إذا كان علم التأطير الرياضي قد خطا خطوات جبارة في عدد كبير من الدول التي راهنت، بالفعل، في سياستها العامة على الرياضة الوطنية كرافعة أساسية للنهوض بعدد من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، فإننا نحن، وللأسف الشديد، مازلنا نتأرجح بين الهواية والاحتراف، بين تحويل الأندية الرياضية إلى مقاولات والإبقاء عليها بعوراتها، لاستفادة البعض من ريعها وما تدر عليهم من رواتب ومبالغ مالية غير خاضعة لأي اقتطاع ضريبي أو افتحاص دقيق يورطهم في خيانتهم للأمانة مع سبق الإصرار والترصد كمتطوعين لتسيير النادي عقب انتخابات مشبوهة فرضها قانون المنخرط، قد يعتمد فيها على الإنزال وشراد ذمم من لا شخصية لهم لاعتلاء الكراسي. وفي ظل هذا الوضع غير السليم، تأثر المردود العام لبطولتنا الوطنية التي أصبحت غير قادرة حتى على مسايرة إيقاع بطولات عربية وإفريقية كانت بالأمس القريب مغمورة، فبالأحرى تكوين لاعبين مهرة قادرين على حمل مشعل الأسلاف. ولعل من أهم أسباب هذا التردي، هو التسامح في إسناد مهمة تدريب الفئات العمرية الصغرى لأشخاص يفتقدون لأبسط أبجديات علم النفس التربوي وللمبادئ العلمية المرتبطة بالمجال، فضلا عن هيمنة بعض الأسماء التي تتبادل المواقع أو المتمسكة بالنواجد بفرق معينة بالرغم من أنها لم تعد تقدم أي إضافة تذكر غير إجادتها للكولسة والوساطة في الحفاظ على خارطة طريق الفرق الصديقة، وبالتالي المساهمة في تكريس هذا التواضع الذي ما كان ليستفحل لو تمت مواجهتهم وتسمية الأشياء بمسمياتها من غير مراوغة أو تنصل من المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقنا جميعا. وللوقوف على هذه الظاهرة الخطيرة وسلبيتها في إسناد مهمة مؤطر رياضي لشخص لا علاقة له بالتدريب، لابد من استعراض مجموعة من الشروط والمواصفات التي يجب توافرها للقيام بهذه المهمة الجسيمة على الوجه الأكمل، على اعتبار أن التدريب الرياضي هو عملية تربوية جد معقدة تستدعي علما وممارسة ميدانية، إذ أن الاعتماد على الخبرة الميدانية و حدها دون اللجوء إلى العلم، يخل بإحدى القواعد الأساسية لتطور خبرة اللاعب السابق، والعكس صحيح، أي أن أستاذ المادة، خريج مراكز ومعاهد التكوين، لا يمكن بدوره أن يكون ناجحا متألقا في مهمة تدريب فريق معين ما لم يكن قد مارس اللعبة وزاولها ميدانيا. - فمن هو المدرب المؤهل إذن لحمل هذه الصفة والقيام بها علي الوجه الأكمل؟ بكل تأكيد هو ذلك المدرب القوي الشخصية، الذي يجمع بين التحصيل العلمي والممارسة الميدانية، وما يرافقهما من دراية شاملة بخبايا اللعبة التي قد تسبب له ردود أفعال متشددة ومتباينة يعرف كيفية التخلص منها لاكتسابه لمعارف سيكولوجية دقيقة تساعده على تصفية وتطهير الحالة النفسية للفريق والرفع من معنويات اللاعبين. فكثيرا ما نسمع أن قوة فريق معين تكمن في شخصية مدربه، وفي جدية عمله المتواصل والفعال داخل رقعة الملعب وخارجه. كما أن شخصية المدرب الناجح ترتكز أساسا على مكونات وخصائص نفسية محددة في الزمن والمكان من قبيل: الشجاعة والثقة بالنفس، وقوة الملاحظة والتحكم في زمام فريقه وحماية لاعبيه والدفاع عنهم خلال الهزيمة للحفاظ على تماسكهم ووحدة الفريق. كما توجد هناك خصائص أخرى لها تأثير واضح على شخصية المدرب الناجح، مثل احترام الوقت وتقديسه، المرونة في تطبيق البرنامج السنوي من غير إخلال بالأهداف العامة المسطرة بينه وبين المكتب المسير للفريق، روح المبادرة الشخصية الهادفة والعمل الدؤوب على رفع معنويات لاعبيه الرسميين منهم والبدلاء لتفادي الإحباط والاصطدامات خلال الحصص التدريبية. وبالموازاة مع الخصائص الآنفة الذكر، هناك بعض الأخلاقيات التي لابد من توافرها في المدرب الناجح والمثالي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: - المدرب القدوة: ليس من المقبول أن يصدر عن المدرب أي تصرف لا أخلاقي مهما كانت النتائج التقنية للفريق أو الأسباب، سواء داخل الملعب