في هذه الفسحة الصيفية، نستعرض بعض الأسماء لشهداء مغاربة فقدناهم سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ المغرب، الذي أطلق عليها سنوات الجمر، وسنوات الرصاص، والذي كان فيها المغرب يعيش انزلاقات خطيرة في كل المجالات منها مجال حقوق الانسان. من هؤلاء الشهداء من اختطف بمؤامرة دولية وتم قتله، ومن اختطفته المخابرات المغربية، خارج التراب المغربي وتم تخديره لينقل إلى المغرب في الصندوق الخلفي لسيارة ديبلوماسية مغربية وتم تصفيته. من هؤلاء الشهداء من جرفتهم الاعتقالات التعسفية، وتعاقبوا على الزنازن والأقبية المظلمة إلى أن زهقت أرواحهم، ومنهم من قدموا للمحاكم ظلما وتم إعدامهم ليلة عيد الأضحى، ومنهم من اختطفوا من منازلهم ببدلات نومهم، من طرف زوار الليل، وزج بهم في المعتقلات السرية إلى أن قتلوا، ورمي بهم في الأرصفة. من هؤلاء الشهداء مقاومون نفذوا أروع العمليات الفدائية ضد الإستعمار الغاشم، ومنهم مناضلون شرفاء مورست عليهم شتى أنواع التعذيب والقمع والارهاب والأحكام القاسية والاعدامات، لالشيء سوى أنهم خاضوا معارك نضالية من أجل مغرب يسوده العدل والحرية والمساواة والديموقراطية، ومن أجل دولة الحق والقانون. من هؤلاء الشهداء رموز مغاربة استشهدوا من أجل القضية الفلسطينية وانضافوا إلى رموز كثيرة صنعتها الثورة الفلسطينية. كما أن هناك شهداء آخرين أصحاب حوادث الصخيرات من العسكريين وأصحاب حادثة الطائرة الملكية وشهدائهم بمعتقل تازمامارت. عمر دهكون المعروف بزهير، ابن الطبقة الكادحة من منطقة تارودانت. تابع تكوينه الثانوي بالرباط، وانقطع عن الدراسة بثانوية النهضة بسلا، ولم يحصل بعد على الباكالوريا، شارك في مظاهرات وتحركات سياسية، ومن أصدقائه ادريس الملياني ومصطفى الجدايني، لقد نظم خلية في الثانويات، حين كان يتابع دراسته سنة 1962. رفقة مجموعة من الحاصلين على الباكالوريا سنة 1964، واشتغل لبضعة أشهر في مصلحة جوازات السفر بمدينة الدارالبيضاء. في يوليوز 1964 كان عمره يقارب 28 سنة حيث توجه إلى فرنسا، و بعدها سافر إلى ألمانيا. كان عمر منشغلا بشؤون عائلته الكثيرة الأفراد وكان يهمه مستقبلهم... كان مناضلا في صفوف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ويقول اثناء محاكمته بأن المقاوم محمد بنسعيد الستوكي أيت يدر عرض عليه الإنخراط في منظمة سرية للقيام بأعمال مسلحة لضرب الخونة... وشرع في ترتيب العمل السري، وأسس تنظيما لخلايا سرية في مجموعة من المدن. أول خلية اتصل بها هي التي كانت اشتغلت في السابق ضمن ماعرف في منتصف الستينيات بمجموعة شيخ العرب بالدارالبيضاء وهي خلية عرفت بإسم خلية محمد عواد الملقب «بكندا». توجه دهكون لأول مرة إلى الجزائر سنة 1965. وبعد سنة غادرها ورجع إلى الرباط . تابع دراسته العسكرية بالجزائر ثم بسوريا وأصبح قائد خلايا سرية بالرباط والدارالبيضاء. كان عمر دهكون يستقطب العناصر الجديدة ويوجهها إلى فرنسا ومن ثم إلى المشرق العربي، حيث كانوا يتلقون تدريبا عسكريا