الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وأحبابه إلى يوم الدّين وبعد : لقد شهد تاريخ الإنسانية منذ فجره في عهد الإنسان الأول ( النبي الأول آدم عليه السلام ) وأسرته الأولى حوّاء وأبنائه وبناته .......ومنهم قابيل قاتل أخيه هابيل وهي أول جريمة قتل ظالمة في تاريخ البشرية والتي أدانها القرآن الكريم بقوله تعالى :- « من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جمعياً « _ المائدة (32) . وهذا ما كتبه الله على بني إسرائيل والبشرية جمعاء لتحريم وتجريم الاعتداء على النفس البشرية والجور عليها أو تعذيبها أو إزهاقها . أقول :- منذ ذلك وعبر مسيرة الإنسان التاريخية والله تعالى يرسل الأنبياء والمرسلين والمصلحين من أجل مجتمع طاهر نقي آمن مطمئن تسوده العدالة ويسوده الاستقرار وتجلّى ذلك في تعاليم وقوانين الرسالة الخاتمة الإسلام وما جاء فيها من تفاصيل في رعاية نظام الحياة من المجتمع على أسس الحرية المتوازنة التي تحفظ حقوق الناس وواجباتهم جميعاً بما يكفل المقاصد الرئيسة الخمس في هذه الحياة وهي : حفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال وحفظ الدّين . من هنا بإمكاننا القول : إن عقوبة الإعدام من المنظور الإسلامي تقف في ظلّ هذه المحاور : إنّ الإسلام دائماً يسعى لدرء جميع أنواع العقوبات التي هي أدنى بكثير من عقوبة القتل ما استطاع ،وذلك من خلال الشروط المشددّة التي تمنع أي عقوبة مهما كانت إلاّ بالحق والعدل ، تحقيقاً للعدالة الإلهِّية النسبية في الدنيا والمطلقة في الآخرة ، ولأنها نسبية في الدنيا فإن الله سبحانه وتعالى قد أكّد على درء الحدود بالشبهات ، وهذا ما قال به الرسول عليه الصلاة والسلام ( إدرؤوا الحدود بالشبهات ) ، والشبهة تعني أنّ أي جناية ينزل مستوى التأكد منها عن المئة بالمئة إذا جاز التعبير ، فيجب أن يسعى لدرئها ، هذا هو المقصود الشرعي الذي للأسف قد لا يُفهم أحياناً في مثل هذه المسائل وأحكامها. إذاً الشبهة معناها إنشاء خلل في التأكد قضاءً تفصيلياً من المسألة ، فإذا دخلت الشبهة توجّب إيقاف العقوبة المحددة تجاه هذا الحدّ أو هذه الجناية والنزول إلى عقوبات أدنى وهذه يقدّرها القضاء الإسلامي العادل عادةً. إنّ من الضوابط الشرعيّة القطعية أن الله سبحانه وتعالى تكلّم عن المقاصد الشرعية في خمسة مقاصد ، فنراه يذكر بعد حفظ الدّين الذي هو أنزله ، قال حفظ النفس مباشرة ، أي الحيلولة دائماً دون الوصول إلى إزهاق روح هذا الإنسان ، والبحث الجاد للحدّ من وقوع عقوبة الإعدام ، هذه الأسس لو دخلنا إلى تفاصيل فيها عديدةً لأثمرت كثيراً وأزهرت قوانين ضابطة وشروط مانعة لعقوبة الإعدام أو حادّة و مقللة منها. يقودني هذا إلى العقوبات التي وردت في الشريعة الإسلامية وفيها إقرار بعقوبة الإعدام وكيف ضبطت هذه العقوبة . أولها: القاتل العمد وهو متفقٌ عليه عند الأئمة وفيها وردت نصوص قرآنية وأحاديث صحيحة شريفة وتطبيق في المجتمع الإسلامي ، أن قاتل العمد يقتل. لقد كلّفنا الله سبحانه أن نحقق العدالة ما استطعنا في الدنيا ، وأن نتجنّب دائماً ونكون بعيدين عن أي شبهة توقع ظلماً متوقّعاً أو محتملاً ، وأن على القائمين على القضاء أن يبتعدوا تماماً عن أي شبهة فيها ظلم . إذاً هذا القاتل العمد ، هو من قتل بلا سبب ، و إنما شهوة في قتل .