من أراد التحقق من واقع الصحة ببلادنا فليقصد مستعجلات مستشفياتنا، و من أراد أن يقرأعليها الفاتحة فليحدد يوم الأحد و يخترق أحد أقسام مستعجلات الدارالبيضاء ، أما إن سنحت له الظروف او ساقته الى نقطة نائية تمتاز بصعوبة المسالك المؤدية اليها، فإنه سيقف على واقع مؤلم ، حيث لا وجود لما يسمى بالصحة و لا مقررات للتطبيب، وإن وجدت فهي لا تحمل من الصفة الا الاسم، رغم أننا نعيش في الالفية الثالثة، عصر التكنولوجيا المتقدمة !؟ بالدارالبيضاء ، عاصمة المتناقضات ، وبعيدا عن الكاميرات الرسمية ، فإن كل من ساقته الظروف القاهرة الى مستعجلات مستشفى السقاط بعين الشق و مستعجلات مستشفى بوافي بشارع 2 مارس، او حتى مستعجلات المركز الاستشفائي ابن رشد و مستعجلات مستشفى الصوفي، يكتشف حقائق غريبة بعيدة في غالب الاحيان عن الانسانية و كرامة البشر، رغم المجهودات الكبيرة التي يبذلها «اولاد الناس» من أطباء و ممرضين، لكنها تبقى محدودة لوجود إكراهات كبيرة، أولها البنية التحتية لغالبية المستعجلات: الاعطاب المتكررة في الاجهزة المستخدمة، غياب النظافة،الاهمال «الحكرة»، بالاضافة الى قلة الموارد البشرية خاصة في الاطباء و الاطباء المختصين... هذا في الايام العادية، اما يوم الاحد فتلك حكايات لا نهاية لها، و من اجل الوقوف على حقيقة الواقع المعيش انتقلنا الى بعض المستعجلات بالمدينة . كانت البداية من مستعجلات مستشفى السقاط في الساعات الاولى من صباح يوم الاحد و رافقت احد المصابين فما كادت قدماه تطآن مدخل الركن المخصص للمستعجلات حتى استقبلته ممرضة تبدو و انها من ذوات الخبرة ، طارحة عليه سؤالا و لا أغرب منه : ماذا تريد، طبيب عادي او الطبيب الذي يعطي «سرتافيكا»! المدهش في الموضوع هو أن هناك طبيبة تنتظر و مستعدة للقيام بعملها ، لكن الممرضة نادرا ما تسوق لها المصابيين في حين صاحب «السرتافيكا» خارج مكتبه و يأتي عند الطلب، اول ما يقوم به حين ينادى عليه هو إخراج وثيقة مطبوعة و يخاطب المريض او المصاب بشكل مبالغ فيه، بعد ذلك ينهض ليفحص الجرح او الاصابة!! هذه المستعجلات هي عبارة عن «ركن» في المستشفى ألصقت عليه يافطة تحمل اسم المستعجلات، فهو لا يتوفر على أدنى شروط الاستعجال، لا أجهزة مشغلة و لا قنينات الأوكسجين و لا أي شيء يطمئن المريض او مرافقيه بأنه سيتعافى، بل على العكس من ذلك قد يغادره و هو مصاب بمرض نفسي اضافي! فبعد الكشف الاولي يطلب من المريض المغادرة في اتجاه بوافي لأن الراديو هو الآخر مريض غير مشغل، الطبيب المختص غير موجود هنا، سير الى بوافي، و هكذا حتى سيارات الاسعاف الموجودة رهن اشارة هذا المستشفى فأغلب سائقيها غير موجودين بالمستعجلات، انهم في زاوية اخرى و هم ايضا تحت الطلب لانقاذ حالة او حالات! انتقلت الجريدة الى مستعجلات بوافي، فرغم انه اكثر تنظيما و اكثر حركية من سابقه، الا انه يعاني هو الآخر من اعطاب بعض اجهزته ، و حتى حين يحصل المصاب بكسر مثلا على «بلاكة الراديو» و يتبين انه مصاب بكسر يستلزم تثبيت الجبص