غاب النبض مدة طويلة لظروف شخصية وصحية قاهرة، وهو إذ يعود اليوم إلى قرائه، يسعى إلى ملامسة أعمق لانشغالات المجتمع والشارع المغربي بالجرأة المعهودة فيه من قبل بعيدا عن اللغة الخشبية والحسابات الضيقة. عاد النبض ليتحدث باسم الشارع والمجتمع، عاد في ظل متغيرات كثيرة عرفها المغرب في ظل الحراك السياسي والاجتماعي، فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، بكل تأكيد، ولاأحد يستطيع أن يتقبل بأي شكل من الأشكال أن يبقى المغاربة رهائن المزاجية والروتين القاتل الذي يستنزف المواطن والوطن ، خاصة عندما يتعلق الأمر بمستقبل المغرب وبمحاربة الفساد وناهبي المال العام. لابد من القول بأن الجهات القضائية الموكول إليها الدفاع عن المال العام قد تجد صعوبة في مواكبة جميع القضايا المرتبطة بالمال العام أمام مختلف المحاكم، لكن الضرورة تقتضي إيجاد مخرج لتعثر ملفات المال العام المعروضة على القضاء، الضرورة تقتضي الانتقال إلى السرعة القصوى في معالجة الملفات المعروضة عليها والبث فيها كائن من كان المتورط فيها. لكن المثير للإستغراب أن المتتبع لملفات الفساد ببلادنا يلاحظ الغياب شبه التام للمساءلة القضائية للأجهزة الرقابية والتي من المفروض فيها أنها هي من يكتشف اختلاسات المال العام بعد مدة قصيرة من ارتكاب الفعل الجرمي، لكن القاعدة ببلادنا أظهرت أن الصدفة أو تصفية الحسابات بين الأجهزة هي من تتحكم في عمليات محاربة الفساد المالي في أغلب الملفات، أو أثناء تشكيل لجن تقصي الحقائق النيابية استدعتها الظروف السياسية كما هو الحال بالنسبة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذي لايزال ملفه قابعا في الغرفة الرابعة لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء منذ سنوات. ملفات غسل الأموال تتطلب هي الأخرى التخصص، والمهنية والاحترافية العالية، وتفعيل نصوص اتفاقية الاممالمتحدة لمحاربة الفساد المتعلقة بتهريب الاموال، فالدولة من حقها استرجاع الاموال المهربة بالداخل والخارج ايضا بمقتضى هذه الاتفاقية، مما يتطلب تعزيز الجسم القضائي بأطر متخصصة وفعالة تفعيلا لشعارات تخليق الحياة العامة، والحكامة الجيِّدة، كل ذلك من أجل إقامة نظام قضائي متين وقوي، قادر على المساهمة الفعالة في بناء الدولة الديمقراطية المبنية على أسس القانون، تقوم فيه النيابة العامة بدور ريادي في حماية الاموال العامة وحقوق الإنسان وصيانة الحريات الفردية والجماعية.. إن استقلال القضاء هدف ثابت وحتمي لتحقيق العدالة في المجتمع فرضته طبيعة العمل القضائي ذاته وفرضته إرادة الشعوب ، فإن لم يكن القضاء مستقلاً فلا يمكن أن تكون هناك عدالة ، وإذا كان العدل هو أساس الحكم ، فإن استقلال القضاء هو أساس العدل. إن الإصلاح الشمولي للقضاء ببلادنا، يستوجب، ليس فقط مراجعة القانون المنظم لمهنة القضاء، بل أيضا مراجعة قوانين المهن الحرة المرتبطة به، باعتبار أن هذه الأخيرة في حاجة إلى الرقي أيضا، لمسايرة مختلف التطورات ولتكون في مستوى عدالة المملكة الثانية بالمغرب.