نحن نتكلّم عن شرع من عند الله نظّمه لنا في الدنيا وحققه مطلق عدالة في الآخرة لذلك وفي حال حصل وكان هناك قتل عمد تأكّد بقضاءٍ عادل فقد أعطى الله للأهل فرصةً أن يعفوا ويصفحوا عن هذا القاتل ، لا بل أن القرآن الكريم اعتبر أن الصفح والعفو هو الأصل في حياة المسلم في مجتمعه . وأن هذا القتل لهذا القاتل وإن كان يستحقه ، فإنه لا يحقق العدالة المرجوة التي أرادها الله ، بما أنه فتح باب الإصلاح بالعفو لذلك إذا وقف واحد من الأهل واعترض على إعدام القاتل فلا يعدم . أرجوا أن ندرك هذه الدّقة في التسلسل الحكمي وشتّان ما بينه وبين العدالة في القوانين الوضعيّة . إن البعد المتعلّق في الأهل هو بعد رائع ، ومعلوم لدينا أن الإصلاح بين أهل القاتل والمقتول في عرفنا الإسلامي ومجتمعنا العربي الإسلامي ومنذ عهد النبوة موجود ، فالناس يتدخّلون من أجل الإصلاح ويكرم بعضهم لبعض لا من باب إضاعة الحق وإنما من باب إكرامهم وإعزازهم والاعتراف بين أيديهم وطلب العفو والصفح منهم بكل تواضع وتذلل اعترافاً بالذنب ، شريطة أن لا يمارس عليهم أي ضغط ،تحقيقاً للعدالة ، إنما أن يتم استعطافهم فهذا لا بأس به وهذا ما أراده الله سبحانه وسنّه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم و إلا كيف يتم الإصلاح . لابد من تحقيق العدالة ، وأن لا يكون هناك ضغط اجتماعي أو سياسي أو أمني ، وحتى العادات والتقاليد لا يجوز أن تكون ضاغطة، و إنما من باب الإصلاح الحر. أما إذا أخذت في سياق الضغط ، فحتى الحياء سمّاه الإسلام سيفاً ، لأنه قاطع أي يقطع ويبتر الحق ويضيعه وهذا قد حرّمه الله . إذاً هذه عقوبة القتل للقاتل ولو قنّنت في قوانيننا الوضعيّة كما أرادها الشارع الحكيم ، لكان تطبيقها نادراً بكلّ الشروط و الإثباتات ومنهج الصلح . الناحية الثانية قتل الزاني المحصن بالرّجم هذا ورد في الإجماع والأحاديث الصحيحة وفعل النبي صلى الله عليه وسلّم وفعل الصحابة والله سبحانه وتعالى ضبط هذه المسألة بأشد الضوابط الأخلاقيّة المحققة للعدالة . أولاً: الزنا لا يسمّى زنا إلاّ بالولوج ولا حرج في الشرع أي الجماع المعروف فطرة وغيره لا يسمى زنى ولا يدخل في هذه العقوبة وله عقوبات تعزيزيه حتى لو وُجدا في وضع يفيد تأكيد شبهة الزنا في اعتبار العقل وتصوّره لا يعد زنى بدون الولوج وله عقوبة تعزيريّة تركها الإسلام للقضاة في كل زمان ومكان تبعاً لأحوال المجتمع وهذه قضية مهمة. ثانياً: الشارع الحكيم اهتم بطبيعة المجتمع واهتم بواقع المجتمع قبل أن يهتم بالعقوبات وهنا نتساءل كيف يتم التحقق من الولوج ؟ والجواب أن الله فرض وجود الشهود الأربعة العدول ، هذا باب مهم وله شروطه وضوابطه في الشريعة ، ليس من باب التعقيد بل من باب العدل ، ووجب أن يكون قضاءً خلافاً للقانون الذي نتعامل به . والشريعة أوجبت على القاضي التحقق من ملف الشاهد تحققاً كاملاً ، وأي شبهة فِسق تقع على الشاهد تسقط عدالته بالشهادة ، وهذا يعني أي شبهة مخلة بعدالته ضمن الضوابط الشرعية وليس ضوابط المواطنة وحتى نفرق مع احترامنا لضوابط القانون وضوابط المواطنة نحن نتكلم في البعد الشرعي وليس القانوني المجرد. وبخصوص الشهود , إذا أفاد واحد من الشهود الأربعة بشهادة مضطربة وقع على الأربعة عقوبة القذف فإذا ما كان الأربعة عدولاً وإذا ما اتفق الأربعة على عملية المشاهدة والتيقن من جريمة الزنا بالولوج المحقق لأن أي وصف آخر مردود ويجلد الشاهد بذلك مئة جلدة . ذلك لأن الإسلام يريد أن يضع الأمور في نصابها ,لتحقيق العدالة كما ذكرنا. العقوبة الثالثة والتي تنص الشريعة فيها على الإعدام هي الحرابة , وتعريفها هو قطع الطريق من أجل السلب والنهب والاعتداء على حقوق الآخرين وقد تصل إلى جريمة القتل , وهذه غير السرقة التي فيها قطع اليد , هنا نتكلم عن القتل , فقطع الطريق معناه هنا انتفاء الأمن وأمن الحياة وحركة الحياة. إذاً الحرابة هي سلب ونهب و اعتداء على المدنيين والآمنيين وغير المحاربين وترويعهم وقتلهم , وهذا في الشريعة الإسلامية عقوبته القتل , و ذلك بأنْ تقطع اليد اليمنى ثم الرجل اليسرى , ثم تقطع اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى أي مصلوباً حتى الموت . لذلك شدد الإسلام العقوبة لما يترتب على هذا من ضياع أمن واستقرار وخوف وترويع ورهبة تمنع الناس أن يتحرّكوا في سبيل حياتهم وأعمالهم ، ولكن أيضاً وضع ضوابط لها ، فإذا تحققت فله عقوبة القتل لأنه فساد في الأرض . وهي عقوبة تردع كل من تسول له نفسه إزهاق أرواح الناس والاعتداء على أموالهم وممتلكاتهم ولأن هذا النوع من أنواع الإرهاب الذي حرّمه الله مطلقاً وشددّ عقوبته الرّادعة فيه. وأما البعد الآخر الأهم في تطبيق هذه الأحكام التي ذكرناها أن الشارع الكريم قد أوجب بعد كل هذه الشروط أن لا تطبّق إلاّ في مجتمع إسلامي ناضج تعارف وتآلف على المنهج الإسلامي وضوابطه وأخلاقه وقوانينه وهذه قضية أساسية. إذاً المجتمع الإسلامي الذي لم ينضج ، ولم ترقى فيه أسباب الصلاح الغالبة لا تطبق فيه هذه الأحكام الإلهية العادلة. أعود فأُلخّص وأقول إن ما نصّ عليه القرآن الحكيم وما جاء في إجماع الفقهاء من أحكام عقوبة الإعدام في الدّين متوازنة جداً وفيها إعجاز كبير وعدالة دقيقة ، فهي من ناحية تأمر بها ومن ناحية تحيطها بالضوابط والشروط ، فالقصد إذاً ليس فقط الردع بل أيضاً تحقيق العدالة بكل الأبعاد النفسي الاجتماعي والأخلاقي والتربوي ، فهناك مجموعة من العوامل التي تتفاعل في النفس ، نعم القاتل يقتل ،لكن حينما نبحث في