يجمع حي النسيم التابع ترابياً لعمالة مقاطعات الحي الحسني، كل المتناقضات، فهو يضم ما يقارب ألف وحدة سكنية، وكل وحدة سكنية يفوق عدد سكانها 80 نفراً، ما يعطي 80 ألف نسمة، بالإضافة إلى مساكن راقية، سواء على شكل عمارات من الطراز الرفيع وفيلات ذات هندسة متميزة، لكن كثافته السكانية وافتقاره لعدة مرافق ونقصان أخرى، وقرارات غير منصفة، جعلت الحي يعرف مشاكل بالجملة ما لبثت أن طفت على سطح الواقع اليومي المعيش، ولفتت إليه الأنظار... التركيبة السكنية يتشكل الحي من مختلف الشرائح الاجتماعية، ومساكنه تجمع بين ما هو اقتصادي ، كالتجزئات ذات الشقق المخصصة للسكن الاجتماعي، التي يقطنها أبناء الطبقة ذات الدخل الضعيف أو أدنى من المتوسط، ، ثم الطبقة المتوسطة ، وفئة أخرى تسكن بمنازل خاصة إما عن طريق الكراء أو ملك عن طريق الإرث أو ملكها الخاص عبر «تحويشة العمر» . وهناك فئة ثالثة تقتني شققاً بعمارات من طراز أعلى ، تعد أكثر دخلا شأنها في ذلك شأن سكان ومالكي الفيلات الموجودة في تراب النسيم، بالإضافة إلى السكان الأصليين ، دون نسيان دوار مقيليبة ودوار الحلايبية. هؤلاء السكان يعيشون في تجانس ، يغلب على يومياتهم طابع الحياة الشعبية العادية، باستثناء سكان العمارات «الراقية» التي يفوق ثمن المتر المربع بها عشرة آلاف درهم للمتر المربع الواحد. وتبقى حياتهم تأخذ طابعاً خاصاً ، حيث أن أغلب حاجاتهم وضروريات عيشهم يقتنونها من خارج الحي، اعتماداً على إمكانياتهم الخاصة ، ويتجلى ذلك في تبضع أغلبهم من المراكز التجارية الكبيرة، بالإضافة إلى تدريس أبنائهم بمؤسسات التعليم الخصوصي، الذي يوفر النقل وغيره . نقائص بنيوية في مختلف القطاعات الشيء المؤسف له أن حياً من هذا الحجم وبهذه الكثافة السكانية لا يتوفر على سوق مركزي أو سوق نموذجي. كل ما في الأمر، وكما يقال دائماً «الحاجة أم الاختراع»، فقد اضطرت الساكنة إلى تدبير هذا الأمر بنفسها. فخرج من بينهم باعة جائلون اعتمدوا على عربات مجرورة بواسطة بعض الدواب ( حمير بغال خيول ) أو مدفوعة تعتمد على سواعد أصحابها، وتجمعت بالشارع العام أمام محطة القطار النسيم، ليتحولوا إلى «فضاء فارغ » قريب أصبحت عرباتهم قارة به لتتحول إلى «خيام» بعد وضع غطاء من البلاستيك، ليظهر من بعيد كسوق عشوائي في غياب أي تفكير لبناء سوق يلائم لكثافة السكانية التي يضمها الحي . ورغم ذلك، فإنك تصادف العديد من العربات مازالت مستقرة في واجهة محطة النسيم للقطار، والقنطرة التي يعبر منها سكان الحي إلى «الضفة» الأخرى، إلى جانب العديد من الفراشات ... أمام هذا الوضع المزري، التزمت المقاطعة ومجلسها الصمت دون التفكير في إنجاز مشروع سوق نموذجي بمواصفات معقولة تجد فيه الساكنة ضالتها بعيداً عن كل ما يمكن أن يشوه الحي ويلوث بيئته. يتوفر الحي على مدرستين ابتدائيتين و 3 إعداديات وثانويتين تأهيليتين. كما يضم عدة مساجد، من بينها مسجد مقترن باسم المقرئ الشهير «لقزابري». بخصوص النظافة ، فإنها تكاد تكون منعدمة في العديد من النقط ، حتى يخيل إلى المرء أحياناً أن هذه المنطقة لا يمر منها المنظفون لا اليدويون أو أصحاب الشاحنات المختصة ، وهو ما