رغم تعدد الديانات واللغات والأعراق في الهند ، فإن الأعياد الدينية في هذا البلد تشكل عامل وحدة وتقارب بين مختلف أطياف المجتمع الهندي، عاكسة ذلك التنوع الثقافي الذي تكتسب منه شبه القارة الهندية تماسكها ووحدتها وقوتها. وتعزز المناسبات الدينية في الهند فرص السلام والتسامح بين فئات المجتمع، بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو العرق. وما احتفال الهنود بمختلف مكوناتهم نهاية هذا الأسبوع بمناسبتين دينيتين، إلا تجسيدا لهذا التجانس العرقي رغم اختلاف المعتقد. وإذا كانت شوارع وحواري المدن الهندية تغطى اليوم الإثنين بمساحيق ملونة للاحتفال بعيد "الهولي"، وهو مهرجان للألوان يجسد انتصار الخير على الشر في المعتقدات الهندوسية، فإن المسلمين الذين يشكلون نحو 18 في المائة من سكان الهند البالغ عددهم حوالي مليار و200 مليون نسمة، استقبلوا عيد المولد النبوي نهاية الأسبوع الماضي بمظاهر احتفالية لا تخرج تقاليدها عن مظاهر احتفالات سائر المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها. ويحرص المسلمون في الهند بهذه المناسبة على التوجه إلى بيوت الله وتبادل الزيارات وإحياء الذكرى في جو من الخشوع والايمان اجلالا وتعظيما لمقام المصطفى عليه أفضل الصلوات. وقال محمد صديق وهو مسلم من راجستان، "قدمت وعائلتي إلى دلهي لإقامة الصلاة في "جامع مسجد"، أحد أكبر المساجد وأعرقها بالعاصمة الهندية، ومكثنا بعد الصلاة في المسجد لتلاوة القرآن وترديد الأمداح النبوية" جاعلين من هذا اليوم منارة لذكر الحبيب. وفي المساء يتردد صدى الأناشيد الدينية في ضريح الشاعر الصوفي "خواجة نظام الدين أوليا" بالعاصمة دلهي، حيث يأتيه بهذه المناسبة الدينية مريدوه من كافة الثقافات والمعتقدات للانتشاء بحالة الوجد الصوفي. وتصادف ذكرى عيد المولد النبوي في الهند، مع احتفال طائفة الهندوس اليوم بعيد "الهولي"، وهو مهرجان للألوان يرمز إلى انتهاء فصل الشتاء وحلول فصل الربيع والابتهاج بالحياة الجديدة. ويقوم الهنود خلال هذا المهرجان بإلقاء الألوان والمساحيق على بعضهم البعض في أجواء يسودها المرح والبهجة. ويكتسي الاحتفال بعيد "الهولي"، الذي يرى فيه البعض النسخة الهندوسية لعيد "الحب"، طابعا اجتماعيا خاصا، حيث يتخلى فيه الهندوس عن القاعدة الصارمة الخاصة بالفصل بين الطبقات، وتلتقي فيه العائلات في أجواء من الألفة تعكس تمسكها بالروابط الأسرية المترسخة جذورها في النسيج المجتمعي الهندي. ورغم أن للاحتفال جذور دينية، إلا أنه يعتبر يوم عطلة رسمية في كافة أرجاء الهند حيث تغلق المدارس أبوابها وتعطل الخدمات في المرافق الحكومية. غير أن الجانب السلبي الوحيد في هذا المهرجان يكمن في المواد الكيماوية المستعملة في المساحيق الملونة التي قد تتسبب في أمراض مرتبطة بالحساسية ومشاكل في التنفس. فقد تنامت في السنوات الاخيرة المخاوف من الأخطار الناجمة عن استعمال هذه المواد، وسعت في هذا الصدد السلطات الهندية والمنظمات غير الحكومية ووسائل الاعلام إلى رفع مستوى الوعي دون التخلي عن روح الحدث، حيث تضاعفت الاعلانات والمقالات للترويج لمنتوجات طبيعية بدأت تجارتها تنتشر من سنة لأخرى. وككل مناسبة دينية في الهند، تم تشديد الاجراءات الأمنية في انحاء البلاد، حيث انتشرت قوات الشرطة في المواقع الحساسة كمحطات السكك الحديدية ومواقف الحافلات والأماكن العامة الأخرى، لإجهاض كل ما من شأنه تعكير صفو هذه الاجواء الاحتفالية. وأعربت رئيسة الجمهورية الهندية براتيبها باتيل في رسالة تهنئة إلى الشعب الهندي، عن أملها في أن "تنعكس هذه المظاهر الاحتفالية على الأمة بالمزيد من التقدم والوحدة والرفاهية"، مؤكدة أن "هذه الاحتفالات تجسد بجلاء التنوع الثقافي في البلاد، الذي يميز الهند عن سائر دول العالم، فوحدة الأمة الهندية تكتسب قوتها من مكوناتها الداخلية".