أستسمحكم قرائي الأوفياء لأني غبت عنكم خلال الأسابيع القليلة الماضية، وغيابي ليس مرتبطا بشهر الصيام بل مرتبط بدهشتي وأنا أتابع الأزمة تلو الأخرى التي تلم ببلدي، تلك التي تبدو رياحها العاتية آتية من كل الواجهات، ووحدهم مواطنو بلدي -مع غياب تام لحكومتنا الموقرة- يرددون « يا لطيف يا لطيف « بينما رئيس حكومتنا منتش بقدرته على الترافع دفاعا عن الذات داخل قبة البرلمان، وأمام مجالسه التي تقام بمناسبة وبدونها، ودفاعا عن امبراطوريته الوهمية تلك التي تخيل فيها الشعب عبيدا يسوقوهم مقيدين بالحبال الى حيث يريد، سامعين مطيعين، لا تهتز أياديهم إلا بإشارة منه، ولا انحناء أو وقف أو جلوس إلا بأمره. ولم يقف رئيس حكومتنا عند هذا الحد، بل حول مصير بلدي من أوراش فتحت لجعله صفا الى جانب الدول الديمقراطية، بالدفاع عن مأسسة حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الى بلد محكوم بلغة الغيب باستحضار العفاريت والجن وما الى ذلك ليستكمل مشهد الجذبة والحضرة وطقوس الشطحات في قلب المؤسسات التشريعية والتنفيذية، فقط ليفرغها من مهامها خدمة لمن يهمه الامر في دوائره التنسيقية. لم يكن رئيس حكومتنا يتصور أن زميله في مصر الفراعنة سيسقط من كرسي رئيس منتخب الى متهم بقتل شعبه، مثله مثل باقي الدكتاتوريين الذين اختاروا الكرسي، وضحوا بالشعب الذي طالما تغنوا بخدمته في محافلهم الدولية وخطبهم في الحدود الوطنية، فخرج عن صوابه، وهو الصواب الذي يكون فيه راضيا عن الإنجازات التي حققها لحزبه ولموقعه في أمانته وبين جماعته التوحيدية الاصلاحية ومنها الى باقي التنسيقيات الاقليمية والجهوية والدولية. لكن ما وقع في مصر ضرب مسمارا في مخه حتى تخيلت الرجل أصيب بجنون وهو يهدد كل من حوله وكأنه الحجاج يقول :» إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها» ، أنا الرئيس ومن لا رئيس له لا وطن له. ومن لم يقبل بنكيران رئيسا له، فليعلم أنه فقد حاضره ومستقبله أما ماضيه فحدث ولا حرج . والمتتبع لخطاب مرسي الأخير عندما خرجت الجماهير الشعبية الى الميدان في مصر تطالب برحيله، يدرك عمق المرجعية المشتركة القوية بين الرجلين، لكن بنكيران يدرك عكس مرسي أهمية الحفاظ على الكرسي ومن أجل ذلك «سلسل كل عفاريته» وسد أفواه تماسيحه ، وبدأ يبحث عن الشيطان كان أنثى أم ذكرا، من أجل ترميم خيمته المائلة بعدما اقتلعت رياح قوية أحد أوتادها وعصفت بغطائها حتى أصبحت خيمة مشدودة بقدرة قادر، يتمنى بنكيران فيها ألا تسقط فوق مخططه الأبدي في حكم مغرب بدون دستور لا محاسبة فيه ولا مسؤولية ،وهو الرئيس الذي كذب على من أوصلوه الى كرسي الرئاسة من « خوتو المغاربة» ووضعوه رئيسا لنا جميعا. وللحفاظ على ذلك قدم تنازلات كبيرة الى من أوهم الشعب أنهم التماسيح والعفاريت الذين يبدو أنهم يتحكمون في الاستراتيجيات الكبرى، وتلك هي اللغة التي دفع فريقه في البرلمان وأعضاء أمانة حزبه ليرددونها من مختلف المنابر، هؤلاء التماسيح والعفاريت التي تقول كتائب الرئيس في الأمانة والفريق أنهم يشكلون دوائر الدولة التي يتحكم بنكيران دستوريا في مفاتيحها، لكن الرئيس ذو الصلاحيات الواسعة يجعل مفاتيحه لا ترقص في دائرة الإقفال، ليدخل بلدي في دوامة التساؤل « بالخبّير» (بضم الخاء وتشديد الباء) عن « شكون طرز الما». وهو الرئيس الذي يستطيع من موقعه أن يأمر وزيرا في أمانة الحكومة أن يسرع بكافة المخططات التشريعية التي من المستعجل أن تكون فوق طاولة مكتبه ليلة مجالسه الحكومية، الشيء الذي قام به بالفعل عندما تعلق الأمر بمشروع القانون التنظيمي للتعيينات في المناصب السامية. ولأن بنكيران يقوم بمهمة تعطيل الدستور، فقد خرق حتى البند الذي ينبغي أن تكون فيه قوانين تنظيمية لتحديد مهامه وصلاحياته التي اختار أن تكون صلاحيات غير مقيدة بالقانون، وجعلها صلاحيات يمارس فيها مزاجيته الهادفة الى مخطط لا يعرفه سواه، وهو مخطط محزم بكل هذا الفساد النابع من تعطيل القوانين المنظمة للدستور، وذلك من أجل ممارسة الفساد من الباب الواسع في غياب المسؤولية والمحاسبة. ويبدو بنكيران اليوم متواطئا مع عفاريته وتماسيحه حد الالتحام في الجسد الواحد، يقوم بالشيء و نقيضه، بيدين « واحدة تكوي والأخرى تبخ» يتفه برلمان البلد الذي يرأس حكومته، ويتفه حكومة يقودها، ينتصر لوزير ضد حزبه لخلط الأوراق من جديد، ويدفع الحلول الممكنة للتدبير العمومي في ظل الأزمة القائمة الى الباب المسدود، متآمر بامتياز على مصلحة البلد.. لا يهمه مواطنون على قارعة الطريق وتحت عتبة الفقر ولا جالسون على باب الله، ولا معطلون ولا عمال ولا اقتصاد البلد الذي غرق في الوحل، ولا صورة مغرب تنهار في السوق الدولية . وحده بنكيران جالس فوق كرسي بصلاحيات واسعة ينتظر يوما وساعة صفرا تبدو ملامحها ضد استقرار بلدي واستقلاله ، فماذا يريد بنكيران؟ هذا هو السؤال الذي نخشى أن نصدم بالإجابة عنه.