-1 يمكن أن يتحوّل الموتُ إلى وردةٍ تتحوّل إلى صاعقة. يمكن أن يكون 30 يونيو، قاهرةً جديدة، نظراً وعملاً، رؤيةً وتأسيساً. نعم، لا حدودَ للطاقة العربيّة، إذا كانت حرّةً، وإذا فكّرت بحريّة، وعملت بحريّة، في رفضٍ كاملٍ لجميع أشكال العنف. فلم يدمّر هذه الطّاقةَ ويشوّهها في تاريخها كلِّه إلاّ العنف: هذا الذي زُرِع فيها من خارج، باسم السياسة والتمَذْهُب، وذلك الذي دُفِعَت إلى ممارسته، من داخل، باسم السياسة والتمذهب أيضاً. وهو عنفٌ تحوّل إلى سوسٍ نخرَ وينخرُ الممارسةَ السياسيّة والدينيّة، ونخرَ وينخرُ الإنسانَ نفسَه. هكذا لم يحقّق العنفُ في الحياة العربيّة إلاّ التآكلَ الذاتيّ، وإلاّ الاقتتال والتّدميرَ، وإلاّ الانهيارَ الاجتماعيّ والانحطاطَ الثقافيّ، وإلاّ العبوديّة والتّبعيّة. -2 ألا يكفي أن يُفرَض على العربيّ أن يحفظ السُّجون عن ظَهْر قلبٍ منذ طفولته؟ -3 لا طوباويّة، بل الحاضر في جحيم أهوائهِ وانفجاراته. لا طوباويّة، بل الحريّة الحرّة، فيما وراء الأنظمة والمعارضات، خصوصاً عندما تكون من طينةٍ واحدة، وتنحدر من عُنْفٍ تاريخيٍّ، واحد، وهويّات ثقافيّة واحدة، مُغلَقَةٍ، وتحتقر حقوقَ الإنسان وحرّيّاته، وحقوق الاختلاف، والتنوّع والتعدّد. لا طوباويّة، بل إعادة تأسيسٍ للحياة العربيّة في عَقْدٍ اجتماعيّ جديد، عَلْمانيّ، لكي يمكن أن ينهضَ هذا العَقْد على المواطنيّة التي تتخطّى مفهومات التعايش والتسامُح، إلى المساواة الكاملة والتامّة، بين أفراد المجتمع، نساءً ورجالاً، في معزلٍ عن الدّين والعِرق. للغد العربيّ، انطلاقاً من القاهرة، أسماء كثيرةٌ مُحْتَمَلَة. هل سيؤكّد لنا 30 يونيو أنّ » قُريش« لن يكون الاسم الأكثر احتمالاً؟ وليس الغد لكي ننتظره، وإنّما لكي نبتكره، يقول ستيف جوبز الأمريكيّ، العربيّ الأب، من سورية (حمص)، وأحد خلاّقي الثقافة الكونيّة الحديثة. -5 كبشُ الفداء يثغو. وثمّة راياتٌ «ترفرف» تحت الأقدام، وتصِرُّ مع ذلك، بعنفٍ، على أنّها راياتٌ عالية. 6 نعم يُنتِج العنف. غير أنّه لا يُنتج غيرَ الخرابِ وغيرَ الأشلاء. 7 منذ دخول نابليون إلى مصر، يحاول العرب أن يكونوا » دولاً » في إطار الحداثة الغربيّة وأنظمتها الديمقراطيّة، وأن يخرجوا من مفهومات » الغزو« و»الذمّيّة« والقبليّة«. ولا شكّ في أنّهم حقّقوا بعض المُنجَزات في القطيعة مع هذه المفهومات. غير أنّ التجربة الرّاهنة تؤكّد أنّ هذه المنجَزات كانت شكليّة سطحيّة، وأنها لم تلامس البنى العميقة التي تأسّست عليها تلك المفهومات. وما يحدث الآن دليلٌ ساطعٌ على فشلها الكامل. إنها ثقافة الغزو والذمّيّة التي تتزيّا الآن بعبارات أصبحت مبتذلة وفارغة من المعنى، كمثل »التعايش« و »التسامح« وما أشبه