أنت لا تحتاجين لمراكمة الشواهد العليا او التفقه في علوم السياسة او الانتماء لجمعيات نسائية و إتقان لغات أجنبية و لا لملابس من ماركات عالمية و مساحيق تجميل تغطي طبقات من وجهك و جسدك..لا تحتاجين لنضالات طويلة و مريرة لتحظي بجمال أخاذ يمكنك من كسب حب و احترام رجل يسكنك قصرا بديعا و يستقبلك بالورود ويجلس عند قدميك يتلو قصائد تمجدك و يتغنى بجمالك..كل ماعليك أن تكونيه هو امرأة شعبية آية من المغرب العميق..من زاكورة، تافراوت، تالوين. طاطا، تاونات..من الصحراء من الأطلس من الشرق و الغرب من الشمال و الجنوب..امرأة رائعة ،شامخة في زي تقليدي لا يخضع لقوانين الموضة المزيفة التي سرعان ما تؤول الى الزوال..زي يجسد الهوية و يوحي بعزة الانتماء لوطن متعدد الروافد ..تزينك حلي تسافر بنا عبر تاريخ مجتمعات احتلت فيها المرأة مكانة مميزة و نصيبا كبيرا من رأسمالها المادي و المعنوي..هكذا بدت النساء في الدورة 48 لمهرجان الفنون الشعبية..قرابة نصف قرن من الاحتفاء بالفن الاصيل، فن تحتل فيه النساء مكانة لم تستطع لحد الآن اية قوانين مدنية إرساءها . نساء تغنين عن الحب ، عن الوطن و عن الحرية، ترقصن جنبا الى جنب مع رجال يرون فيها الابداع، يصفقون لانجازاتها الفنية،يقدمنها سفيرة للمحبة، رمزا للوفاء و مصدرا للخير..نساء تتمتعن بقدرة منقطعة النظير لاخضاع كل الحاضرين لقوانين الفن الشعبي . ظلم كان هو إذن اتهامنا الامازيغ بالمغالاة حين يتحدثون عن مكانة المرأة في المجتمع الامازيغي و عن تمتعها فيه بحرية مازالت تناضل من أجلها الحركات النسائية منذ عقود من الزمن، هو الحال نفسه في الصحراء حيث للمرأة قيمة معنوية لا تنازعها فيها سوى الآتية من دول يبدو انها قطعت سنوات ضوئية في السمو بنسائها، هو واقع المرأة في الشمال ايضا ، هو اجمالا واقع المرأة الشعبية في مهرجان الفنون الشعبية الذي أطل علينا هذه السنة في نسخة احتفت بالنساء الرائدات في الفن الشعبي..مهرجان بإمكانيات محدودة رغم صبغته الوطنية و تمتعه بالرعاية السامية للملك..كل هذا لم يشفع له لحشد دعم يليق بمكانته التاريخية عامة و الثقافية خاصة..يبدو أن الشعبي لا يحظى باهتمام الفاعلين الاقتصاديين الذين يبدو ان هوس الاجنبي أصابهم ..تجدهم يهرولون لدعم مهرجانات لا علاقة لها بالهوية المشتركة للمغاربة و آخر ما تهتم به هو الموروث الثقافي الغني و المتنوع لشعب يأبى الاستسلام و يرفض التخلي عن أصوله الضاربة في التاريخ..لا أفهم فعلا لماذا ينفض الكل من حول الشعبي و يهرول الكل لدعم «العصري» ..هي عقدة الأجنبي تنخر عقول البعض، هو بالتأكيد الاستيلاب الحضاري يوهمك بأن الجميل لا يمكن ان يأتي إلا من الضفة الاخرى، مع أن الكل أجمع في مهرجان الفنون الشعبية أن الثقافات مصدرها البادية المغربية..لايزرع الاطمئنان على ضمان استمرارية هكذا مهرجانات إلا التزام أشخاص يستحقون فعلا لقب مناضلي الثقافة وحراس الهوية .. أناس مصرين على الرفع من القيمة الرمزية لفننا الشعبي،إصرار أكسبهم جمهورا يشبه في وفائه للابداع الوطني طيور بلارج التي اختارت أبراج قصر البديع مسكنا لها تشاركه الرقص على إيقاعات الوطن.. فتحية لكل من يحترم فنوننا، كينونتنا و هويتنا الشعبية و يدعمها لهم، أقول لقد جعلتموني أرفع سقف مطالبي ليصبح الاقتباس من الفن الشعبي لإشاعة قيم التسامح و المساواة هو الحل!