كثيرةٌ هي الكتابات والتعليقاتُ والحَواشي التي أُلّفَتْ عن الرّسُول وزوْجاته: كمْ عددهنّ، وهلْ كلهنّ مسْلمات؟ وهل تزوّج عائشة حقّا وهي بنْت تسع سنين؟ وهلْ كانتْ له علاقة خارج الزّواج، أوْ ما كان يُطلق عليه اسم «أمّ الولد»، وما سببُ ذلك؟ إلى غيرها من الأسئلة. يمكنُ تقسيم هذه الكتابات والتعليقات، عُمُوما، إلى نوْعيْن اثنيْن: نوْع تمجيديّ لا يعمل سوى على تكْرار ما قاله القدماء، أوْ على الأصَحّ كتابات معيّنة للقدماء. وهو تكرار ينطلقُ من رؤْية تقديسيّة للتاريخ، بلْ وتجْهَلُ حقيقة التاريخ الإسلامي، ومختلف سياقاته السّياسية والقَبَليّة والدّينية والجهوية. هذه الحلقات ستكون عرْضا موضوعيا لما دوّنته السير النبوية وكتب الأخبار الأولى، القريبة جدا من عصر الرسول، قبْل أنْ تظهر كتب التفسير والتأويلات الإضافية. ويورد ابن سعد في «الطبقات الكبرى»، تفصيلا آخر جاء فيه:»عن نفيسة بنت منبه قالت: كانت خديجة امرأة حازمة، جلدة، شريفة، فأرسلتني دسيسا إلى محمد بعد أن رجع في عيرها(قافلة تجارتها) من الشام، فقلت يا محمد ما يمنعك أن تتزوج؟ فقال ما بيدي ما أتزوج به فقلت فإن كفيتَ ذلك ودُعيتَ إلى الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: فمنْ هي؟ قلت خديجة قال» وكيف لي ذلك؟ فقلت عليّ فأنا أفعل فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه ائْت الساعة كذا وكذا وأرسلت إلى عمّها عمرو بن أسد ليزوّجها فتزوّجها محمد وهو ابن خمس وعشرين سنة أو أقلّ وهى بنت أربعين سنة أو أكثر نعم الزوج الابن أو الزوجة الأم». من هنا يتبيّن، ومهما كانت طبيعة الروايات واختلافها في بعض التفاصيل، أنّ المسألة في النهاية تتعلق زواج بيْن بشر، وأن هذا الزواج بقدْر ما كانت تحكمه تقاليد وعادات جاهلية، بقدر ما كانتْ تحكمه مشاعر ونزوات ومصالح، كما يتّضح من العلاقات الزوجية المتشابكة والمتداخلة والتي لا تُفهم خارج هذه العلاقات. قبْل زواجها من الرسول، كانتْ خديجة متزوّجة من زوجيْن هما: أبو هالة، الذي أنجبتْ معه ابنا، والثاني هو عتيق بن عابد الذي أنجبتْ معه ابنة. وبعد زواجها من الرسول، أنجبتْ خديجة أطفالا ماتوا في طفولتهم، ولكن البنات بقين على قيْد الحياة. ومنهنّ زينب، وهي أكبر بنات الرسول، تزوّجها أبو العاص بن الربيع، وهو ابن خالتها، هالة بنت خويلد بن أسد (...) قبل الإسلام. ورغم دخول زوجته خديجة وبناته في الدين الجديد زوج زينب بقي على دينه. حالةُ زينب، أكبر بنات الرسول مثيرة في هذا السياق. فخلافا لأختيْها، رقيّة وأم كلثوم، اللتيْن كانت متزوّجتيْن بابنيْ أبي لهب، وبعد صراع الرسول مع ابن عمّه، وزوجته، ونزول سورة «ثبّت يدا أبي لهب وامرأته»، تمّ تطليقهما من زوجيْهما، وتزويجهما للخليفة عثمان ابن عفان الذي قال له الرسول بعد وفاة رقيّة:»لو كانت عندنا ثالثة لزوّجناك» (انظر: أنساب الأشراف، المجلد الأول، ص. 341)، خلافا لهما، كانت زينب مثالا للعلاقة الزوجية القوية التي لمْ تُبال لا هي ولا زوجها بالاختلاف العقائدي، وظلت متشبّتة به وهو كذلك. يروي البلاذري في «الأنساب» تفصيل هذه العلاقة، وكيف فدتْ زينب زوجها أبي العاص بعد أسْره من طرف المسلمين:» فمشتْ إليه [أيْ إلى زوج زينب] وجوه قريش، فقالوا: ارددْ على محمّد ابنته، ونحن نزوّجك أية امرأة أحببتَ من قريش. فقال: لا ، ها الله، إذاً لا أفارق صاحبتي، فإنها خيرُ صاحبة. ولما سارت قريش إلى بدر، كان معهم. فأُسر في المعركة. فلما بعث أهل مكة في فداء أسرائهم، بعثتْ زينب في فداء أبي العاص بمال، وبعثتْ معه بقلادة لها كانتْ خديجة رضي الله تعالى عنها وهبتها لها حين أدخلتها على أبي العاص. فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفها، فرّق لها رقة شديدة وقال للمسلمين: «إن رأيتم أن تردّوا قلادة زينب ومالها عليها وتطلقوا أسرها، فافعلوا»، فقالوا: نعم، ونعمة عين يا رسول الله. فأطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اشترط عليه أن يبعث بزينب إليه». وبعد إسلامه «لمْ يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»، على حدّ تعبير الواقدي. ومن المفيد الإشارة إلى أنّ زينب خلّفتْ لأبي العاص وَلَدًا اسمه «عليّ» مات صغيرا، وبنْتا اسمها «أمامة» هي التي سيتزوّجها عليّ بن أبي طالب بعد وفاة زوجته فاطمة. أيْ أنّ عليّا، مثله مثل عمر بن الخطاب، تزوّج بحفيدة الرسول وابنة أخت زوجته فاطمة!! غدا: سوْدة بنت زمعة أو الزّوجة الظلّ