كلمة الأستاذة بسمة الخلفاوي في افتتاح الندوة الدولية الثانية بالدار البيضاء، حول «قضايا النساء في سياق الحراك السياسي بشمال افريقيا.. المساواة أفق ضروري ليزهر الربيع» ، تخللتها لحظات مؤثرة بعد توقفها وهي تجهش بالبكاء، متحدثة عن رفيق دربها في النضال والحياة، الشهيد شكري بلعيد. «صباح الخير للجميع، أعتذر مسبقا لأن صوتي سيتعب البعض، نظرا لإصابتي بنزلة برد. أهلا بكم وشكرا لصديقاتي على تنظيم هذه الندوة. شكرا لصديقاتي ورفيقاتي في النضال. وشكرا لكل الرجاء المساندين لقضايا النساء في مجتمعنا العربي على حضورهم ومساندتهم لنا أينما كنا . تعرفون جميعا أغنية مرسيل خليفة «سأحدثكم عن أيمن»، أما انا اليوم فسأحدثكم عن شكري بلعيد. ومن خلاله سأحدثكم عن تجربتي الخاصة وعن تجربة النساء في تونس من خلال الثورة. شكري بلعيد مناضل يساري حتى النخاع. مناضل ناضل من أجل الكرامة، من أجل المساواة الفعلية بين النساء والرجال. ناضل من أجل الحرية ، من أجل المساواة بين الجهات. ناضل من أجل السلم الاجتماعي، وناضل من اجل العدالة الاجتماعية. شكري بلعيد هو مناضل يساري ومناضل حقوقي بامتياز. شكري بلعيد عاش معارضا ومات معارضا ، ولم يطمح ، رغم كل جهود، لغير هذا الموقع. شكري بلعيد هو مناضل تونسي ، ظل واقفا وصامدا، وأنا صامدة مثلكن أمامه. اذن شكري بلعيد كان مناضلا يساريا ، كان صوتا عاليا في تونس، كان صوتا راقيا في الوطن العربي. لم يتوقف يوما عن النضال. لم يتوقف يوما عن التفكير، لم يتوقف يوما عن الشرح ، لم يتوقف يوما عن البناء. لقد ساهم في بناء الحركة الطلابية في تونس ، وساهم في بناء الحركة الديمقراطية في تونس. ساهم في بناء حزبه، حركة الوطنيين الديمقراطيين اولا ، ثم حزبه حركة الوطنيين الديمقراطيين الموحد. ثم ساهم بقوة في بناء الجبهة الديمقراطية في تونس، ثم وجه نداء الى بناء الحزب اليساري الكبير بتونس وفي المغرب، عندما حل بالمغرب. ووجه نداء ودعوة الى توحيد كل الجهود اليسارية بالمنطقة، من أجل بناء حزب يساري كبير. هذا الشخص، وأجيب قليلا، اغتيل في فترة يحكمها التيار السلفي، يحكمها التيار الاسلامي، واغتيل بتواطؤ واضح بين حركة النهضة الحاكمة في تونس. إذن أصبح الصراع في مفهومه الضيق، هو صراع الوجود، بيننا وبين هذه الحركات السلفية ، بغض النظر عن موقعنا . وسأعود الى نقطة النساء، سأحاول وأرجو أن أتذكر وأجيب. إذن احدثكم عن شكري بلعيد وعن نفسي. فالتجربة هي أم المعارف ، أنا ولدت في السبعينات وعاينت وانا طفلة الظلم البورقيبي الديكتاتوري ،وعاينت أزمة 1978 ، وعاينت ازمة 1984 أزمة الخبز ، وكنت تلميذة ثم انتقلت الى الجامعة وعاينت أزمة الحريات وضرب الاسلاميين واليساريين، الذي لم نعد نرى منه إلا ضرب الاسلاميين في فترة من التسعينات، ثم بدأ ضرب اليساريين في الجامعة، وعاينت تلك الفترة وكنت في الجامعة مناضلة داخل الاتحاد العربي لطلبة تونس ، وعاينت ايضا هشاشة وضع النساء في الوضع السياسي. وعاينت ايضا رفض العقلية وليس رفض الرجال السياسيين، وهنا مربط الفرس. المشكلة هي مشكلة عقلية أبوية نعانيها داخل مجتمعاتنا ، ليس لدينا مشكل مع الرجال. هم أزواجنا، وهم رفاقنا ، هم أصدقاؤنا وإخوتنا ، وليس لنا من مشكل مع الرجال بشكل عام. المشكل هو مشكل عقليات... وعاينت داخل الجامعة التونسية ضرب الشابات اللواتي يمارسن السياسة ، ضربهن مجازا، أي لا يمكن ان نجعل شابات في القيادة ، لا يمكن ان نجعلهن يقمن بالمبادرة ويقترحن بشكل جدي . حتى مقترحاتهن تقدم على لسان الرجال، وكأن الرجال هم أصحابها، ومن هنا جاء الإبعاد من الانغماس الكلي في السياسة والسياسوية، فاتجهت الى جمعية بتونس ، جمعية النساء الديمقراطيات، هي الحاضنة للفكر الحداثي في تونس، و فكر النساويات وغير النساويات ، وهي حاضنة للاختلاف، وقد تعلمت داخل هذه الجمعية مامعنى المساواة. و كنت أطرح نفس التساؤلات: لماذا النساء ؟ ماهو الوضع الخاص؟ ألا يبدو هذا تمييزا تجاه النساء؟ أهن أقل جاها من الرجال؟ بعد الممارسة الفعلية ومن خلال الممارسة اليومية في الجامعة وفي الجمعية، اكتشفت أن النساء اكثر الحلقات هشاشة وضعفا داخل المجتمع ، مضروبة أساسا بالعقل والفكر الأبوي الذي يكرس التمييز ضد النساء في كل المجالات، ومن ثم آمنت بضرورة الصراع في النضال من أجل إرساء المساواة الفعلية والتنموية في كل المجالات. طبعا، بعد ذلك تزوجت بشكري بلعيد، وقد سئلت كثيرا : هل أنت جادة في زواجك بشكري بلعيد؟ هل أنت واعية بما يحمله هذا الزواج من مخاطر؟ وقد كنت جادة كل الجد ، ثم واصل شكري بلعيد مساره ، إذ أنه بالفعل ، ما توقف يوما عن النضال منذ كان تلميذا وفي الجامعة وخارج الجامعة وعندما توجه الى العراق ودرس في العراق وعاد الى تونس، وكان محروما ، ككل النشطاء السياسيين في زمن بن علي، من أن يشتغل، ومحروما من أن يدرس، وكان يتعرض الى القمع ككل السياسيين المعارضين، كان يتعرض الى المتابعة، فانتقل الى باريس لإتمام الدراسة، وعدنا الى تونس ، أمضينا العديد من السنوات، إلى أن جاءت الثورة، ربيعنا، ربيعنا العربي الذي أشرق، والذي سيتواصل ، وحتما سيتواصل، ولن نتراجع عن ربيعنا الذي وصلنا إليه عبر شهدائنا ، قبل شهيدنا شكري بلعيد، وشهداء مصر، وشهداء ليبيا و سوريا طبعا ... هم شهداؤنا الذين أوصلونا وحققوا لنا ما وصلت اليه الثورة. وهنا أيضا ، وجدنا في مخاض الثورة، ما يستدعي تجديد القيم ، قيم استنهاض القوى الديقمراطية. وجدنا أنفسنا نصارع كذلك غولا ظلاميا إسلاميا، مع الأسف. أقول إسلاميا ، لأننا نعيش صراعا عربيا اسلاميا. فكلنا مسلمون وعرب مسلمون، ونحترم الأقلية الدينية، لكن الظاهر العام في بلداننا أن التيارات والأحزاب السياسية الإسلامية هي التي نواجهها الآن والتي تقمعنا، وهي التي تنحو نحو الفاشية بشكل سريع، وهو اغتيال سياسي بامتياز. وقد حاولوا اغتيال الكلمة الحرة ،و حاولوا اغتيال الصوت العالي،وحاولوا اغتيال الفكر الحر. شكري بلعيد هو أكثر من دافع عن النساء، وأكثر من دافع عن المبدعين، وأكثر من دافع عن الإعلاميين، وأكثر من دافع عن الحركة والكرامة، ودأب يدافع عن القيم اليسارية. القيم الحقوقية، وهي الحد الأدنى، وهي السقف الذي يجب أن نقف عليه. نحن نصبو إلى أكثر من ذلك، ونصبو الى أبعد من ذلك، ولكن هذه القيم هي الحد الأدنى الذي لا تنازل عنه ، ولا يجب أن نتنازل عنه في ظل هذا المسار الثوري. وضع ضرب كل هذه القيم . ففي تونس ضربت العديد من المكتسبات، ضُربت الثقافة، ضُرب المبدعون والقضاة، تم ضرب كل القيم التي دفعنا مقابلها بأرواحنا، أصبحنا اليوم نناضل من أجل أن نحافظ على ما كان بين أيدينا. فنحن في تونس أصبحنا نناضل مع أجل «أعطيني ما كان عندي وبيدي» من الحقوق ، في هذا الإطار جاء اغتيال شكري بلعيد. ولكن لاحظنا وقوف كل المناضلين في تونس، وفي المغرب وفي مصر وفي فرنسا ، وفي كل جهة من العالم ، وقفوا معنا في هذه المحنة، لأن اغتيال شكري بلعيد يمثل لي ولبلدي الشيء الكثير، ويمثل لرفاقه داخل حزبه الشيء الكثير، ويمثل لرفاقه داخل الجبهة الشيء الكثير، ويمثل لأصدقائه داخل الحركة الديمقراطية الشيء الكثير، ولكن أيضا يمثل لتونس منعرجا خطيرا، والخطر ذاته لكل الوضع العربي. إنه منعرج خطير جدا أن تعود الاغتيالات من جديد، شيء خطير جدا، ونبدأ بتونس، فالأمر خطير، هذا ما جعلني، كما يقول الجميع، صامدة. صمودي مرده الوعي بخطورة هذه المرحلة. وقفتي معكم خير دليل، ولهذا أنا أجدد الدعوة لكل النساء في تونس، في كل العالم العربي، أن تكون المرأة في كل مواقع القرار وألا تتراجع عن حقها. فلن يحررنا ولن يوصلنا الى ما نريد إلا إذا كنا معا. علينا أن نتوحد، أن نعمل معا بإيجاد استراتجيات عمل. فهناك صراع وجود، أصبح بين نمطين لمجتمعين مختلفين. فإما أن نكون أو لا نكون. إنني أدعو كل النساء للتوحد حتى نكون صامدات، ونكون فاعلات من أجل إرساء العدالة الاجتماعية والديمقراطية، والحداثة...».