-1 زلزال قوي ضرب الحكومة نصف ملتحية/ حكومة عبد الإله بنكيران (يوم السبت 11 مايو 2013) بعد أن أعلن حزب الاستقلال، الشريك/ الحليف الأول في هذه الحكومة، قرار انسحابه منها، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين طلاقا بائنا بين حزب علال الفاسي وحزب بنكيران، بعد أقل من خمس عشرة شهرا من زواجهما الحكومي الذي عرف العديد من الشطحات والمعارك والخصومات، التي كان لابد لها أن تنتهي بطلاق. وعلى أن هذا الزلزال، كان مفاجئا للسيد عبد الإله بنكيران وصحبه، إلا أنه لم يكن مفاجئا للرأي العام الذي تابع منذ عقد هذا الزواج، الحملات الانتقادية الشديدة، التي قادها حميد شباط وشبيبته وأعضاء برلمانه الحزبي، ضد الحكومة، ورئيسها، وضد الطريقة التي تدير بها الأزمات المتلاحقة في زمن الدستور الجديد، الذي يفترض أن يكون زمن الانتقال الديمقراطي المنشود. فمنذ انتخابه أمينا عاما لحزب الاستقلال (في 23 شتنبر 2012)، وحميد شباط يلاحق حكومة عبد الإله بنكيران بالتهم المحرجة. يتهمها تارة بعدم الانسجام، وتارة أخرى يتهمها باتخاذ قرارات لا شعبية ولا ديمقراطية. وقبل أن يحتفل بنكيران بالعيد الأول لولايته، وضع حميد شباط مذكرة حامية على طاولته، لمطالبته بإجراء تعديل حكومي من أجل تطوير الأداء وتسريع وثيرة عمل الحكومة، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين، خطوة نحو احتفاظ حزب الاستقلال، الحليف الأول في هذه الحكومة، على رصيده الشعبي والتاريخي. وفي حقيقة الأمر، وبعيدا عن قرار حزب الاستقلال، الذي يكون هو الأول في تاريخه السياسي، فإن أخطاء السيد عبد الإله بنكيران، كانت في نظر العديد من المراقبين، مشينة ومحبطة، ومن الصعب على أي باحث متابع لاشكالياتها أن يحصرها في مقال صحفي واحد، أو يستوعبها تحليل واحد، فكان لها حتما أن تؤدي إلى الزلزال الذي ضرب السيد بنكيران وحكومته، في نهاية المطاف إن الرأي العام الوطني، لم يكن مهتما بأخطاء هذه الحكومة، بقدر ما كان مهتما بأفعالها, أي عدم وفائها بوعودها التي جاء بها برنامجها الأساسي، وهي كثيرة وعديدة، منها محاربة الفساد/ محاربة اقتصاد الريع/ اصلاح القضاء/ الرفع من الأجور/ تشغيل العاطلين... وهي الالتزامات التي لم تستطع هذه الحكومة الاقتراب منها، أو التعامل معها، وهو ما دفع الأقلام والأدمغة إلى التقاط قرار حزب الاستقلال، منذ اللحظات الأولى، ووضعه في موقع قابل للتنفيذ والتصديق. لاشك، أن وضعية حكومة عبد الاله بنكيران وتقاعسها في تنفيذ التزاماتها، وما نتج عنها من تجاذبات إعلامية، جعلت الرأي العام الوطني، مقتنعا بعدم جدواها، ينتظر باستمرار انسحابها من المشهد السياسي، بأي شكل، وبأي طريقة، وبأي ثمن، قبل أن تنتهي ولاياتها، وقبل أن تستفحل أخطاؤها. إن وضعيتها المتردية جعلت الرأي العام يتقبل بارتياح وبدون ضجة، قرار حزب الاستقلال الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى التغيير... أي تغيير، وإلى تصحيح عقارب الساعة وفق الزمن السياسي للمغرب الراهن... وبأي أسلوب من الأساليب. -2 وبالرجوع إلى العناصر التي استند عليها المجلس الوطني لحزب الاستقلال في اتخاذ قراره التاريخي/ المدوي بالانسحاب من حكومة السيد عبد الإله بنكيران، سنجدها تضع المهتمين والمراقبين أمام حصة واسعة من الأخطاء والاتهامات، وتحاول اقناع المشهد السياسي المغربي، بمصداقيتها، منها: - ارتكاب عبد الإله بنكيران العديد من الأخطاء المتعلقة بإدارة المشاكل الإستراتيجية القائمة في البلاد. - تعامله بأذن صماء مع مطالب حزب الاستقلال كحليف أساسي واستراتيجي، ومطالب النقابات العمالية. - انفراده بالقرارات المصيرية الكبرى - فشل حكومته في جميع المجالات، وخاصة في تحقيق أي نمو اقتصادي، أو في محاربة الفساد، أو في رفع الحد الأدنى للأجور، وهي المرتكزات التي قام عليها برنامجه الحكومي. - البطء الكبير، في تنزيل