يجعل الممرات والشوارع والأزقة مملوءة بكل أنواع الأزبال، بل هناك عمارات محاطة بأعشاب يابسة استطاعت أن تجمع كل أنواع النفايات ، بدءاً بالأكياس البلاستيكية و علب الحليب ومشتقاته... وإذا ما تحركت الرياح من أي اتجاه، يصبح الجو وكأن هناك عاصفة تحجب الرؤية ، حيث تحمل معها كل الأزبال الخفيفة الوزن. أما الأزبال المنزلية، فتبقى تتراكم قرب حاويات امتلأت عن آخرها ، وتتحول العديد من مثل هذه النقط إلى مطارح للأزبال، سرعان ما تفوح منها روائح كريهة، وهو ما يتسبب في عدة أمراض نتيجة انتشار أنواع من الحشرات المضرة، دون أن يثير ذلك انتباه مصالح المراقبة الصحية بالمنطقة. الإنارة: هناك مناطق متعددة تعرف ظلاماً دامساً، فرغم كثرة الشكايات، لم تحرك المصالح المختصة ساكناً، وأغلب هذه النقط توجد بالممرات الموجودة تحت العمارات، حيث يكثر وجود عصابات وقطاع الطرق الذين يعترضون سبيل من ساقته ظروف معينة إلى المرور عبر تلك الممرات. فكم من مواطنة سلبت منها محفظتها أو حتى هاتفها المحمول أو أغراضها المختلفة. هذا بالإضافة إلى التهديدات بالسلاح الأبيض، «سيوف، سكاكين وغيرها»، وما يقع بهذه الممرات يقع ببعض الأزقة التي ينقطع بها التيار الكهربائي من حين لآخر ويصبح الحي وكأنه يعيش حالة طوارىء وممنوع الخروج بعد غروب الشمس النقل : نشطت الحركة الاقتصادية بهذا الحي بعد توافد العديد من المواطنين والمواطنات من مناطق قريبة أو بعيدة من جهة الدارالبيضاء، كما هو شأن القادمين من «المدينة القديمة» أو ضحايا الفيضانات بمقاطعة مرس السلطان، الذين أصبحوا جزءاً من هذا الحي، دون إغفال الهجرة من مناطق أخرى إلى هذا الحي. وزاد نشاط هذا الحي الاقتصادي جراء مجاورته لمنطقة سيدي معروف التابعة لمقاطعة عين الشق، خاصة المنطقة الصناعية التي تزخر بالمصانع والمعامل والشركات الخاصة والشبه العمومية، والتي تشغل أعداداً مهمة من اليد العاملة من ساكنة هذا الحي. أضف إلى ذلك، أن حي النسيم يتوفر على العديد من المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، وأنواع مهمة من الحرف والمهن التي تعمل داخل محلات. هذه الحركة تتطلب وسائل النقل والتنقل. فالعمال والمستخدمون والموظفون يحتاجون يومياً لوسائل النقل، أيضاً أصحاب المحلات التجارية ، على اختلاف أنواعها وأشكالها ، يحتاجون إلى وسائل النقل. الغريب أن هذا الحي، وإلى حدود السنوات الأخيرة، كان يتوفر على مجموعة خطوط تابعة ل «مدينا بيس»، أو بعض الشركات الخاصة، فكانت خطوط 168/53/09/07/107 زيادة على سيارات الأجرة الكبيرة، تربط بين سيدي معروف بعين الشق والألفة وليساسفة، مروراً من تراب حي النسيم. اليوم وبشكل مفاجىء، انقطعت مجموعة من الخطوط وتوقفت أخرى، فلم يعد هناك سوى الخط 09 المتوجه إلى وسط المدينة عبر عين الذئاب. كما أن سيارات الأجرة الكبيرة غيرت هي الأخرى طريقها ولم تعد تمر من وسط تراب النسيم. محطة القطار .. « ذاكرة» موشومة بالمأساة لا يمكن نكران دور المحطة السككية الموجودة بالنسيم وما تسديه من خدمات لسكان الحي والمناطق المجاورة ، من حيث تيسير سبل السفر خارج الدارالبيضاء أو عند العودة إليها، إلا أنها، وحسب موقعها