الشروط والتفاصيل سنجد الإسلام أرحم بكثير من كل قوانين الأرض مهما حاول الإنسان أن يتهرّب من العقوبة سيكون تهرّبه باباً من أبواب الظلم ، في حين الشروط والضوابط لتحقيق عقوبة الإعدام هي في منتهى العدالة الإسلامية لا بل والعدالة الإنسانية جمعاء بلا منازع . إذاً في الوقت الذي جعل الله سبحانه فيه الحق قائماً بعقوبة الإعدام ، قد جعل الوصول إلى تحقيقه دقيقاً ليحرّك في النفس البشرية نوازع بالإضافة إلى الردع ، نوازع أخلاق تحقيق العدالة النسبية ، وكذلك أعطى ولي أمر المسلمين أي الحاكم والقانون في عُرفنا أن يتصرّف بما يناسب مع واقع وأحوال المجتمع من أجل ذلك . لقد تكلّمنا عن عدم نضوج المجتمع الإسلامي إسلامياً ، وأنّ الحدّ من عقوبة الموت والإعدام فيه هو تحقيق للعدالة كما أرادها الله سبحانه وتعالى . إذاً نحن ضد كل عقوبات الإعدام التي نصّت عليها معظم القوانين في الدول العربية والإسلامية والغربية والشرقية ظُلماً وتألّياً على الله وتجاوزاً لأحكامه وتشريعاته العادلة ، نعم : لأنها لا تحقق العدالة الإلهية التي تسعى لحفظ النفس بكل الوسائل الممكنة ، كذلك لأن محاكمات الإعدام نادراً ما تكون عادلة ، وعندما تصبح العدالة نادرة يجب التوقّف عن الحكم بالإعدام فوراً حتى لا يقع الظلم والعدوان على أرواح الناس الأبرياء بغير الحق الذي أراده الله لهم وشرّعه فيهم. ونحن نعلم أنه في بعض الدول الأوروبية والدول المتقدّمة قد بلغت الجنايات التي يعاقب فيها بالإعدام بالعشرات وفي بعض الدول بالمئات ، أما الشريعة الإسلامية فقد تحدّثت عن ثلاث جرائم وطوّقتها بالشروط والضوابط المعتبرة العادلة . ومن هنا أتمنى على هذه الندوة وعلى هذه الأصوات الباحثة وأنا أتكلّم من منظور إسلامي فقط وليس من منظور قانوني عام ، أن عقوبة الإعدام لا يمكن أن تلغى من الكتاب الكريم ولا من السنّة المطّهرة ، ولكن يجب الحد من تطبيقها إلى إشعار آخر يصلح فيه إنزالها حينما تنضج هذه المجتمعات وأتكلّم عن المجتمعات العربية والإسلامية بخاصة وعن المجتمع الإنساني بعامه لأن القانون الإسلامي إنساني شامل . ونحن نعلم كيف أنّ معظم أنظمة الحكم في هذا العالم قد أهملت شعوبها والاهتمام بمصالح وحقوق هذه الشعوب في جوانب حياتهم المختلفة ، ففقدوا معنى الحياة الصالحة الكريمة التي تقوم على المساواة والعدل والقدرة على العيش ، ولمّا وبسبب ذلك غالباً وقعت وتقع الكثير من الجرائم والجنايات واختلّ توازن الأمن والاستقرار المتعلّق بهذه الأنظمة أكثر منه بحق النّاس ،راحوا يكيلون ويصدرون أحكام الإعدام وسواها بحقّهم أكان بقوانين صريحة ظالمة أو بمحاكمات أكثر ظلماً . وكان الأحق والأولى هو محاكمة هذه الأنظمة المسبّبة لمعظم ما يحدث في هذه البلدان إنني أعتقد بأن العالم قد أصبح بحاجة ماسّة لتغييرات كثيرة وإصلاحات واسعة في أنظمة الحكم الظالمة وغير الديمقراطية وقوانينها التي هي على شاكلة هذه الأنظمة وفي مقدّمتها ومن أخطرها