أو خارجه على اعتبار أنه المعلم والمربي القدوة الذي يجب أن يحتذى به من طرف متعلميه الصغار أو الكبار. - المدرب الخلوق: لكي ينال المدرب احترام الآخرين وتقديرهم له، لابد وأن يكون البادئ المتسامح المرن، وأن تنعكس أخلاقه الفاضلة على تصرفاته طيلة الأسبوع. ولا علاقة للأخلاق الفاضلة بشعبية مدرب ما، بحيث أن الشعبية والشهرة يمكن أن يتصف بها المدرب الانتهازي والوصولي والمتسلط. أو الذي لا يكف عن توجيه انتقاداته لقرارات الحكام إلى حين إشهار البطاقة الحمراء في وجهه، الشيء الذي ينعكس سلبا على لاعبين ممن يتأثرون به. وهم في كرسي الاحتياط. - المدرب النفساني: لا يمكن لأي مدرب أن ينجح في مهامه التأطيرية التربوية دون اهتمامه بالجانب النفسي والاطلاع على المواضيع البسيكولوجية التي من شأنها تطوير النمو الذهني لشخصية الرياضي من جهة، ومن جهة أخرى تحضيره نفسانيا اعتمادا على ما جمعه من معلومات حول اللاعب خلال محادثاته الانفرادية معه كصديق وأب حنون يحرص على مشاطرة لاعبيه همومهم وأفراحهم. - المدرب والهزيمة: تكوين المدرب وتجربته الميدانية تجعله أكثر الناس تقبلا لنتيجة الهزيمة التي هي أحد الأضلاع الثلاثة للعبة كرة القدم. إذ لا يحق لأي مدرب يحترم نفسه أن يعلق كل إخفاق على الآخر، كالحكم أو أرضية الملعب أو بعض لاعبيه ممن لم يطبقوا الخطة، علما بأنه المسؤول الأول والأخير عن تشكيلة الفريق وعن اختياراته. فأين نحن من هؤلاء المدربين؟ ولماذا يسمح بالتطاول على هذه المهنة في زمن الاحتراف؟ لعل المتتبع لبطولتنا الوطنية بمختلف أقسامها، لن يتردد في الاجابة السريعة والمستفيضة عن هذا السؤال المزدوج الذي بات تنفيذ الاجابة عليه عمليا وميدانيا يقض مضجع كل مغربي غيور يتطلع لاحتراف حقيقي. إذ لا تقدم ولا استعادة لهيبتنا الافريقية والعربية إلا بوضع حد لهذه التسيب وهذه المهزلة التي تعيشها مختلف الأندية والفرق الوطنية. فمتى كانت المجاملة، مجاملة أشخاص معينين على حساب مصلحة الوطن؟ وحتى لو افترضنا أن ذلك الشخص كان ممن حمل في وقت من الأوقات شارة عمادة الفريق بسبب خوضه لأكبر عدد من المباريات، فذاك وحده لا يشفع له بأن تسند إليه هذه المهمة الجسيمة ما لم يكن ملما بعدد من مبادئ علوم التربية وعلم النفس والفيزيولوجيا وغيرها من العلوم الأخرى المتداخلة والمساعدة في تكوين لاعب يستجيب لطموحاتنا الراهنة والمستقبلية. فالتجربة الميدانية وحدها لا تكفي. فللأسف الشديد، نرى العديد من قدماء اللاعبين ممن لا يتوفرون على شواهد علمية، بل منهم من لا يتوفر حتى على الحد الأدنى الذي يخولهم مسايرة مستجدات عالم التدريب بلغة الضاد، فالأحرى لغة موليير أو شكسبير. وبالرغم من أميتهم الأبجدية، فهم يفرضون أنفسهم على الفرق التي لعبوا لها تحت ذريعة أنهم تربوا وترعرعوا داخل النادي، أو أنهم كانوا ضمن الترسانة التي أحرزت لقبا من الألقاب. وإن كانوا فعلا يملكون من المؤهلات العلمية والتقنية ما يخولهم حمل صفة مدربين الرياضيين، فلماذا لا يشتغلون بفرق أخرى غير فرقهم الأصلية؟ فأي دور للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إن لم تراقب وتتأكد ميدانيا من مدى تطبيق الفرق لدفتر التحملات؟ أم أن الجامعة نفسها في حاجة إلى من يراقبها ويدقق معها في الملفات الإدارية المنسية برفوف كتابتها العامة، بعد الخطأ الفادح في ملف توقيف لاعب الجيش الملكي شاكير؟ وأي دور للجامعة المفروض فيها محاربة هذه الظاهرة، ولماذا يتجنب السادة الأساتذة المؤطرون منح النقطة الموجبة للرسوب خلال الامتحانات الكتابية التي يختتم بها أي تكوين؟ هل من تعليمات فوقية تخيرهم بين أن يكونوا أسخياء في منح نقط النجاح والامتياز لغير مستحقيها أو عزلهم، وبالتالي تكريس هذا الوضع المتردي الذي نعيشه داخل معظم أنديتنا الوطنية، خصوصا على مستوى الفئات العمرية الصغرى. فإلى متى سيستمر هذا النزيف الذي ينخر كرتنا الوطنية. اتقوا الله فينا عسى أن يغفر لنا ولكم الله!