في غمرة الاعداد لتنظيم اليوم الوطني الربيعي العاشر ، سألنا الدكتور مرتجي مولاي هاشم رئيس الجمعية المغربية للصحة في العمل ، ونائب رئيس «الجامع الوطني لأطباء العمل» ، ما الذي يمكن قوله عن نشاط الجمعية وقد سلخت عشر سنوات من عمرها ؟ لا بد في البداية أن أعبر عن تقديري واحترامي لجريدة الاتحاد الاشتراكي على استضافتها لجمعيتنا للمرة الثانية ، وعلى ما تبديه من اهتمام بصحة وسلامة الطبقة العاملة ، و من خلالها أحيي كل الفاعلين في هذه الجمعية من مكاتب مسيرة متتالية ، ومنخرطين و متعاطفين ، الذين ساهموا في بقاء ودوام نشاط الجمعية المغربية للصحة في العمل ، لما يفوق عقدا من الزمن . خلال هذه المدة ، التي ليست بالهينة، قامت الجمعية بعدة أنشطة إشعاعية تمحورت بالأساس ، حول السعي إلى تحقيق ما سطرناه من أهداف عند التأسيس ، وخاصة ما تعلق منها بتشجيع وتعزيز كل المبادرات المتعلقة بحفظ الصحة والسلامة المهنية ، وإبراز مكانة طب الشغل كمكون أساسي لمنظومة الصحة الوقائية ببلادنا ، حيث واظبت الجمعية على تنظيم محطتها السنوية : (اليوم الربيعي السنوي) ، و شاركت في عدة ملتقيات جهوية ووطنية ، حكومية أو غير حكومية ، ويمكن القول أيضا إن مساهمتنا المتواضعة جنبا إلى جنب مع مساهمات فاعلين آخرين قد أسفرت عن نتائج يمكن اعتبارها جد ايجابية ، يؤشر على ذلك تمظهرات عدة ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : حضور طب الشغل بقوة في المؤسسات الانتاجية ، اذ لم يعد كما كان في السابق غريبا عن عموم العمال وأرباب العمل التجاء عدة جهات نحو خدماتنا كأخصائيين للمساهمة في أنشطة لها صلة بالصحة المهنية النجاح المتزايد للأنشطة المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية ، وبروز مظاهر أخرى لأنشطة ذات الصلة ، كتنظيم المعارض والملتقيات الوطنية ، والتي تلتقي جميعها حول صحة وسلامة العمال ربط علاقات مع وجهات علمية ، و أخص بالذكر هنا شراكتنا مع كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس التي ننظم بشراكة معها يوما دراسيا سنويا بتزامن مع يومنا الربيعي السنوي، سميناه «صحة العمال بين القانون والممارسة » يحتفل هذه السنة بعيد ميلاده الثالث ، ويعتبر نموذجا لتوحيد الجهود من أجل أهداف يلتقي فيها ما هو نظري فقهي وما هو تقني طبي بما هو عملي وتطبيقي . لماذا اخترتم « الأخطار المهنية عند الموظف (التعليم والصحة نموذجا )» ؟ كموضوع لليوم العاشر للجمعية المغربية للصحة في العمل ، الذي نظم هذه السنة يومي 10 و11 ماي الجاري ؟ انه وعلى غرار السنوات الفارطة ، ما يحكم اختيار موضوع اليوم الوطني لجمعيتنا ، هو الآنية والأهمية ، واختيار موضوع «الأخطار المهنية في الوظيفة العمومية « ليومنا الوطني السنوي هذا ، أملته عدة اعتبارات منها: انعدام الإطار القانوني المتعلق بتنظيم حفظ صحة وسلامة الموظف أثناء القيام بعمله ! على عكس ما هو معمول به بالنسبة للأجراء في القطاع الخاص من خلال تشريع الشغل ، مع العلم أن مدونة الشغل الجديدة ، وكذا القوانين المتعلقة بعلاقات الشغل في المقاولات الخاصة، وما توفره من حقوق للأجراء ، تعتبر بمثابة الحد الأدنى للحقوق الواجب توفيرها لأي عامل ،لا تفرق بين عامل في القطاع الخاص وآخر في القطاع العام ، وهذا ما يمكن استنباطه من منطوق المادة الثالثة من مدونة الشغل . الاعتبار الثاني يتجلى في كون النظام القانوني للتعويض عن إصابات العمل بالنسبة للموظف ، يلزم الموظف المصاب بإثبات العلاقة السببية بين الخدمة والإصابة ،على عكس الأجير الذي يتمتع بفرضية إسناد إصابته للعمل ، مع قلب عبء إثبات العكس على المشغل، وحتى في حالة تمكن الموظف من إثبات العلاقة السببية ، فهو لن يتمتع بالتعويض عنها إلا إذا فاق العجز الدائم الناتج عنها 25 في المائة! و بمعنى آخر، فإن الموظف ، لن يتمتع بإيراد سنوي ، مادامت إصابته لم تفقده أكثر من ربع قدرته على العمل ؟ أما بالنسبة للأجراء في القطاع الخاص ، فالتعويض يتم كيفما كانت نسبة العجز . وحتى في حالة وصول الموظف الى التعويض ، فإن هذا الأخير يحتسب على أساس أجرة الرقم الاستدلالي 100 الذي لا تتجاوز 10000 درهم كإيراد سنوي .. في حين يتم الاعتداد بالأجر الفعلي للأجير بالقطاع الخاص ، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الأسقف . فالنظام القانوني للتعويض عن الاخطار المهنية المعمول به بالنسبة لأجراء القطاع الخاص ، ورغم التعقيدات التي تشوب مساطره ، يبقى جد متقدم على نظيره في القطاع العام. أما تركيز موضوع اليوم الوطني الربيعي لهذه السنة ، على مهنتي التعليم والصحة، فيجد مبرراته فيما يلي : إذا كان من الهين والسهل جدا ، على غير العارف بمجالات حفظ الصحة والسلامة المهنية ، أن يستنبط من خلال طبيعة عمل الشغيلتين الصحية والتعليمية،امكانية تعرض هذه الفئة من الموظفين لأخطار مهنية ,فهومع ذلك يظل عاجزا عن تصور مدى تنوعها وجسامتها ، ودرجة وقعها على صحتهم وسلامتهم . بدون أن نبتعد عن أهداف هذا الحوار، ولكن بعيدا عن صفتكم الجمعوية ، نخاطب فيكم رجل القانون ، كونك حاصلا على دبلوم الماستر في شعبة القانون الخاص (القانون والمقاولة) وكان بحثكم في قانون الشغل ، وباعتبارك خبيرا تقنيا مؤهلا من لدن المعهد المغربي للتقييس في مواصفة المطابقة الاجتماعية التي تتعلق بتطبيق مقتضيات تشريع الشغل ، و طبيب شغل ، كيف تقيمون تطور تقنين حفظ الصحة والسلامة المهنية ببلادنا؟ بادئ ذي بدء لا بد أن أ شير إلى أن هناك شبه غياب ، لأية تدابير لحفظ صحة وسلامة العمال في القطاع العمومي ، وكما سلف القول ، فقانون الوظيفة العمومية لا يرقى إلى ما هو منصوص عليه في تشريع الشغل بالنسبة للأجراء .. وهذا يعتبر من المفارقات الغريبة، لأن ما هو مضمون من حقوق للعمال في القطاع الخاص(مدونة الشغل)،هو بمثابة الحد الأدنى للحقوق الواجب توفيرها لأي عامل،كيفما كان ، وفي أي قطاع يشتغل .. هذا من جهة ، ومن جهة ثانية كون الدولة كمشغل كان من المفروض أن تعطي المثل في احترام منطوق ومضمون القوانين ، فهي لم تلزم نفسها بما تلزم به مشغلي القطاع الخاص. أما في ما يخص تطور تقنين مجال حفظ الصحة والسلامة، فقد عرف قفزة نوعية سنة 1927 عند صدور الظهير المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل ، الذي اعتبرآنئذ ، أحد المكاسب العمالية الهامة، لأنه جاء بتقنية قانونية جديدة تسهل على الأجير المصاب ، الولوج إلى التعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء حادثة شغل. فقبل هذا الظهير ، كان على الأجير أن يسلك طريق القواعد العامة للمسؤولية ، وأن يثير المسؤولية المدنية لمشغله، بإثبات خطئه ، وكذا إثبات العلاقة السببية بين ذلك الخطأ والضرر الذي لحقه . وعبء الإثبات هذا ، الذي يقع على عاتق الأجير المصاب ، كان يحول في أغلب الحالات دون التعويض عن حوادث الشغل . وجديد التقنية التي أتى بها ظهير 1927، تتجلى في فرضية إسناد الإصابة لحادثة شغل كلما استوفى الحادث بعض الشروط القانونية باعتبار الخطأ مفترضا من جهة المشغل ، وكذا قلب عبء الإثبات على عاتق هذا الأخير، كلما كانت مادية الحادثة، محط تنازع في ارتباطها بالعمل . ومازال المشرع يوسع في تطبيق مقتضيات هذا الظهير ، وذلك لأهميته القانونية والحقوقية ، لتشمل الأمراض المهنية سنة 1943 وحوادث الطريق سنة 1957 . وعلى الرغم من ضعف التعويضات ، كونها جزافية ، باقتصارها على تعويض نقص القدرة عن العمل ، فإن هذا التعويض أصبح ، على الأقل مضمونا في ظل هذا القانون ذي الصبغة الاجتماعية . وبعد هذه الفترة التي ميزها المنطق التعويضي ، فسرعان ما تم الوعي بالتكلفة الباهظة للإصابات بالعمل ، ليتم التعامل معها بمنطق وقائي ، حيث صدرت عدة نصوص تتعلق بالوقاية من حوادث الشغل، والأمراض المهنية منها حسب مضمونها ما هو عام ، وتدخل في حقل تطبيقه أغلب المقاولات ، كونه ينص على التدابير الوقائية العامة . ونجد في هذا المجال القرار الوزاري لسنة 1952 ، المتعلق بالتدابير العامة ، والذي تم نسخه بمدونة الشغل ، ليحل محله قرار تطبيقي لهذه الأخيرة، جاء أكثر شمولا للتدابير الوقائية . ومنها ما هو خاص ، وتدخل في حقل تطبيقه مقاولات معينة ، كونه ينص على تدابير وقائية خاصة بفئة معينة من الأخطار المهنية ، لا تتواجد في كل الأنشطة الإنتاجية . والخلاصة تبعا لما سلف؟ الخلاصة أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال ، أن نكون متيقنين كل اليقين من حماية صحة الأجراء ، رغم ما قد نتخذه من تدابير الوقاية في محلات العمل، لذا كان لزاما وضع آلية وقائية تتدخل قبل وأثناء وبعد التعرض للأخطار ، من أجل التشخيص المبكر لتعرض الأجراء ، أو لإصاباتهم قبل تمكنها من صحة الأجير. وهنا تكمن مهام المصالح الطبية للشغل التي نظمت بظهير 1957 و الذي نسخته مدونة الشغل سنة 2003 وأعادت تنظيمه مع بعض الاختلافات الطفيفة جدا.