عقوبات الإعدام . ولعل الكثير من الدّول اليوم تتذرّع بالإرهاب (أي الترويع ) وبأنه لا يمكن أن يردع إلاّ بعقوبات الإعدام..... نعم إنّ جريمة الإرهاب ( الترويع ) من أبشع الجرائم التي عُرفت تاريخياً ولا تزال ولكنّه وللأسف قد خاض الخائضون تحت عنوان مكافحة الإرهاب وعلى مستوى عالمي لتصبح مدخلاً لمصالح الدكتاتوريين من الحكّام وما أكثرهم لسحق معارضيهم باسم مكافحة الإرهاب ( الترويع ) وبمحاكمات ظالمة مزيّفة للحق والعدل . ولقد شهد العالم في الآونة والعقود الأخيرة احتلالاً واجتياحاً لبلدان بشعوبها ومُقَدّراتها وعيشها وأمنها وحياتها وتعليمها وصحّتها وحرّيتها واستقلالها باسم مكافحة الإرهاب ( الترويع ) والحقيقة إنما هي لون جديد من الاستعمار (الإستخراب) وشكل من أشكال العولمة المهيمنة على الشعوب ومُقدّراتها وليست العولمة بمفهوم التعاون الإيجابي الإنساني بين الشعوب والبلدان في ظلّ مصالح مشتركة تحفظ للجميع حرّيتهم واستقلالهم وسيادتهم وممتلكاتهم ومعتقداتهم وكرامتهم ومساواتهم في هذه الحياة . وما كان الإسلام إلاّ من أجل هذا الإنسان حتى يظلّ عزيزاً مكرّماً مصاناً حُرّاً كريماً.... فقد أحسن خَلقه وخُلقه وكرّمه وفضّله على العالمين وأراد له أن يكون دوماً جسر خير ورحمة ومحبّة وتسامح وتعايش ووئام للنّاس جميعاً . ولعلّي أرى على ضوء ذلك ومن أجل تحقيق غايات ومقاصد الشرع الحكيم الذي ما شرعه الله تعالى إلاّ من أجل حفظ وسلامة أمن وحياة هذا الإنسان وهذا الدّين الذي أراده الله تعالى وجاء ( رحمةً للعالمين ) فكيف ستتحقق هذه الرحمة للمسلمين وغير المسلمين إذا كانت أرواح النّاس وهي أغلى وأعزّ وأقدس ما لهذا الإنسان بعد إيمانه سوف تتعرّض لأبشع ظلم وعدوان بعقوباتِ الإعدام وما أكثرها وما أظلمها في أيامنا هذه .... نعم لذلك أقول وأؤكد على وجوب الحدّ من عقوبة الإعدام في ظلال هذا الواقع العربي والإسلامي والعالمي المحزن الأليم الذي قَلّت فيه العدالة وفاض فيه الظلم والفساد والعدوان . ولعلّ مجموعة القواعد الشرعيّة ترجّح ما أميل إليه مثل: (الضررُ يُزال ) ، ومثل : ( درأ المفاسد أولى من جلب المنافع ) ، ومثل : (إذا اجتمع ضرران وجب ارتكاب الأخف ) . لابدّ إذن من الحدّ من عقوبة الإعدام للأسباب التالية وغيرها :- 1) هيمنة الأنظمة الحاكمة على السلطة القضائيّة وتوجيهها والضّغط عليها تِبعاً لِهواها ومصالحها وليس مصلحة الوطن والإنسان . 2) تشريع الكثير من قوانين عقوبات الإعدام لجرائم سياسية وأمنية تتعلّق بمصلحة أنظمة الحكم فقط في ظلّ أحكامها الظالمة غير العادلة وغير الديمقراطيّة . 3 ) إنشاء مُحاكمات خاصّة أو عسكريّة أو استثنائيّة لا تخضع لا للقانون ولا للرّقابة ولا لحق الدّفاع عن المتهمين . 4 ) عدم العدالة التفصيليّة في مجريات وسَيْر المحاكمات وإجراءاتها ووثائقها وشهود الإثبات فيها ...... 