثائقية لتُذكِّر القارئ بأن أمريكا الطهرانية تمنح أيضا فرصة لازدهار سوق للجنس الغير مشروع على أرض أحد شوارعها الأكثر شهرة والغاص بالأطفال الضائعين.. ? عن جريدة « لوموند» ( 21 يونيو 2013 )