اليوم لا بد من توضيح رؤية الحكومة عبر تحديد الأولويات الترابية، فانضمام المغرب إلى المنظمة العالمية للتجارة، ونهج الانفتاح الاقتصادي بكل ما يرافق ذلك من إكراهات وفي نفس الوقت من فرص يقتضي من مدبري الشأن الحكومي برنامجا استعجاليا للتنمية المجالية. الفقر، التهميش، غياب وضعف التجهيزات بالوسط القروي في ظروف طبيعية صعبة، نسيج حضري متنوع، مدن صغرى ومتوسطة في الغالب امتداد للوسط القروي، مدن كبرى بدون وظيفة، مدن التهميش والإقصاء الاجتماعي، مدن عتيقة تدهورت ودورها مهددة بالسقوط، مدن بدون قاعدة اقتصادية، مدن الخيام والباعة المتجولين الذين حولهم البوعزيزي إلى باعة مستقرين، مدن إسمنتية لتجمعات سكانية غالبيتها تعيش تحت عتبة الفقر لأنها وبكل بساطة ساكنة أجبرت على الهجرة من البادية الى المدينة بأمل تحسين وضعيتها، فكانت النتيجة انتشار قطاعات اقتصادية غير مهيكلة-تجارة وخدمات- عبارة عن أنشطة de survie، وما واكبها من توسع لأحزمة الفقر ومدن الصفيح والتي لا تليق بكرامة الإنسان, علما بأن السكن هو حق من حقوق الإنسان،فالسكن اللائق يحتل مكانة متميزة ضمن منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والذي يعتبر من الحقوق التي أولاها المنتظم الدولي أهمية قصوى، كلها عناصر مجتمعة تترجم حجم التحديات وجسامة الانتظارات. نحن أمام نسيج حضري يعيش فوضى عارمة بسبب غياب حكامة محلية, لأن هذه الظاهرة الحضرية لم تكن وليدة تطور اقتصادي كما حدث بالغرب, بحيث أن الدينامية الاقتصادية خلقت المدينة, أما في حالة العديد من مدننا فإن تطورها كان ديمغرافيا لسبب بسيط هو تغذيتها بالهجرة القروية، ومن تم يمكن القول بأن المدينة في الدول المتقدمة هي نتاج التقدم الاقتصادي, أما ببلادنا فهي مرتبطة بالأساس بالأزمة القروية وبانتشار أحزمة الفقر، هذا الترابط الجدلي يدفعنا لتأكيد مسألة جوهرية هو أن تحديث وتأهيل مدننا رهين بالتنمية القروية، وأن قوة المدينة تكتسب عبر إنعاش وتنمية محيطها القروي، ومن هذا المنطلق نسجل، كما سبق للفريق الاشتراكي طرحه بمجلس النواب ضرورة تنظيم ندوة وطنية حول التنمية القروية, لأن القليل يعرف بأن التنمية القروية تم دمجها في اختصاصات وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، وأنها تتطلب تدخلات أفقية تهم كل القطاعات الحكومية. إن التمدن السريع في غياب بنية الاستقبال كان له أثر كبير في انتشار السكن غير اللائق، من المحقق أن هذا الموضوع القديم الجديد يعتبر اليوم من الأوراش الكبرى والذي يطرح أكثر من علامة استفهام تهم بالأساس السؤال الجوهري المتمثل في أين نحن من برنامج مدن بدون صفيح, الذي انطلق سنة 2004، ، لاشك أن الجواب ليس من السهل, لأننا أمام قطاع حساس تتداخل فيه الاختصاصات بفعل تعدد المتدخلين ( الجماعات، السلطات المحلية وزارة الإسكان بكل مكوناتها المركزية والجهوية والمحلية). فتقييم الظاهرة تثير بعض المخاوف حول توسع هاته الآفة، فحتى المدن التي تم إعلانها مدن بدون صفيح أصبح بعضها حاليا يأوي جيوب صفيحية بفعل تمديد مدارها الحضري، فإلى حدود 2011 نجد 44 مدينة تم إعلانها مدنا بدون صفيح من مجموع 84 مدينة شملها البرنامج، وهي نتيجة بعيدة جدا عن الأهداف المسطرة، اليوم لا بد من طرح السؤال لماذا البطء في إنجاز المشاريع السكنية الاجتماعية؟ ومن يتحمل المسؤولية في هذا الفشل, مع العلم بأن هناك مدنا كان من المقرر إعلانها مدنا بدون صفيح منذ2007؟ ما يثير الانتباه هو أن الحكومة الحالية في برنامجها قررت مواصلة تعبئة العقار العمومي في حدود 20 ألف هكتار على مدى خمس سنوات وفق مقاربة شفافة، ولكن من حقنا أن نطرح سؤالا حول مصير 3853 هكتارا التي استفادت منها مجموعة تهيئة العمران (بأثمنة زهيدة) في إطار اتفاقية تعبئة العقار العمومي لإنعاش السكن الاجتماعي وسكن الفئات الوسطى ومتابعة تنفيذ البرنامج الوطني - مدن بدون صفيح- ولقد حددت المادة الرابعة من الاتفاقية مدة الإنجاز في الفترة ما بين 2009-2012 فالحكامة تقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة, فلابد من تقييم مآل العقارات المعبأة, علما بأنه حسب بعض المختصين فلقد عبأت الدولة العقار وقامت العمران بتجميده, لأن هناك لوبيات استفادت من موقعها للانتعاش بطرق ملتوية من هاته العقارات، وأن أغلب المشاريع لم تر النور, علما بأن الاتفاقية تم توقيعها أمام عاهل البلاد بفاس بتاريخ 16 فبراير 2009، أيضا ينبغي فتح ملف هولدينك العمران وتدبيره الفاشل لإشكالية المدن الصفيحية، فكيف يفسر وجدود أحياء تابعة للعمران لم يستفد أصحابها من رسومهم العقارية (الانتظار فاق في بعض المناطق 20 سنة) إنه العبث، حالات عالقة وبدون تعليق، اليوم أيضا لابد من الشجاعة للقول بأن خيار المدن الجديدة خيار فاشل, لأنه لم ينبن على دراسات عميقة بقدر ما كان نتاج الفرص العقارية، فتحولت مدن تامنصورت وتامسنة إلى تجمعات هامشية تفتقد للتجهيزات الأساسية ,مما جعلها مدنا بدون روح ,تعرف إفراغا من ساكنتها، هنا أيضا سؤال ماهية المدن الجديدة, وهل هناك تقييم واقعي للوقوف على أسباب فشل هاته التجربة؟ تلكم أسئلة متعددة وحارقة بخصوص إشكالات مجالية تعيق التنمية الترابية وتوفير العيش الكريم للمواطن المغربي، أسئلة في ظل عبث سياسي وتراشق بين أغلبية غير منسجمة، وبما أننا في المقدمة تطرقنا إلى التصميم الوطني لإعداد التراب، فقد اخترنا أن نختم بفقرة مقتطفة من هاته الوثيقة الاستراتيجية والتي تحمل في طياتها رسائل بالواضح لكل من يهمه الأمر «تحديد سقف زمني فوري للشروع في الإصلاح: وهو الشرط الضروري لإثبات المصداقية، إذ من المعروف أن أحسن طريقة لإقبار إصلاح ما، هو الإعلان عن ضرورته دون الشروع مباشرة في إنجازه، ولو بشكل جزئي، ولكن مع إظهار أن الأمر يتعلق ببداية مسلسل سيستمر فيما بعد, كفى من العبث فهناك أسئلة حارقة.