5 ) التلاعب القضائي أكان عن طريق أساليب المرافعات أو تفسير القوانين وغياب ضمير وصدق بعض القضاة والمحامين إن لم يكن كثيرٌ منهم أحياناً هنا أو هناك ........ فإذا كنا لا نستطيع غضّ الطّرف عن قبول هذه القوانين وهذه المنهجيّة الظالمة أو المستهترة في القضاء الغالب في ساحات وأقبية القضاء في دول العالم في حق أبسط أنواع القضايا فكيف نقبل هذا القضاء المضطّرب في حق النّاس بإزهاق أرواحهم وتشتيت عائلاتهم وضياع الأمن والاستقرار والحياة الطبيعيّة في أدنى درجاتها في مجتمعاتهم ، والإجهاض على غاية القضاء وأهدافه في العدل والتي في مقدّمتها حفظ أرواح النّاس لا بل حفظ أدنى حقوق لهم فكيف بأرواحهم . ولكلّ ما ذكرنا وغيره : فإنني أناشد كلّ المؤسسات المعنيّة الرسميّة وغير الرسميّة .... دينيّة و مدنيّة في البلاد العربية والإسلاميّة بخاصة والمجتمع العالمي بعامه بأنْ تبادر بالانضمام إلى هذا النّداء السماوي الإنساني بالحدّ من تطبيق عقوبة الإعدام من أجل إنسانية هذا الإنسان بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية الغرّاء والقوانين الإنسانية العادلة التي أخذت بكلّ أسباب المحافظة على روح الإنسان وحياته الكريمة لتحقيق الأمن والسّلام العالمي . نعم ما أحوجنا اليوم إلى كلّ ذلك وأمتنا تعيش مرحلةً ومنعطفاً جديداً في حياتها وتغييراتٍ كثيرةٍ وإصلاحاتٍ عديدةٍ في مساراتها المختلفة والتي باتت تعرف (بالربيع العربي أو الصحوة العربية) في العديد من بلدانها. إنني أعتقد أنه لا معنى ولا واقع لهذا الربيع العربي إذا استمرّت عقوبات الإعدام دون أن نضع لها حداً يوقف مهزلة هذا الظلم والعدوان على أرواح الناس بغير ما شرع الله تعظيماً لحماية النفس البشرية من الإزهاق إلاّ بالحق كما ذكرنا سابقاً . والله تعالى هو الموفّق ، إنه من وراء القصد ، إنه نعم المولى ونعم النصير. (*) باحث ومفكّر إسلامي وناشط حقوقي / الأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية العالمية _ الأردن عضو اللجنة التنفيذية للتحالف (الأردني) لمناهضة عقوبة الإعدام _ عضو اللجنة التنفيذية للتحالف (العربي) لمناهضة عقوبة لإعدام . عضو اللجنة العلمية لمركز عمان لحقوق الإنسان _ عضو رئاسي لفدرالية السلام العالمي وسفير للسلام العالمي . عضو مؤسس للمركز الأردني لبحوث التعايش الديني _ عضو العديد من المؤتمرات العربية والإسلامية والعالمية لحقوق الانسان والمرأة والطفل ومكافحة العنف والإرهاب والتمييز بكل انواعه وأشكاله كذلك حوار الاديان والثقافات والحضارات والأمن الشامل والسلام العالمي _ محاضر وباحث وخبير ومستشار للعديد من المنظمات الدولية في برامجها وأنشطتها المتنوعة على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي من المنظورين الاسلامي والإنساني العالمي . مدير عام صندوق الزكاة في المملكة الأردنية سابقاً_ الأمين العام لشؤون الدعوة والتوجيه الإسلامي في المملكة سابقاً . الأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية العالمية .