وليس هذا في الواقع إلا تغطيةً وتمويهاً. فمفهوم الأكثريّة والأقلّيّة، هو المُهَيمن، اليوم. والمذهبيّة، والطائفية، والعرقيّة، ثالوثٌ يدير هذه المنطقة، ويعيد مَركَزتها على عناصر التكوينات القبَليّة والعشائرية. وقد ساعد العربَ في العودة إلى ثقافة الغزو، نشوءُ دولة إسرائيل. ولا أبالغ أو أقدّم جديداً، إن قلت، إنّ الحبر الذي يُكتَب به الآن تاريخ المنطقة العربيّة (عفواً، الإسلاميّة) إنما هو »كيمياء« إسرائيلية غربيّة. ما العملُ إذاً؟ الجواب البسيط، المباشر هو أنّه يستحيل حلّ مشكلةٍ بما أصبح هو نفسُه مشكلة. والكارثة هي في الإصرار على هذا الحلّ بحيث لا يكون إلاّ فصلاً من الفصول التي تبتكرها »كيمياء« ذلك الحِبْر. -8 Accident / Occident : ما أبسط الفرق في الشكل، وما أعقده في المضمون. غرب / عرب: ماذا تفعلين أيتها النّقطة البليدة فوق حرف العين؟ -9 بين الواقع واللاواقع فرقٌ ليس إلاّ حالة إغماءٍ في الحروف. 10 زمنٌ غربيٌّ عربيٌّ، كمثل غرابٍ يحاول أن يطيرَ بجناحَي نَوْرَس. -11 للقمرِ في بعض أيّامه شكلُ المِنْجَل. نبّهَنا إلى ذلك الشاعرُ ابنُ المُعتَزّ، واصفاً إيّاه بأنّه من الفضّة. هذه هي المرّةُ الأولى، التي أرى فيها كيف يسقط هذا المنجلُ شارداً في حقول العرَب. -12 »كلامٌ يتكلّمُ داخلَ الكلام«: عبارةٌ قديمة لآيّوس لوكوتوس، (Aius Locutus) رواها بلوتارك. وقد روى بلوتارك أيضاً أنّ الأمبراطور الروماني كاميلّوس (Marcus Furius Camillus )، أُعجبَ بها كثيراً، وأمر بإقامة هيكلٍ خاصٍّ تمجيداً لهذه العبارة وتخليداً لها. الكلام الذي »يقود« العرب، اليوم، لا يتكلّم، حقّاً، لا داخل الكلام ولا خارجَه. الذين يهيّئون 30 يونيو في القاهرة، يعرفون كيف يجعلون من هذا اليوم الكلامَ العاليَ الذي يتكلّم داخل الكلام، وخارجَه. التحيّة لهم، ولهذا اليوم. -13 الصاعقة؟ نعم. لكن تلزمك حكمة الأفق لكي تُديرَ دفّة الصّاعقة. وقد لا يكون هذا كافياً لكي يسقط قابيلُ عن عرشه. هل تسمع الآنَ الكلامَ الذي يتردّد في أروقة السماء؟ -14 أن يكون التاريخُ بيتَ العبثِ شيءٌ، وأن يكون العبثُ بيتَ التاريخ شيءٌ آخر: إلى أيّ جهةٍ يميل الوجه العربيّ؟ -15 يحتاجُ الوجهُ العربيّ إلى أكثر من مرآة: يحتاج لكلّ عينٍ مرآة، ولكلّ شفةٍ مرآة. كيف أصلُ إليكَ، أو كيف أراك، أيّها الوجه الذي يختزن وجوهاً لا تحصى؟ -16 العصرُ ورقةٌ تتطاير في ريحٍ تعصف وتقتلِع. إلى أين تذهبين، أيتها الورقة؟ -17 في الجذر قلقٌ وفي الغُصن. اليدُ تضرب العين، الوجهُ يأكلُ الوجه، والخرابُ يسوس الأرض. ماذا تقول الأبواب المغلقة، وأين المفاتيح؟ الأجوبةُ مُرجَأةٌ، وليس في الحناجر غير الغَصص. 18 إنّها الحياةُ تئنّ في فراش التكوين.