المتديّنون لا يرغبون في جعل العالم مفتوحا لحسن زينون، مخرج يسعى رجال الدين أو المتديّنون إلى جعل العالم ثابتا ومتوقّفا إلى الأبد، ولا يرغبون في جعله مفتوحا على آفاق جديدة. كان تولستويْ يقول:» لا يكون للعمل الفني قيمة ما إلاّ إذا نقل إلى الإنسانية إحساسات جديدة. وكما أنّ الفكرة، في نظام الأفكار، لا قيمة لها إلاّ إذا كانت فكرة جديدة، ولا تقتصر على ترديد وتكرار ما نعرفه سابقا، فإنّ العملَ الفنّي لا يكتسي قيمته إلاّ إذا صبّ في مجرى الحياة البشرية إحساسا جديدا، مهما كان كبيرا أمْ صغيرا. الدين كالسّياسة، ليستْ له علاقة مباشرة بالفنّ إدريس اشويكة، مخرج سينمائي في اعتقادي لا يجب أنْ تكون هناك علاقة مباشرة بين الدّين والفن عموما، تماما كما هو الحال بالنسبة لعلاقة الفنّ بالسياسة. فحين تقحم السياسة، بكيفية مباشرة، في الفن عموما، وفي السينما خصوصا، نسقط بالضرورة في خانة الدعاية والديماغوجية، أي في صنف أفلام البروباكاندا الرخيصة بالنسبة للسينما. فلا يمكن أن يكون هناك إبداع فني حقيقي تحت الطلب، سواء كان العرض سياسيا أو دينيا. فإذا ما فقد الإبداع الفني استقلاليته وتحرّره من أي قيد، فقد بالضرورة سر وجوده وجوهره. لقد ترسخت مند القديم فكرة أضحت اليوم بديهية: الفن إما أن يكون حرّا مستقلا أو لا يكون. وهذا لا يعني أنّ العمل الفني عموما، والسينمائي خصوصا، لا يجب أن يتطرق إلى مواضيع وتيمات تهمّ الدين. بل الأساس يكمن في طريقة المعالجة التي وجب أن تبتعد عن التعصب لعقيدة أو لطائفة دون غيرها. فالفنان عموما، والسينمائي خصوصا، يجب أن يسمو بإبداعه عن الخوض المباشر في أي صراع سواء كان سياسيا أو دينيا. يجب أن يبقى أساسا شاهدا ومعالجا موضوعيا للقضايا المهمة التي تشغل بال مجتمعه. هذه هي رسالته. الدين و السينما عبد السلام الكلاعي، مخرج سينمائي العلاقة بين الفن والدين علاقة ملتبسة بحكم أن المجالين يعملان على نفس المادة ألا وهي الوجدان الجماعي. وقد رأينا في العديد من المراحل التاريخية، و حتى في إطار ثقافات غير ثقافتنا، كيف أن الدين يصبح ذريعة لفئة مجتمعية محافظة لتضييق مجال حرية الإبداع والتعبير التي يفترض أن يتمتع بها الفنانون. أما في ما يخص علاقة الفنون بالدين في إطار ثقافتنا الإسلامية فهناك توثر خاص بين الفهم الأصولي للدين والفنون البصرية على الخصوص. يفهم العديد من الأصوليين أحاديث تحريم التصوير خارج سياقها التاريخي وهو منع التصوير للقضاء على الأصنام ونشر فكرة التوحيد في جزيرة العرب ويعتبرون هذه الأحاديث تحريما مطلقا في الزمان والمكان ومنه يعادون كل فعل إبداعي بصري بما فيه كل الفنون التشكيلية والسينما أيضا. فيما يخص السينما فإنها حقل يعتمد بالأساس على فعل «الإظهار». إظهار وجوه وأجساد الشخصيات هو أساس كل فيلم. ومن هنا بحسب رأيي كراهية الأصوليين الدينيين للسينما. لأنها تظهر أجسادا تتصارع و تتقارب وتتجاذب وتتباعد وتتطور وتقوم بما يقوم به الإنسان في محيطه الحياتي، بينما هم يطمحون لإبعاد الأجساد إلى مجال الخصوصية الغير المرئي وإن سمح لها بالحضور في المجال العمومي فيجب من وجهة نظرهم أن يتم تغييبها الرمزي عن طريق التغطية و الحجب. هذه العلاقة المختلفة تماما مع الجسد وتمثيله هي بؤرة التوثر بين الفهم الأصولي للدين من جهة و السينما و باقي الفنون البصرية من جهة أخرى. زدْ على ذلك أن ما يجعل السينما تكون دائما تحت مجهر