الوثيقة الدستورية - اضافة إلى غض الطرف عن الاقتراحات التي قدمها له حزب الاستقلال في مذكرتين منفصلتين، الأولى اقتصادية والثانية سياسية، من أجل الخروج من الأزمة الحادة التي تلاحق الاقتصاد والسياسة في بلادنا إن مثل هذه اللائحة السوداء، كانت مقنعة لفئات واسعة من الرأي العام، مقنعة لمغادرة حزب الاستقلال ملعب الحكومة، ولكنها مع ذلك أثارت جدلا سياسيا وإعلاميا كبيرا، كما أثارت العديد من الأسئلة والتساؤلات: - هل يشكل قرار حزب الاستقلال بالانسحاب من حكومة عبد الإله بنكيران موقفا سياسيا مبدئيا، ناتجا عن إرادته السياسية... أم هو قرار حركته أيادي خارجية خلفية قد تظهر أو لا تظهر بعد أن تهدأ زوبعة الزلزال..؟ - هل يريد حميد شباط بهذا القرار أن يكون حزب الاستقلال رقما صعبا في المعادلة السياسية، وليس مجرد حزب تكميلي في حكومة العدالة والتنمية؟ - هل يريد حميد شباط بهذا القرار فرملة عربة العدالة والتنمية، وإسقاطها في منعطف قد يؤجل لفترة بعيدة مطامحها وتطلعاتها. اسئلة عديدة، تتفق جميعها على أن الضربة قاضية أو تكاد ضد عبد الإله بنكيران. وإنها ستبصم على مساره السياسي، وقد تضيف إلى معارفه السياسية درسا جديدا ومفيدا لمسيرته المستقبلية. -3 وخارج منطق هذه الأسئلة وغيرها، يرى خصوم شباط، أن الدفع بهذه الخطوة الجريئة والخطيرة، كان أساسا ومبدئيا، من أجل ضرب أي تقارب جديد بين الشارع المغربي والعمل السياسي لحزب العدالة والتنمية/ من أجل الاجهاز على التراكم الذي تم تحقيقه في مجال استقطاب الفئات الشابة إلى هذا الحزب المنتمي إلى الإسلام السياسي. ويرى خصوم شباط أيضا، أن قرار حزبه يذهب إلى أبعد من ذلك، إذ ينطوي على تهديد حقيقي للاستقرار المؤسساتي بالمغرب الراهن/ ينطوي على تأجيج وتوسيع الأزمة التي تضرب الاقتصاد الوطني/ يتجه إلى الضرب بقوة على الأيادي التي تسعى إلى إنعاش الدورة الاقتصادية بالبلاد. ويرى آخرون، أن موقف حزب الاستقلال فيه كثير من المزايدة السياسوية، التي تهدف إلى تحقيق مكاسب ضيقة على حساب المصالح الوطنية العليا. -4 والسؤال الذي يطرحه الرأي العام بقوة: ماذا بعد هذا الزلزال المدوي في بيت الحكومة؟ وما هي الخيارات المطروحة أمامها..؟ تتفق كل القراءات القانونية على خمس خيارات لا سادسة لها، وهي: - تقديم ملتمس رقابة بمجلس النواب ضد الحكومة، لسحب الثقة منها. - أو البحث عن بديل لحزب الاستقلال، من أحزاب المعارضة لتكملة نصاب الحكومة - أو الدخول في مفاوضات مع حزب الاستقلال، لإرضاء طموحاته، والقبول بشروطه السياسية، من خلال تعديل حكومي، يستجيب لهذه الشروط والمطالب - أو اللجوء إلى الفصل 104 من الدستور، الذي يسمح بحل مجلس النواب، بعد استشارة جلالة الملك، ورئيس المجلس الدستوري، وإجراء انتخابات برلمانية جديدة خلال شهرين. والاختيارات جميعها، أحلاها مر بالنسبة لفاعل سياسي، قضى عمره يحلم بموقع رئيس الحكومة... ولا أحد يدري، هل يستطيع بنكيران أن يتجرع هذه المرارة. في قراءة لخصوم عبد الإله بنكيران، في شخصيته السياسية: إنه يترنح بين حنكة السياسي، وحنكة الداعية/ وإنه منذ دخوله الساحة السياسية، وانخراطه في صراعاتها، أبان عن مهادنته للسلطة، وعن استعداده الدائم لتقديم تنازلات من أجل البقاء في المشهد السياسي، والحفاظ على وجوده بالسلطة حتى وإن كانت هذه التنازلات تمس ثوابت حزبه/ إن مرونته مع السلطة، خالفت كافة الأحزاب الدينية/ أحزاب الإسلام السياسي في المغرب، التي كانت وما تزال متصارعة معها، وهو ما يعني في نظر العديد من الباحثين في الشأن السياسي، اتخاذه منهجها مكيافيليا كعنوان واضح وصريح لنهجه السياسي. فهل يستطيع عبد الإله بنكيران بهذا المنهج، التغلب على رجة الزلزال الذي ضرب حكومته وبيته السياسي..؟ هل يستطيع بهذا المنهج الاحتفاظ بالسلطة؟ ستبدو لنا الأيام بلاشك، ما كنا نجهله عن هذا الرجل الظاهرة... فلكل زلزال خباياه.