صدر في سلسلة عالم المعرفة كتاب للمفكر الهندي ورجل الاقتصاد أمارتيا صن الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لسنة 1998 لمساهماته في التنمية البشرية ومحاربة الفقر الكتاب يحمل عنوان« الهوية والعنف » وهم المصير الحتمي وترجمته إلى اللغة العربية الباحثة المصرية والأديبة سحر توفيق. الكتاب جاء في مائتي صفحة ويحتوي على مقدمة وتسعة فصول تناول فيها عنف الوهم ومحاولة إدراك مفهوم الهوية والعزل الحضاري لتكريس مفهوم الهوية ثم يتطرق إلى الانتماءات الدينية والتاريخ الإسلامي ليقدم ما ينطوي عليه كل ذلك من دلالة إنسانية وتسامح وقع تجاهلهما أو طمسهما وإهمالهما وتصد للأفكار المتصلة بالهوية في الغرب علي الصعيد الثقافي والاقتصادي والسياسي. - مناقشة فكرة تصنيف الشعوب بالاستناد إلى معايير دينية أو حضارية أو ثقافية باعتبارها تشكل أساس الهوية الوحيدة التي تميز هذه الشعوب والسعي إلى الكشف عن فساد هذا الأساس لما ينجر عنه من تعميم يحجب طبيعة تنوع واقع المجتمعات الإنسانية المنتمية إلى حضارة واحدة أو ديانة واحدة واستخدام الأدلة لإقناع القارئ بصواب نظرته دون تنكر لهذه المعايير بطبيعة الحال. - طرح الفكرة البديلة للتصنيف الذي يلغي التنوع والتعدد والاختلاف صلب الدين الواحد أو الثقافة الواحدة وتبني فكرة تعدد الهويات في المجتمع الواحد بتنوع انتماءات الأفراد ونزاعاتهم في حياتهم في مجالات العمل والنشاط الاجتماعي والسياسي والثقافي والتطلعات والطموحات والأفكار في شتى ميادين الفن بأشكاله وأساليبه والأدب والرياضة ولو في الولاء إلى مذهب واحد او معتقد واحد - اعتبار أن القاسم المشترك بين الناس هو تعدد هوياتهم وهي تخضع في ممارستها إلى العقل وبذلك يكون هو المعيار الذي يعول عليه في النظر والتقدير والتحليل. يستند المفكر الهندي أمراتيا في نقد نظرية التصنيف إلى حجج منطقية وأخرى مستمدة من الواقع الراهن والتاريخ القديم في مجالات مختلفة. وفي هذا السياق، يعتبر أن فرض هوية وحيدة علي الناس ومعاملتهم على أساس منها يقود إلى تعميق الفجوة بين الأفراد بالتنكر لطبيعة مشاغلهم وانتماءاتهم في ميادين حياتهم العادية بسبب محاصرة نفوسهم وذاتياتهم في نطاق دائرة وحيدة مرتبطة بعوامل طائفية أو دينية وحضارية، ويؤدي هذا التطويق إلى أحكام تجافي الوقع ولا تعكس حقيقة الذات البشرية في ثرائها وغناها وكثرة تطلعاتها وهو مثلا يرفض تصنيف الهند باعتبارها حضارة هندوسية لأن عدد المسلمين الذين يوجدون بها يبلغ قرابة 150 مليون مسلم ولا يحق لصمويل هنتغتون أن يلغي هذا المكون الديني والاجتماعي في بلاد الهند ولا يجيز له أن يعمم الثقافة الهندوسية على بلاد الهند كلها ويتجاهل القيم الأخرى في الدين والثقافة وسائر المعتقدات السائدة في المجتمع الهندي واعتماد التصنيف الشامل يؤدي إلى انعدام مراعاة التمييز بين الانتماءات والولاءات في الميادين السياسية والاجتماعية والثقافية لدى الشخص الواحد. والانتماء الديني لا يعني من جانب آخر الانسجام والاتفاق في المعتقد بين كل الأفراد المنتمين إلى الديانات المعروفة.ففي المسيحية مثلا الخلاف بين الكاثوليك والبروتستنت أو بين السنة والشيعة في الديانة الإسلامية من الأمور المعروفة والشائعة ولا يستثنى من ذلك الديانة اليهودية والتأكيد على الخلاف بين الفرق والمذاهب الدينية لا يسوغ تجاهل التباين بين المنتمين إلى هذه الديانات مثلما هو الحال في التصنيفات الشائعة وهي تؤدي إلى تقديم صورة مغلوطة عن حقيقة الهوية لهذه الطوائف لأنها تختزل الهوية في مقومها الوحيد وهو المكون الديني. وما يصح على تصنيف المجموعات البشرية بالاعتماد على المعيار الديني ينسحب أيضا على البعد الثقافي في حياة المجتمعات الإنسانية فالتمييز بين الثقافة الغربية والثقافة العربية أو الثقافة الهندوسية أو الصينية لا يمكن التسليم به لأن هذه الثقافات لم تكن ولم تبق لا في الماضي ولا في الزمن الراهن منعزلة عن يعضها البعض. والتبادل في المجال العلمي أو الفني واللغوي والأدبي وحتى في العادات والتقاليد بين مختلف الشعوب مثل قاعدة ثابتة جارية لم تنقطع وتؤكد مدى التواصل بين البشر.ويستدل الكاتب في هذا السياق بدور العلماء العرب المسلمين في نقل العلوم إلى أوروبا وتصحيحها والإضافة إليها مما يؤكد أن الفوارق الدينية أو العرقية أو الحضارية لم تكن حائلا يعرقل التواصل بينها ويسهم في تحقيق ثراء المعرفة الإنسانية وتوسيع نطاقها في الانتفاع بثمارها. والانطباع الذي يخلفه التصنيف الانفرادي سواء كان الدين أو الحضارة هو اختزال الذات الإنسانية وعزلها وحصرها وحبسها وسجنها في هوية منفردة وحيدة تلغي الحرية في الاختيار لانتماء آخر واهتمام شخصي به يحقق الفرد في ممارسته ذاته وكيانه وسعادته في الحياة دون أن يتخلي عن انتمائه الديني أو الحضاري ويجدرالتأكيد أن مشروع أمارتيا صن المفكر الهندي في رؤيته للهوية يتنزل في التصدي لتصورات سادت في العصر الحديث سواء لدى بعض المنظرين للتصادم الحضاري بين الشعوب تغذية التناحر سواء في الشرق او الغرب على حد سواء ولعل الأمر استفحل لدى بعض علماء الاجتماع والسياسة في أمريكا وأوروبا أكثر مما هو في القارات الأخرى.