منذ توليها تدبير الشأن العام ببلادنا بناء على نتائج انتخابات سابقة لأوانها ليوم 25 نونبر 2011, والتي يعود الفضل في حدوثها إلى حركة 20 فبراير والأطراف الداعمة والمساندة لها، أمطرتنا الحكومة القائمة وبإغفالها بقصد أو بغيره برزمانة من شعارات هذه الحركة المجيدة وكأن بعض مكونات هذه الحكومة تصر على الإبقاء على حماس أجواء «الربيع المغربي» الذي لم تعشه. فالشعارات التي رددتها ولا تزال الحركة الفبرايرية ومعها مكونات الصف الديمقراطي والتقدمي لا نجد لها أثرا لا في البرامج الانتخابية لجل الأحزاب المشكلة لها، فبالأحرى بالبرنامج الحكومي الذي نالت على إثره مصادقة البرلمان للقيام بأدوارها السياسية والدستورية. رب قائل، أن الحكومة وفي مقدمتها الحزب الذي يتولى رئاستها، استفاق متأخرا على واقع استحالة ترجمة الوعود التي قدمها في برنامجه الانتخابي الذي يعد تعاقدا أخلاقيا والتزاما سياسيا مع ناخباته وناخبيه، بل مع عموم الشعب المغربي، حيث يبدو « والله أعلم» أنه بدأ يفقد صبره بعد مرور أزيد من ثلث الولاية دون أن يلمس شيئا على أرض الواقع وبدأ يتسلل إليه الشك في النوايا الحسنة للحزب، رغم التعاطف الذي يبديه البعض معهم باعتبار أنه منح أصواته لهذا الحزب، فقط على سبيل تجريبه والوقوف على مدى صدقية وعوده وكشف مدى مصداقية خطابه. اليوم، وبعد أن تبخرت العديد من أحلام المكون الرئيسي الأول للحكومة في تكريس برنامجه بنظرة فردية وأحادية حسب تصريحات المكون الرئيسي الثاني بالحكومة، نجده أنه انتقل بدل العمل بمضامين البرنامج الحكومي المتعاقد بشأنه مع الشعب المغربي وبعد أن وضع جانبا الوثيقة الدستورية، إلى المبالغة في ترديد شعار حملته الانتخابية حد الملل، وكأني بالمغرب لا مجال فيه لأي نقطة ضوء في تاريخ نخبة رجال ونساء السياسة ببلادنا منذ جيل المقاومة والتحرير مع الحركة الوطنية ومن جايلهم من المناضلات والمناضلين الذي أفدوا هذا الوطن بالاعتقال والتعذيب والدماء والروح والشهادة، والذي يعود إليهم الفضل كل الفضل في هذا المناخ الذي يعيش المغرب في ظله الآن، وهم السباقون ليس إلى رفع الشعار ولكن إلى المواجهة الميدانية, متحدين في ذلك جميع الصعاب والعراقيل، ومن دون التحجج بأي مبرر، لكل أشكال القمع والتسلط والفساد والاستبداد, في الوقت الذي لم يكن يقوى فيه أحد حتى على التفوه بمثل هذا الخطاب الذي أصبح حاليا، ولله الحمد، متاحا وللجميع. وهكذا، أصبحت الحكومة «المنسجمة» التي دشنت ولايتها بالزيادة في أثمان المحروقات التي أدت بالنتيجة إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية في استهلاك الأسر الضعيفة والمحدودة الدخل وما استتبعها من زيادات في تسعيرة النقل بكل أنواعه، وهاجمت الشغيلة المغربية من خلال توقيف التزاماتها لأبريل 2011 مع المركزيات النقابية، والشروع خارج الضابط القانوني في الاقتطاع من أجور المضربات والمضربين، والامتناع عن توظيف حملة الشهادات العليا المعطلين أصحاب محضر 20 يوليوز 2011، والزيادة في الضريبة على الدخل لبعض أصناف الموظفين المحسوبين على الطبقة المتوسطة، وما إلى ذلك من الإجراءات التي تتنافى والمرة مع أحكام الدستور الجديد المعطل، إلا في الشق الذي يقوي موقع أحزاب الإتلاف في الاستحواذ على مناصب المسؤولية بدواعي الشفافية والنزاهة التي تنسحب فحسب على المحسوبين على هذا الأحزاب، وفي طليعتهم حزب رئاسة الحكومة، الذي صمت، بل جمد وعوده الانتخابية، تعلق الأمر بالزيادة في نسبة النمو أو الزيادة في الحد الأدنى للأجر والمعاش وما إلى ذلك من كذا إجراءات، وصار وسبحان الله يستعير شعارات لا عهد له بها لا في أدبياته ولا في إيديولوجيته ولا حتى في برنامجه، وهو ما تم ترجمة خلافه في إحدى هذه الشعارات من خلال تركيبة الحكومة نفسها. لنترك جانبا كل هذه الأمور، ولنركز أساسا على شعار يعتبره المغاربة مطلبا كان من الواجب أن يكتسي أولوية خاصة لدى الحكومة وهو المتمثل في: « المساواة، وليس شيئا آخرا غير المساواة «، كعنوان لهذه المقالة التي نتساءل فيها مع العديدين، أين نحن، إذن، من أجرأة وتفعيل هذا المبدأ ذي الأبعاد الكونية والذي يجد سنده في التشريعات السماوية قبل القوانين الوضعية التي تستقي منها مصادرها؟ فالمساواة كقيمة كونية تعتبر، في تقديرنا، كإحدى ركائز قيام دولة المواطنة والمؤسسات المرتكزة أساسا على الحقوق والحريات، والضامنة لدمقرطة الدولة والمجتمع وتحقيق العدالة في شتى أوجهها، وهي بذلك الرافعة الأساس للتطور والتنمية. من هذا المنطلق، يحق لنا التساؤل، بل التوقف، عما أنجزته الحكومة الحالية في هذا الباب خلال فترة توليها تدبير الشأن العام حتى ولو على سبيل الاستشراف. إن الحديث على احترام مبدأ المساواة يجرنا حتما إلى الانطلاق مع إقلاع مسار الحكومة في أول ظهور لها على مستوى التشكيلة التي أكدت من خلالها ومنذ اللحظة الأولى رغبتها في ضرب هذا المبدأ من وراء التراجع البين في تمثيلية المرأة مقارنة مع الحكومات السابقة التي كنا نتطلع معها إلى أفق تحقيق المساواة على هذا المستوى. هذه واحدة، أما الثانية، فيمكن أن نستقيها من التمييز الواضح بأسلاك الوظيفة العمومية، أولا على مستوى التوظيف، حيث أن العديد من الفئات والهيئات مستثناة من مباراة التوظيف بدعوى أنها تلج المعاهد والمدارس بناء على المباراة، وبالتالي فإنها معفية منها وتوظف بطريقة مباشرة. وللتأكيد إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد، أن التسجيل بأي شعبة من شعب الماستر بالجامعات والكليات يخضع لاختبارات انتقائية كتابية وشفوية، ومع ذلك فإن الخريجين تفرض عليهم المشاركة في المباراة إن هم أرادوا ولوج أسلاك الوظيفة العمومية، على خلاف أصناف أخرى. وهنا لا بد من ذكر ملف توظيف المعطلين الذي يجد شرعيته في مرسوم 20 يوليوز 2011 الذي قال فيه القضاء كلمته، لكن رئاسة الحكومة تصر على مواصلة شد الحبل مع هذه الفئة من أبناء الشعب. وفي نفس السياق، فإن التمييز حاصل أيضا على مستوى ولوج مناصب المسؤولية بالرغم من الاستعجال الذي اعتمدته الحكومة في إخراج نص تنظيمي شارد يحدد مسطرة التعيين في هذه المناصب، حيث يبدو ظاهريا أنه يهدف إلى تحقيق النزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص، إلا أن الأمر غير ذلك بدليل أنه متروك لكل قطاع وزاري في تحديد مواصفات المرشح لشغل المنصب المقصود، وهو ما يفتح الباب مشرعا أمام المسؤولين الحكوميين لإلباس المنصب لبوس المرشح المرغوب فيه. وأخيرا، وليس آخرا يمكن أن نتوقف على ضرب مبدأ المساواة في ظل الحكومة الحالية، على الأقل من خلال إصرارها على مواصلة رفضها تنفيذ التزامات أبريل 2011 مع النقابات، وهو ما يؤكد إرادتها في تكريس التمييز بين الموارد البشرية بالوظيفة العمومية، ويتجلى ذلك اليوم، بوضوح تام في التمييز الحاصل بين أطر الدولة من نفس التكوين والمهام على مستوى شروط الترقي من جهة، وعلى مستوى التعويضات التي تهم هيئة المتصرفين على الخصوص، والتي أصبحت بفعل إصدار نظامها الأساسي سنة 2010 تشمل أكثر من 20 فئة في إطار تجميع الأنظمة الأساسية التي تكفلت بها وزارة الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، من جهة أخرى. أما على المستوى العام، يمكن القول إجمالا وبموضوعية ودون نية الإساءة لأي جهة، أن مبدأ المساواة لا نعثر له عن أثر في مختلف السياسات العمومية للحكومة الحالية، تعلق الأمر بولوج الخدمات الاجتماعية بكل أنواعها، أو تعلق الأمر بتدبير الموارد البشرية بالوظائف العمومية، أو تعلق الأمر بالتوزيع المجالي للمؤسسات التعليمية والصحية وغيرها، أو تعلق الأمر بالمساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات كلما تعلق الأمر بتقلد المهام والوظائف العمومية، بناء بالطبع على شروط الاستحقاق والكفاءة. إن المساواة داخل الأنظمة الديمقراطية قد يعتبر حجر الزاوية في نجاعة السياسات العمومية لبناء المؤسسات المجتمعية وضمان شرعيتها ومصداقيتها وكسب ثقة المواطنين فيها. ومبدأ المساواة، في تقديرنا المتواضع، إن هو صلح صلحت السياسة كلها، مثله مثل الصلاة في أركان الإسلام إن هي صلحت صلح الدين كله، مع الفارق في المقارنة. فهل هذا الأمر هو الآخر محكوم بمقاومة التماسيح والعفاريت ؟، أم أن الخوض في مثل هذا الموضوع قد يعتبر تشويشا على حكومتنا الموقرة ؟.