«ذلك الفحلُ لا يُرْدَعُ أنْفُه» أبو سفيان اسمُها الحقيقيّ رمْلة بنت أبي سفيان بن حرب، وأمّها صفية بنت أبي العاص عمة عثمان. وقد كانتْ قبل الرسول متزوجة من عبيد الله بن جحش، الذي هو الأخ الشقيق لزوجة الرسول الأخرى زينب بنت جحش وابن عمّته. ولدت له طفلة سُمّيتْ «حبيبة»، فكُنّيتْ بها. وكان عبيد الله بن جحش قد أسلم، وهاجر إلى أرض الحبشة، ومع زوْجته أم ّحبيبة، ثم إنه تنصّر وظلّتْ أمّ حبيبة على إسلامها، وكانت تقول: «فقحنا وصأصأتم»، أيْ «أبصرنا ولم تبصروا». وهذا مَثَل، يقال عن الجَرْو إذا فَتَحَ عينيْه، قيل: فقح؛ وإذا فتح ثم غَمْض من الضعف والصغر، قيل: صأصأ. وعندما علم الرسول بوفاة زوجها غرقا في البحر (وهناك من يجعله مات غرقا في الخمْر لكثرة شربه لها!!) راسلَ النجاشي في الحبشة بأنْ يتكلّف بخطبتها له، و»ما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن فإذا جارية له يقال لها أبْرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إلي أن أزوجكه». (انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، الجزء السادس، ص. 72). وخلافا لما تذْكره بعض الكتابات المتأخّرة حول حقيقية هذا الزواج، فإنّ الرسول قد تزوّجها وهي بالحبشة قبل إسلام أبي سُفْيان، ولم يختلف أهل السّير في ذلك. ذلك أنه بعث من قبله من المسلمين، جعفراً وأصحابه، إلى المدينة مع عمرو بن أمية الضمري. وهو كان رسوله بالكتابين. فأسلم النجاشي لما عرف من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفه وأوان مبعثه؛ ووجه إلى أم حبيبة، وقد وصف له عمرو موضعها وأمرها، جارية له يقال لها « أبرهة « ، لتُعلمها ذلك وتبشرّها به. فوهبت لها أم حبيبة حلياً كان عليها، وكستها».. وقال بعض الرواة: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه أبا عامر الأشعري، حين بلغه خطبة عمرو أم حبيبة وتزويج خالد إياها، فحملها إليه قبل قدوم أهل السفينتين؛ وأنّ أبا سفيان قال: أنا أبوها أمْ أبو عامر؟ قالوا: ولما بلغ أبا سفيان تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة، ابنته، قال: «ذلك الفحلُ لا يُرْدَعُ أنْفُه». وعن ابن عباس، في قول الله تبارك وتعالى: « عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة»، قال: «نزلتْ حين تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنتَ أبي سفيان بن حرب». وروي عن عائشة أنها قالت: «دعتني أمّ حبيبة عند وفاتها، فقالت: «إنْ قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فغفر الله لي ولك. فقلتُ: غفر الله ذلك كله، وتجاوز عنه، وحلّلك منه. فقالت: سررتيني، سرّك الله. وأرسلت إلى أم سلمة، فقالت لها مثل ذلك. وكانت وفاة أمّ حبيبة في سنة أربع وأربعين». وكان سبب حلف جحش بن رئاب بني عبد الشمس فيما أخبريه محمد بن الأعرابي عن هشام الكلبي عن أبيه والشرقي: أنّ رجلاً من بني أسد بن خزيمة يقال له فضالة بن عبدة بن مرارة، قتل رجلاً من خزاعة يقال له هلال بن أمية، فقتلت خزاعة فضالة بصاحبها، فاستغاثت بنو أسد بكنانة، فأبوا أن يعينوهم فحالفوا بني غطفان، فالحليفان أسد وغطفان، وقال جحش بن رئاب: والله لا حالفت إلا قريشاً، ولأدخلن مكة فلأحالفن أعزّ أهلها ولأتزوّجنّ بنت أكرمهم،وكان موسراً سيداً، فحالف حرب بن أمية، وتزوج أميمة بنت عبد المطلب، وأدخل جماعة من بني دودان مكة فدخلوا معه في الحلف. وقال ابن الأعرابيّ: قال بعض القريشيين: إن رئاب بن يعمر حالف حرباً، وقال لأزودهن جحشاً أكرم أهل مكة، فزوجه أميمة: وكان أراد أن يحالف من أسد بن عبد العزى، فقيل له: إنهم مشائيم فتركهم». ولمّا جاء أبو سُفْيان إلى المدينة قبل الفتح، وحينَ «أوقعت قريش بخزاعة، ونقضوا عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخاف، فجاء إلى المدينة ليجدد العهد، فدخل على ابِنْته أمّ حبيبة، فلم تتركه يجلس على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالت: أنت مشرك»( أسد الغابة، الجزء الثالث ، ص 353). غدا: جويرية بنت الحارث: من أسيرة إلى زوجة