هذا الكتاب، بالنسبة لبُّول ريكور، يُعتبر تكملة لكتابيه الزمان والسرد والذات عينها كآخر، إذ إنهما أهملا الذاكرة والنسيان اللذين يشكلان مستويين متوسطين بين الزمان والسرد. والكتاب كما يدلّ عليه عنوانه يضم ثلاثة أجزاء مختلفة، غير أنه كتاب واحد. الجزء الأول يعرض للذاكرة الشخصية وللذاكرة الجماعية، ويعود بنا إلى الينابيع الأولى للفلسفة عند أفلاطون وأرسطو قبل أن يلتقي بأغسْطين في العصر الوسيط وهوسرل والفينومينولوجيا في القرن العشرين. والقسم الثاني المكرَّس للتاريخ يتعامل مع ابستيمولوجيا كل العلوم التاريخية ويتوقف طويلاً مع الثورة التي أحدثتها «الحوليات» في فرنسا مطلع القرن العشرين في منهجية دراستنا للتاريخ. أمّا القسم الثالث المكرَّس للنسيان فهو الأهم رغم أنّه الأقصر إذ إن القرن العشرين كان قرن العنف بامتياز. فماذا على الإنسان أن ينسى إذ تصبح الذاكرة محمّلة بأثقال كبيرة إن هي انكمشت على نفسها. النسيان يطرح كل مشكلة الوضع البشري الذي يعيش تاريخاً عنيفاً فكيف له أن يتطلع إلى نهاية سعيدة. النسيان يفترض وجود الإساءة القادمة من الآخر واعتراف الآخر بهذه الإساءة...