وأخيرا نطق السيد عبد الله باها جهرا بما يمرره إخوانه سرا. وصرح أمام جمع من أطباء العدالة والتنمية يوم الأحد 21 يوليوز 2013 بالرباط، واعتبر في مداخلة له أن «لما جاء الاستعمار وجد نخبة تقليدية متدينة، لم يواجهها، لكنه همشها. ثم بدأ في إنشاء نخبة جديدة عصرية، لكنها لا تهتم كثيرا بالدين»، وليست هناك قراءة أخرى لكلامه سوى أن النخب، ومنها النخب الحزبية بطبيعة الحال، كلها من صنيعة الاستعمار، ثم أنها نخبة غير متدينة بتاتا باعتبار كلامه بأن «حزبه جاء بنخبة متدينة». لن نستغرب يوما إذا قيل لنا إن من دخل المقر المركزي للعدالة والتنمية، فقد حرم الله على جسده النار، ومن شدة زعم قادته بشدة التدين، فقد أصبحنا نخشى أن يقوم في الناس من يقول لنا إن عبد الإله بنكيران وعبد الله باها هما المقصودان بالآية الكريمة «وثان اثنين إذ قال لصاحبه».. ولن نستغرب إذا قيل لنا ذات يوم كاشف، أن الإسلام دخل إلى المغرب عصر يوم من أيام 1996، علي يد المرحوم (هل سيبقى اسمه المرحوم أم سنتلوا الصلوات عليه ؟؟؟)، وأن دولة الإسلام الحقيقية، النخبة الربانية، قد بدأت منذ ذلك اليوم. هل هذا كلام رئيس الحكومة نفسه؟ هل يتعامل اليوم مع نخبة وضعها الاستعمار وغير متدينة؟ يمكن أن نجازف بالقول، لا لأننا على علم بالغيب، وأنهما تحادثا في الأمر وتولى التعبير بين السطور، بل لأننا نصدق بالفعل ما قالته زوجته، زوجة باها نفسها. ففي حوار مع «أخبار اليوم» كشفت لنا السيدة باها (الأولى) أن «عبد الإله يأتي في المرتبة الأولى، وبعدها تأتي هي. وإذا كان وزير الدولة قد وضع رئيس الحكومة قبل زوجته، في ترتيب العلاقة وترتيب الوفاء، فإن ذلك لا يعد شأنا عائليا، بل يتعداه إلى كونه شأنا سياسيا. وبنكيران نفسه، في حوار مع «لافي إيكونوميك»، الذي كان قد جر الكثير من الآلام على من قام به، قال، بغير قليل من الفكاهة، بأنه ربما يكون قد أصبح رئيسا للحكومة لكي يكون باها وزير دولة. أي أن الأصل هو باها، وزير الدولة وليس عبدالإله، رئيس الحكومة. ولم تقف الأمور في هذا الشق، وأصر على إعطاء هذا المبتغي صفة رسمية ودستورية، عندما اقترح القانون المنظم لتسيير الحكومة أن يصبح وزير الدولة، وزير كامل الصفة في الحكومة، ولمَ لا نائب رئيس الحكومة. وبذلك، ربما ستكون لنا حكومة .. الأصدقاء الراشدين .! الرأي العام لم يكن يعرف عبد الله باها، بفضل صمته ربما، أو بفضل إيمانه، أن الظل يصنع أحيانا كثيرا النجومية، لا العكس. لكن كلبا على لسان عامل متهور وغير مهذب وغير أخلاقي، في سيدي بنور، أخرجه من الظل إلى النور. وكان أول تمرين له مع القرار السياسي، بعد تعيينه طبعا، هو كيف سيعاقب عامل غير مؤدب على استعمال تشبيه لا إنساني في حق السيد باها. وعاد عبد الله باها إلى صمته، الحكيم في ما يبدو. دليلنا على هذه الحكمة هو أنه لما فتح فاه، أصبنا بالذهول، وخرج منه ما كان بعض أهل الكتاب يقولون «نحن أبناء الله وأحباؤه»، وكان القرآن يرد عليهم .. وبئس الإيمان.. آفة ما يقوله العلبة السوداء لبنكيران، في سياق هجوم منظم على تراث عمره ستون سنة من العمل الوطني، برواده العلماء، والذين وقفوا، في وجه الاستعمار وعملائه من الطرقيين (وكانوا سيقفون في وجه الطرقيين الجدد) ولم يقبلوا أبدا أن يكون في خلفية الصورة. لقد بشرنا السيد وزير الدولة في الدعوة، بأننا كلنا أبناء استعمار، وأبناء إلحاد، ونصب نفسه عميدا للمؤمنين (حتى لا نقول ما هو أفدح، على عادة الذين خلفهم الاستعمار خلفه). لسنا ندري، من أين يأتي هؤلاء بالتسمية، التيار الإسلامي، وهم أقرب إلى روح الجاهلية باستكبارها. رحم الله العالم التابعي الذي قال «لمعصية في تذلل واستصغار أفضل من طاعة تتبعها عزة واستكبار». ورحم الله الذين آمنوا، لم يطلبوا قانونا تنظيميا لكي يكون الأصدقاء رجال دولة. وعبد الله .. الخليل (الذي يسمي من شاء بالمسلمين)، لن يكون آخرالعنقد، منذ دشنت الحركة التكفيرية عملها، سواء اشتغلت بنسبة 20 أو 100 %، في بلاد المغرب، عبد الله باها الذي يستدرج الفتنة، عليه أن يفعل ذلك بغير الدين والتدين المغربي. وعليه أن يدرك، أيضا، أن جبريل لن ينزل في حي الليمون، وأن الملائكة لن تصلي وراءه، وأن القوانين التنظيمية لتسيير الحكومة لا تصله صكا للتكفير ولا فرمانا لترهيب الناس. وأنه أول من يطعن في إسلام هذه البلاد عندما يعتبر تاريخ دخوله السياسة هو تاريخ ميلاد التدين والدين في هذه البلاد. وأن التدين لا يقاس بالنخب التي يتحدث عنها. ومنها من يده ملطخة بالدماء.. وعليه أن يحمد الله أنه لم يدفع ولو فلسا واحدا ثمنا لما ينعم به من «شرعية».. وأن الذين ينعتهم باللادينية هم الذين فتحوا له الطريق لكي يتنزه في دهاليز الحكم ويطلق الكلام على عواهنه. وأن «كبسولة» الدعوة التي انطلقت في منتصف الثمانينيات، أو الكبسولة الموروثة عن «الفديك» لن تكون الطريق إلى الفردوس. ولا إلى الخلود في السلطة... والله باق، وأنتم ذاهبون.