بسوريا وفي كل مساء كانوا يحضرون دروسا نظرية حول الثورة. كانت له قدرة كبيرة على الإقناع ويفرض رأيه. كان يجلب السلاح من الخارج وإعداد المتطوعين داخل المغرب، للسفر إلى معسكرات الزبداني بسوريا، جل أعضاء الخلايا من قدماء المقاومين وأبنائهم ومن مناضلين اتحاديين، كان تجميع الأسلحة عند الحدود الجزائرية الشرقية، ومصادرها هي ليبيا والجزائر وأوروبا والشرق الأوسط ، وفي إطار البحث عنه من طرف البوليس عانت عائلة دهكون الأمرين وتم اختطاف أخاه وهاجمت قوات الأمن بيت عائلته . ويحكي عمر دهكون عن بداية أسطورته «لما عدت من الخارج، لم تكن لدي لحية، وبقيت مختفيا إلى حين أرخيتها ، واعتمرت الطربوش...». في 16 دجنبر 1969 بدأت اعتقالات محاكمة مراكش، وبعد وشاية إبراهيم المناضي أصبحت أجهزة الأمن على علم بالمنطقة وبدور عمر دهكون الذي كان يقيم في خيرية بسلا عند شخص يسمى عثمان، وكان يقدم نفسه على أنه يتابع دراسة حرة. وفي 26 دجنبر 1969 تعرضت عائلته للمداهمات والإعتقالات والتعذيب لمدة ثلاثة أيام. حكم على دهكون في حالة فرار سنة 1971 في محاكمة مراكش الكبرى . وكان أنذاك في الدارالبيضاء قضى بعض الأيام بمنزل المرحوم محمد الوالوسي الملقب ب «بنبلا» و بعدها انتقل إلى الزاوية في مقبرة بن مسيك حيث اختارها كمقر للسكن والتخفي خلال سنة 1971. كان يسهر على تسليم أسر المعتقلين والمحكومين المعوزين منهم على الخصوص مبالغ مالية يجمعها من المناضلين وأعضاء المنظمة السرية في الخارج. كان عمر دهكون يقيم في مقبرة بنمسيك يدير العمليات ويأتي بالأسلحة، و يضع باستمرار نظارات سوداء كأنه ضرير، وكانت حركاته في المشي ثقيلة وبطيئة بفعل ما يحمله من سلاح، كان يرتدي لباسا نسويا لضمان تحركاته، وكان تأطيره السري يشمل العديد من المدن منها دمنات مراكش الدارالبيضاء، أشرف على عدة عمليات عبر الرسائل المشفرة (الكود) كان يكتبها بعصير الليمون أو عبر الأشخاص الذين كان يرسلهم عبر الحدود الشرقية، في 25 يناير 1973 عاد إلى المغرب مع رفاقه متسللا، عبر الجزائر ومعه أسلحة. تم إلقاء القبض على عمر دهكون في 22 مارس 1973، وفي نفس السنة منع عبد الرحيم بوعبيد من الترافع عن عمر دهكون ومن معه بعد قبول توكيله في بداية الأمر وتم تحويله إلى شاهد في قضية أحداث 3 مارس 1973. وقال عبد الرحيم بوعبيد:»بأن هذه الأحداث هي بمثابة دق ناقوس الخطر»، وكان جواب القاضي محمد اللعبي: «إننا لانحاكم هؤلاء المتهمين بسبب أفكارهم وإنما بسبب أفعال قاموا بها «. وصدر عليه حكم بالإعدام و في صباح اليوم الثاني من نونبر 1973، أصدرت وزارة الأنباء بلاغا صحفيا جاء فيه أن المحكوم عليهم في ما يسمى بمحاكمة القنيطرة من طرف المحكمة الدائمة للقوات المسلحة الملكية في قضية «مولاي بوعزة» قد نفذ فيهم الإعدام يوم فاتح نونبر 1973 في الساعة السادسة صباحا و38 دقيقة بالسجن المركزي بالقنيطرة، بحضور رئيس المحكمة ووكيل الملك ومحامي الدفاع وعددهم 15 وعلى رأسهم عمر دهكون، وصادف ذلك اليوم احتفالات عيد الأضحى.