على الاقل،يطلب منه الذهاب الى مستشفى الصوفي لأنه لا يوجد في هذا المستشفى او مستعجلاتها من يقوم بوضع الجبص، زد على ذلك وجود طبيب واحد و غالبا ما يكون عدد المصابين كثيرا و الاصابات مختلفة خطورتها متعددة و القاعة التي من المفروض تخصيصها للانتظار غير موجودة، كل ما في الامر ممر يفصل بين المكاتب و القاعات الصغيرة المخصصة للعلاج، فيمتزج أنين المصابين باحتجاج البعض منهم او ذويهم و يختلط الامر بين الصلاحيات ، فيصبح الحارس الخاص رجل أمن او ممرض و يصبح الشرطي مُعالجا حين يتبرع بتوزيع بعض النصائح او بعض الوصفات او بعض الحلول كطلب شهادة طبية «دير ليه شهادة طبية و غرقي اللي ضربو» «ان الطبيب رجل مزيان » مع وجود استثناءات طبعا !! . قصدنا قسم مستعجلات الصوفي و الذي اصبح قبلة لكل مصاب بكسر او بكسور، قاعة الانتظار و رغم كبرها و اتساعها ، الا انها ضاقت بالوافدين من كل انحاء المدينة و رغم وجود اكثر من طبيب فإن وضع الجبيرة يتطلب الانتظار قد يستمر الى نصف اليوم لوجود ممرض واحد مختص في هذه العملية، أما من تتطلب اصابته اجراء عملية جراحية فيُطلب منه الانتقال الى مستعجلات ابن رشد، و لكثرة هذه الحالات يلزم أخذ موعد والذي قد يمتد الى أيام، لكن الكسر يؤلم، فما العمل فقد تكون له مخلفات وخيمة و خطيرة، و رغم ذلك يضطر المريض الى اللجوء الى طرق أخرى إما لتقريب الموعد او اذا ابتسم له الحظ فقد يجريها في ذلك اليوم مع سلك كل السبل ! أما الطامة الكبرى بمستعجلات ابن رشد خصوصا يوم الاحد، فهي حين يقصد المواطنون هذا المرفق الصحي خصوصا من خارج المدينة و من البوادي ولا يجدون احدا، فالاطباء قليلون و حتى المتواجدون من الصعب الوصول الى احدهم ، مساطر كثيرة تبدأ بالاداء ثم التسجيل، و قد تصادف الممرض او الموظف قد غادر موقعه و يلزمك الانتظار و يصبح طابورا كبيرا، و من المرضى هناك من لا يتحمل فقد يلجأ الى ركن او يقتعد الأرض ينتظر، لا وجود للكراسي بالعدد المطلوب! مرضى و مصابون يتألمون ويصرخون، من حين لآخر تظهر ممرضة او ممرض يسأل و يغيب ، و اذا ما سئل يجيب: «انتظروا سيصل الطبيب، إ في عملية، إنه في البلوك، انه...» .، لكن الحالات المرضية تزداد و الأنين يزداد و ربما الطبيب مازال في بيته او اي شئ......احتج عدد من الامهات و الأباء و المرافقين لكن ذلك لم يؤثر، واذا ما وصلت الاحتجاجات الى مكان آخر تدخل الحارس الخاص الذي يغادر موقعه و ينتحل شخصية مسؤول آخر ، احيانا يدخل في ملاسنات مع من لم يتحمل تلك الإهانة و الحكرة، و تجد مجموعة من المرضى القادمين من جهات بعيدة قد افترشوا اي شئ في البهو او في الممرات ، و هناك من يبيت هناك ينتظر، لأن ذلك أهون من العودة من حيث أتى! هذه المشاهد تغيب عن اللجن و عن المراقبين و عن ممثلي الأمة، فحين يعلم المسؤولون بزيارة ما او بموعد لجنة او ما شابه ، فإنهم يغيرون حتى الأفرشة و الاغطية و يأتون بالجديدة و المنظفة ، حتى تمر الامور بسلام، وبعد ذلك تعود مستعجلات المستشفيات إلى سابق وضعها المُزري!.