مغرب اليوم ، بالتأكيد، ليس هو مغرب الأمس ولاأحد يستطيع أن يتقبل ، بأي شكل من الأشكال، أن يبقى المغاربة رهائن المزاجية والشعبوية والروتين القاتل الذي يستنزف المواطن والوطن، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل المغرب في ظل دستور جديد بشرنا بعهد جديد وبمحاربة الفساد ومحاكمة ناهبي المال العام. قد يقول قائل بأن الجهات القضائية الموكول إليها الدفاع عن المال العام تجد صعوبة في مواكبة جميع القضايا المرتبطة بالمال العام أمام مختلف المحاكم، لكن الضرورة تقتضي إيجاد مخرج لتعثر ملفات المال العام المعروضة على القضاء، الضرورة تقتضي الانتقال إلى السرعة القصوى في معالجة الملفات المعروضة عليها والبت فيها، بغض النظر عن هوية المتورط فيها. لكن المثير للإستغراب أن المتتبع لملفات الفساد ببلادنا يلاحظ الغياب شبه التام للمساءلة القضائية للأجهزة الرقابية، والتي من المفروض فيها أنها هي من يكتشف اختلاسات المال العام بعد مدة قصيرة من ارتكاب الفعل الجرمي، لكن القاعدة ببلادنا أظهرت أن الصدفة أو تصفية الحسابات بين الأجهزة هي من تتحكم في عمليات محاربة الفساد المالي في أغلب الملفات، أو أثناء تشكيل لجن تقصي الحقائق النيابية استدعتها الظروف السياسية ، كما هو الحال بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذي لايزال ملفه يراوح مكانه بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء منذ سنوات، شأنه شأن ملف كاريان سانطرال أو المشروع السكني الحسن الثاني بالدار البيضاء. لايجب أن يفهم البعض بأننا نستعجل البت في هذه الملفات والحال أننا نستغرب لمسار هذه الملفات ومسارها السلحفاتي، شأنها شأن ملف سوق الجملة للخضر والفواكه المعروض حاليا على أنظار القضاء. هي إذن ملفات أراد لها البعض أن تبقى عالقة لحكمة لايعلمها إلا الراسخون في فقه القضاء وعلم الغرف السوداء. ملفات غسل الأموال تتطلب هي الأخرى التخصص، والمهنية والاحترافية العالية، وتفعيل نصوص اتفاقية الاممالمتحدة لمحاربة الفساد المتعلقة بتهريب الاموال، فالدولة من حقها استرجاع الاموال المهربة بالداخل والخارج ايضا بمقتضى هذه الاتفاقية، مما يتطلب تعزيز الجسم القضائي بأطر متخصصة وفعالة ، تفعيلا لشعارات تخليق الحياة العامة، والحكامة الجيِّدة، كل ذلك من أجل إقامة نظام قضائي متين وقوي، قادر على المساهمة الفعالة في بناء الدولة الديمقراطية المبنية على أسس القانون، تقوم فيه النيابة العامة بدور ريادي في حماية الاموال العامة وحقوق الإنسان وصيانة الحريات الفردية والجماعية.. لقد استبشر المغاربة خيرا مع الخطاب الإصلاحي الجديد لكنهم أصيبوا بخيبة عندما اكتشفوا أن الأمر لايعدو أن يكون مجرد خطابات لحد الساعة ، خاصة وأن نفس الممارسات ظلت لصيقة بمجموعة من مؤسساتنا بالرغم من المساحيق التي يستعملونها لإخفاء الحقيقة. إن استقلال القضاء هدف ثابت وحتمي لتحقيق العدالة في المجتمع فرضته طبيعة العمل القضائي ذاته وفرضته إرادة الشعوب ، فإن لم يكن القضاء مستقلاً ، فلا يمكن أن تكون هناك عدالة، وإذا كان العدل هو أساس الحكم ، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل. إن الإصلاح الشمولي للقضاء ببلادنا، يستوجب، ليس فقط مراجعة القانون المنظم لمهنة القضاء، بل أيضا مراجعة قوانين المهن الحرة المرتبطة به، باعتبار أن هذه الأخيرة في حاجة إلى الرقي أيضا، لمسايرة مختلف التطورات ولتكون في مستوى العدالة الحق بالمغرب. القطع مع الممارسات السابقة يقتضي الضرب بقوة القانون على أيدي العابثين بمستقبل بلادنا، وليس ترويج خطابات من قواميس النعامة وتبني سياسة عفا الله عما سلف أو الكف عن مطاردة الساحرات ، وأن الأمل في المستقبل. القطع مع الماضي وتخليق الإدارة يقتضيان تحمل المسؤولية عوض الإختباء وراء مظلات أو تبريرات لتبرير الفشل في تدبير الشأن العام... فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس بكل تأكيد...