وشكلها، تشكل خطراً كبيراً ، فهي المعبر الوحيد الذي منه وعبره ترتكز الحياة في هذا الحي. وخير دليل على هذا ، سقوط العشرات من الأرواح بهذا الممر السككي، دهستهم القطارات العابرة من الدارالبيضاء إلى مراكش أو القادمة في اتجاه وجهات معينة بالتراب الوطني. وضحايا هذا المعبر من مختلف الأعمار وإن كانت نسبة الأطفال والشيوخ تفوق عدد الضحايا الآخرين، لأن الممر السككي يفصل بين هذا الحي ومنطقة سيدي معروف ، هذه الأخيرة عرفت في العقود الماضية اتساعاً مبهراً وتوسعاً كبيراً نظراً لانتقال العديد من المواطنين إلى السكن هناك أو للاستثمار في العقار أو في مجالات أخرى شدت إليها بشكل لافت أنظار اليد العاملة وأصحاب الشواهد المهنية والموظفين. زد على ذلك، انتشار المؤسسات العمومية في قطاعات شتى، وهو ما استفاد منه حي النسيم بالدرجة الأولى مقارنة بأحياء أخرى بعين الشق. وللوصول إلى هذه المنطقة أو لشوارعها، لا يوجد أي ممر سوى المعبر السككي. ولهذا فهو وجهة الراجلين وأصحاب الدراجات والعربات وحتى الحافلات. وكان قبل إقفاله في وجه كل هذه الوسائل، أحياناً تصل الصفوف لهذه الوسائل إلى الشارع الرئيسي بسيدي معروف، ونفس الأمر من داخل حي النسيم، خصوصاً إذا كان بهذا الطابور أكثر من حافلة أو شاحنة. هذا الممر كان أحد الأسباب الرئيسية في انتعاش الحالة الاقتصادية وفي توفير كل الضروريات والحاجيات، بما في ذلك، الذهاب والعودة من العمل والزيارات العائلية والذهاب إلى المؤسسات التعليمية وغيرها. كل هذه المزايا وما يقدمه المعبر من خدمة للسكان، لم تمنع التسلح بالحيطة والحذر، لأن الخطورة موجودة في كل وقت وحين، رغم أنه ممر محروس وهو ما يعرف ب «السكة بالعساس». من هنا كان لابد من البحث عن حلول للحفاظ على المعبر والعمل على وضع حد للأرواح التي تزهق. القنطرة .. حلّ مع وقف التنفيذ! تمثل الحل البديل في بناء قنطرة تربط النسيم بسيدي معروف، وإن كانت هذه القنطرة في اعتقاد المسؤولين ستحد نهائياً من حدوث المآسي، فإنهم لم يفكروا في أنها ستشكل حاجزا اقتصادياً واجتماعياً، لأنها لا تخص سوى الراجلين فقط، لكن السيارات والعربات الموجودة بكثرة توقفت عن المرور. فالسيارات خُصصت لها طريق على مقربة من مقر عمالة مقاطعة عين الشق، والعربات حُدّ من نشاطها، فإما أن تستقر بضفة سيدي معروف أو بضفة النسيم، وهو ما حكم على عدد من ساكنة المنطقتين بالبطالة أو تغيير طريقة البحث عن رزقهم. فأصبحت القنطرة الملتوية ذات المنعرجات المتعددة ، خصوصاً من جهة النسيم ، تعرف اكتظاظاً كبيراً في أوقات الذروة، مع تطاول أصحاب الدراجات النارية والعادية، لأنها هي الوسيلة الوحيدة للعبور . طبعاً تحرك المجتمع المدني لإظهار الأضرار التي خلفتها القنطرة ، معتبرين أن المسؤولين لم يجهدوا أنفسهم في البحث عن إحداث ممر لكل وسائل النقل. فهم يعتبرون أن هذه القنطرة عزلتهم عن العالم الخارجي، وطالهم التهميش، وكان على المسؤولين، التفكير في نفق أرضي قد تكون تكلفته أقل بكثير من القنطرة، وهو ما جعل الأمور تتطور بشكل غير محسوب ومتوقع. وفي تصريح للجريدة من بعض سكان الحي ، أكدوا أن تحركهم، كان منذ أن سقطت واجهة كبرى