رجال الدين، في عالمنا الإسلامي وفي غيره، هو قدرتها الكبيرة على التأثير في الرأي وصياغته وبالخصوص عند فئة الشباب بحكم أنها الفن الأكثر جماهيرية وبالتالي فتأثيرها هذا يعتبره العديد من الأصوليين، من كل الأديان، خطرا على هيمنتهم على مجال صناعة القيم لأنه مجال قادرعلى بث قيم جديدة في المجتمع. الدّين والفن: كلاهما طقْس جماعيّ خلاّق محمد الشوبي، ممثل سأبدأ رأيي هذا من مقولة كارل ماركس الشهيرة عن الدين، والتي أخطأ العرب المسلمون تأويلها، حين قال:» الدين هو الزفرة التي يصعدها المخلوق الذي هدّه الشقاء، إنه فكر في عالم بلا فكر، إنه روح في عالم بلا روح ، إنه أفيون الشعوب «. لقد انطلقتُ من هذه المقولة لتقاربها ،ومقاربتها الفلسفية لعلاقة الدين بالناس، فالدين هنا حقيقة مطلقة لتشبيهه بالزفرة، أي النفس العميق الذي يصعد من تهاوي القيم الروحية والفكرية، فهو يحتوي شقاء الإنسان وخطاياه، إلى حين تجلي الوعي عند الإنسان، وانتفاضته على نفسه، وعلى شقائه، حينها يحتل العقل le devant de la scène ، ويصبح الدين بعد ذلك مترسبا في المنظومة الأخلاقية ، أي قيما تطمئن الفرد على تواجده بين الناس بالخصوص، أما الفرد مع نفسه فيحتاج حينها إلى حرية دقيقة التصورات، بحكم أنه مسؤول على نفسه خارج التواجد الجماعي، وما هذه الحرية في كل تجلياتها ،إلا حرية تعبيره ، وحرية معتقده ، وحرية فعله الإبداعي ، وهنا يدخل الفن على الخط ، و يأخذ مكان الدين في مقدمة الخشبة ، لم نقل يلغيه ، ولكن يصبح الفرد أكثر حاجة لفنه ، وفنانيه ومبدعيه ، من مرشديه ووعاظه ، ومن هنا يحس هؤلاء الوعاظ ، والمرشدون والأحبار ، أن دورهم لم يعد ذا جدوى ، وأن الفنان يقترح على الناس ، من خلال الرؤى الفردية ، والفلسفات الوجودية ، أشياء ليس فيها ركود ، وتكلس فكري ، لمجرد أن الروح تستطيع أن تعبر كل فكر جامد، وهكذا خلقها الله، وما إن تخنقها ، حتى تخبوا أمام عينيك ، وقد تحايلت المجتمعات الدينية على الناس ، عندما وجدوهم متشبثين بالفنّ وحاولوا إخضاع الفنانين لمنطق الكهنة والأحبار والقساوسة ، كما هو حاصل عندنا اليوم ، في المزْحة التي يسميها حراس الأخلاق الجدد ، بالفن النظيف لتدجين الفنانين وضمهم لصفوفهم ، مادام الشعب متشبث بالفن. من هنا نلاحظ الغيرة التي تكونت عند الدين تجاه الفن، وتطورت حد الإقصاء ، والإلغاء ، والتكفير ، والقتل ، في بعض المراحل والعصور الظلامية من تاريخ الإنسانية ، ومن هذه الغيرة تأسست منظومات التحريم والتقزيم والهدم لكل ما ينتجه الفرد خصوصا ، وكل ما يهم الحريات الفردية في كل مجالاتها عموما إن ما يجمع الفن بالدين هو ، أن الدين طقس جماعي ، والفن طقس جماعي ، الدين زفرة روحية ، والفن زفرة روحية ، لكن الفن يتجاوز الدين في مسالة الاختيار، ويتجاوزه في تجدد التعبيرات وشساعة الأفق ، بيدما يقف الدين عند الثوابت القديمة ، فالفن يسافر نحو العوالم القادمة ، وهذا في نظري هو الذي يؤجج الخصومات بين الدين والفن، كما هي الخصومة بين العقل والنقل في الفكر الإسلامي، وهنا يجب التأكيد أن الإسلام لم يحرم مطلقا الفن ، لأن الإسلام في الأول، أي في البدايات لم يكن يعرف غير الموسيقى، ماعدا ما حرّمه»علمائه» بعد القرن الثالث الهجري، على يد فقهاء التكفير الأوائل ، والذين لازالت آرائهم توهب من طرف الجهلة الجدد في علوم الدين، والذين لا علاقة لهم بإسلامنا وديننا ، بل ووطننا الحبيب .