تعيش مصر أوقاتا عصيبة، ربما حاسمة بالنسبة لمستقبل الديمقراطية في أكبر الدول العربية. هناك في شوارع وساحات القاهرة وكبريات المدن المصرية أجواء توحي بالمواجهة وبوادر حرب أهلية. وبصورة عامة، هناك مصر العلمانية التي خرجت، أول أمس، للاحتجاج والتظاهر ضد مصر الاخوان المسلمين إلى درجة أن الجيش، الذي انتشر لحماية المباني الرسمية، هدد بالتدخل في مواجهة الدوامة التي تدفع البلاد إلى نزاع يصعب التحكم فيه. محمد مرسي القادم من جماعة الاخوان المسلمين هو أول رئيس مدني جاءت به صناديق الاقتراع يحتفل بالذكرى الأولى لانتخابه على رأس الدولة في جو حالك يقدم حصيلة كارثية: فشل سياسي أولا، حيث عجز مرسي عن اتخاذ المبادرات وإيجاد الايقاع وإظهار البراعة اللازمة لتجميع المصريين بعيدا عن التيار الذي يمثله. فأنصاره لم يتوقفوا عن ترديد أن المعارضة العلمانية رفضت مقترحات الانفتاح التي طرحها الرئيس، لكن الحقيقة هي أن الرئيس ظهر باستمرار مترددا وعاجزا عن اتخاد خط واضح، بل أظهر أنه لا يتوفر على الكفاءات المطلوبة في الرجل الذي يفترض أنه يقود البلد. فشل اقتصادي واجتماعي خاصة وأن عموم المصريين كانوا يتصورون أن تغيير النظام سيحسن جذريا أوضاعهم المعيشية، فعامة المصريين منشغلون أولا بحياتهم اليومية التي تزداد تدهورا، والوضعية الاقتصادية للبلد ليست سوى انعكاس الوضعية سياسية كارثية وتعبير واضح عن غياب تام لبرنامج اقتصادي وعن خبرة تدبيرية من جانب الاخوان المسلمين الذين لم يظهروا أنهم يتوفرون على أسرار وصفة تمزج بين المحافظة الدينية والحداثة الاقتصادية. وهكذا تحالفت أطياف متعددة وواسعة من المعارضة التي تضم جزءا مهما من التيار العلماني إلى جانب بعض الناقمين من اتباع النظام السابق تمكنت من استثمار إحباط وغضب شرائح واسعة من المصريين. ومن خلال عرائص موقعة من ملايين الناخبين يطالب المحتجون باستقالة مرسي وإجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها. هذه المعارضة المتعددة بدورها لايبدو أنها تتوفر على برنامج محدد، سواء تعلق الأمر بالمستقبل السياسي أو الاقتصادي للبلد وما يوحدها هو معارضة مرسي والخوف من أن يسير بالبلاد في طريق الأصولية والتطرف الاسلامي. الرئيس يعتبر أن الشارع يستهدف شرعيته، فتصلب في عناده وتحديه للمعارضة، وكان له أسوأ رد فعل: التحرير والاحتفاء بالجناح الأكثر تطرفا داخل حركته وأجج مناخ ومشاعر المواجهة ودفع بالجيش إلى التهديد بالتدخل، هذا الأخير الذي يعتبر الفاعل الثالث في المأساة الجارية حاليا في مصر مسؤول بشكل كبير عما يقع، فهو الذي أخذ زمام الأمور بعد رحيل حسني مبارك وطيلة مدة 18 شهرا كان تدبيره كارثيا ،أورث أول سلطة مدنية بلدا منهارا. في أحسن السيناريوهات على الجانبيين المتشبتين والمثقفين على رفض ما كان عليه النظام السابق عليهما أن يتحاورا وأن ينهلا من مياه النيل الحكمة المطلوبة في من يزعم حكم هذا البلد العريق. افتتاحية لوموند