من الإسمنت المقوى بالحديد، فزرعت الرعب وسط الساكنة، وفي نظرهم أن مثل هذه الحالة قد تقع بعد فتح القنطرة واستعمالها. ولأنها تزن الأطنان، فقد كان التخوف على الأبناء والأطفال وغيرهم . وقد تم فتح حوار مع الساكنة، حيث عقدت لقاءات تواصلية بين ممثلي خمس جمعيات من جمعيات المجتمع المدني بالنسيم ومدير محطة القطار النسيم، الكاتب العام لعمالة مقاطعات الحي الحسني، رئيس الملحقة الادارية ، ورئيس الدائرة الأمنية النسيم، وتمت مناقشة الموضوع، حيث أوضح كل مسؤول أهمية بناء القنطرة على هذه الشاكلة لضيق وصغر المساحة بالجانب الآخر، ولكي لا تأخذ حيزاً من المساحة في الجهة الأخرى بالنسيم، كما أكدت تدخلات المسؤولين أن الاحتجاج كان سيكون مبررا قبل وصول ورش القنطرة إلى مرحلته الأخيرة، حيث ما يفوق 80 في المائة من الأشغال أنجزت. الجانب الآخر، وهو الجانب المدني، كانت تدخلاته كلها في اتجاه الرفض القاطع، لكن أكدت بعد المصادر من السكان، أن بعض مسؤولي الجمعيات عادوا «خلسة» وسحبوا رفضهم ليبقى في الواجهة رئيس جمعية واحدة. ومع استمرار الأشغال، نظم السكان وقفة احتجاجية استطاعوا من خلالها وقف الأشغال لمدة قد تصل إلى الشهرين. وحين بادرت الشركة المكلفة بتنفيذ المشروع إلى استئناف عملها يوم 27 ماي 2013، جوبهت بالعديد من السكان، شباب، أطفال، نساء، رجال وهم يمنعونها من مباشرة عملها، وهو ما استدعى تدخلاً أمنياً قوياً، تولدت عنه مواجهات عنيفة بين أفراد من السكان وبين عناصر أمنية أدت إلى وقوع إصابات متفاوتة الخطورة في صفوف رجال الشرطة وعدد من المواطنين، حيث أصيب 7 رجال أمن ، 3 منهم كانت إصابتهم خطيرة نقلوا على وجه السرعة إلى المستشفى، فتمت بعد ذلك، اعتقالات في صفوف السكان بلغت 13 شخصاً . مع إضافة شخص آخر، من ضمنهم رئيس إحدى الجمعيات، الذي اتهم بالتحريض والقيام بتنظيم وقفة احتجاجية غير مرخصة. وقد أمرت السلطات القضائية بإيداعهم المركب السجني عكاشة، حيث ستتم متابعتهم باتهامات جد ثقيلة تتمثل في العصيان المدني، والضرب والتخريب والتحريض على استعمال العنف في حق رجال الأمن والسب والشتم والقذف وعرقلة المرور. وقد سارع السكان بهذا الحي إلى فتح عرائض شهادة حسن السيرة والسلوك للمعتقلين الذين سيعرضون يومه الخميس أمام أنظار المحكمة في جلسة علنية. من أجل تفادي اتساع رقعة «الاحتقان» الكثافة السكانية واتساع رقعة الحي واتساع مجالاته التجارية والاقتصادية، معطيات تستوجب وضع استراتيجية أمنية دقيقة تعتمد على العنصر البشري وآليات العمل. فرغم المجهودات المبذولة من طرف الدائرة الأمنية النسيم، والتي تحاول التواجد ليل نهار في أجزاء المنطقة، إلا أنها من المستحيل القيام بما يستلزمه الوضع، خصوصاً في النقطة النائية بالممرات تحت العمارات التي تفتقد إلى الإنارة لأيام طويلة. أيضاً السلطات المحلية الممثلة في الملحقة الادارية النسيم تحاول إخماد «لهيب» العديد من المشاكل في مجالات متعددة، بتعاون مع جمعيات من المجتمع المدني بفتح حوارات تواصلية مع الساكنة ، إلا أن تخوفات الساكنة كانت أقوى ، ترجمتها الاحتجاجات المتصاعدة، التي جعلت الأمر يتطور ليصل إلى ردهات المحاكم..