قد يحتاج المرء إلى إعادة قراءة مسار حياته على ضوء المتغيرات التي يعيشها وتتفاعل فيها العديد من الأشياء في أن تكون لنا فرصة الاختيار بين السلبي والايجابي، بين الخير والشر، بين الصالح والطالح، فالإنسان في هذا الكون يعيش دائما للمستقبل حتى وإن جاء هذا المستقبل على حساب مبادئنا وتقاليدنا وفي أحيان كثيرة على حساب عقيدتنا. الطموح شيء مقبول ومرغوب فيه لكن يبقى طموحا في حدود المعقول يتماشى مع طبيعة الإنسان نفسه، بعيدا عن الانسلاخ عن الثوابت الوطنية التي ناضل ودافع عنها الآباء والأجداد، والذوبان في نسق مجتمعي تتنافى فيه كل القيم الحضارية والإنسانية والأخلاقية التي تربى عليها الإنسان وعايشها وتعايش معها لعقود من الزمن ولا يزال. منذ أن وعينا و فتحنا أعيننا على هذه الحياة بكل تجلياتها، وجدنا فكرة سيطرت على عقول ونفوس شباب أبناء وطننا تمثلت في البحث عن مخرج لوضع اجتماعي واقتصادي لم يعد يحتمل التمطط ويستمر خاصة في ظل واقع سياسي ملتبس أسقط المواطن البسيط على كثرة أعداده وتنوع نسيجه من أجندة وحسابات الساسة وجعلته لعقود عديدة مجرد رقم في معادلة انتخابية رخيصة تنتهي بإقفال الصناديق، وإعلان النتائج ليترك هذا الشاب وتلك الشابة لمصيرهما المحتوم والمجهول في الآن نفسه، فلم يكن المخرج لعشرات الآلاف من أبناء وطننا سوى طرق المجهول في اتجاه الفردوس الذي تحول اليوم في ظل أزمة اقتصادية عالمية خانقة إلى جحيم منظور، أوروبا عبر بوابتها اسبانيا. الكل منا يتذكر بكل الحسرة والألم آلاف الشباب ومن مختلف الأعمار الذين ذهبوا ضحية واقع هو اليوم محط إدانة صارخة، شباب في عمر الزهور رسموا أحلامهم البسيطة التي كانت في مستوى تطلعاتهم، الحصول على عمل بناء أسرة والعيش بأمن و سلام قبل أن يتحولوا في لحظة يأس إلى طعام لأسماك القرش التي التهمت آمالهم وأحلامهم التي اغتالتها سنوات وعقود من السياسات الجوفاء التي أفقرت المغرب وقسمته الى نافع وغير نافع، جعلت فئة تحظى بكل شيء والبقية الباقية بلا شيء. هي ذي المعادلة التي كانت تحكمنا في زمن كان فيه الانتماء إلى الوطن ضربا من الجنون. بعد سنوات وعقود من الزمن المغربي بكل حمولته الدامية، بكل جراحه وآلامه وانكساراته، بصرخات الأمهات ودموع الأرامل وبكاء الأطفال نعيد رسم طريق وطن ضحى الآباء والأجداد والشرفاء في سبيل كرامته ونيل حريته واستقلاله، نستعيد مغربا استعصى على أعتى الجيوش وخرج صلبا قويا من كل الحروب ويقف اليوم شامخا يقظا في وجه الأعداء والخصوم. فمخطئ اليوم من يظن أو يعتقد و لو للحظة واحدة أنه سيعيد عقارب الساعة إلى الوراء بممارسات قطعنا معها عبر نضالات القوى الوطنية الحية بالبلاد، أو أن يوقف مسيرة النماء والإصلاح والبناء التي انطلقت برغبة شعبية كبيرة وتوجه ملكي دائم ومستمر. فمغرب ما قبل خطاب 9 مارس أصبح جزءا من تاريخنا السياسي الوطني الحافل الذي نفتخر ونعتز به، فنحن اليوم في موعد مع التاريخ لنتصالح مع ذواتنا ولما لا مع تاريخنا الحافل، موعد لا يمكن لكل من يحب خيرا لهذا الوطن أن يتخلف عنه أو أن يرهنه لمصالح ذاتية أو حزبية ضيقة بدأت تطفو على سطح الممارسة الحكومية والحزبية على حد سواء، موعد يقف على مسافة قريبة من كل التجاذبات السياسية الوطنية والعربية ويراهن على وعي وفطنة أبناء هذا الوطن الذين يعرفون جيدا ماذا يعني الوطن في هذه الظرفية الدقيقة والحساسة، فنحن ذاهبون إلى التحدي من أجل الوطن ولا شيء غير الوطن دون أن نركب على واقع عربي فرضته خصوصيات معينة لدول كانت وإلى وقت قريب، تحكم بالحديد والنار . عندما خرج الشباب المغربي عن صمته ونزل إلى الشارع لإسماع صوته، كان يعي جيدا ماذا يريد دون أن يخضع نفسه لانتماء سياسي أو حزبي أو جمعاتي تجرد منه في لحظة غضب واحتجاج على وضع سياسي ملتبس واجتماعي قاتم على الرغم من استغلال بعض متصيدي المبادرات الوطنية لحركة الشارع، فخرجت التظاهرات موحدة في مطالبها وشعاراتها «الشعب يريد إسقاط الفساد» بكل تجلياته وتمظهراته التي تنخر مؤسسات الدولة بكافة درجاتها ، هذا الفساد الذي يتخذ اليوم أبعادا خطيرة في غياب رادع قانوني له. لم نختلف تماما مع هذه المطالب التي كانت مطالب كل الشعب المغربي وقواه الحية على مدى سنوات وعقود من النضال السياسي الوطني الحقيقي، والتي تحقق البعض منها لكن أدينا الثمن غاليا لأجلها ولن نساوم في يوم من الأيام عليها ، فلم نتوقع أن تتحول حركية مجتمع يرفض الوصاية عليه، من أي جهة كانت ، إلى وسيلة للابتزاز السياسي وإشاعة الفوضى من طرف أناس يعملون وفق أجندات خاصة تخدم مصالحهم بالدرجة الأولى. ما نعيشه اليوم من أحداث اعتبرها العديد من المتتبعين تراجعا عن المكتسبات التي تم تحقيقها ، تمثلت بالأساس في الاعتداء السافر وغير المبرر على الصحفيين والحقوقيين والمضربين في محاولة لتكميم أفواههم ووصفهم بنعوت حاطة من كرامة الإنسان، ناهيك عن التعثرات التي تعرفها القوانين الموازية للدستور والتنزيل الديمقراطي والسليم لها، واستئثار الأغلبية الحكومية بالقوانين والعمل على تغييب مكونات المعارضة وبخاصة في ما يتعلق بالقضايا المصيرية للأمة والتي لا مساومة عليها لأنها قضية شعب موحد حول مطالبه المشروعة في الحفاظ على كيانه ووحدة أراضيه مهما كلفه الأمر ذلك. نريد اليوم من خلال هذا الطرح الذي قد نختلف أو نتفق معه، أن نرسم ملامح وطن نعشقه حد الجنون ، وطن يتسع لكل أبنائه دون استثناء و يقف على مسافة متقاربة من كل التجاذبات التي تعرفها الساحة السياسية الوطنية ، نريد مغربا لا مكان فيه للامتيازات نتمتع فيه بالحقوق كما الواجبات، مغرب نرسم معه مستقبل أبنائنا عنوانه البارز الديمقراطية، الحرية، الكرامة وحقوق الإنسان. * عين بني مطهر