امتدت يد إلى قبر.. وارتجف قلب، وكبر السؤال: نحن لم نعتد على هكذا انحطاط لكي يتم التمثيل بالتراب، فوق قبر ادريس بنزكري. يد ما، وراءها فكرة ما، وخسة ما، في ثلاثية غير مسبوقة وانسجام لا إنساني نادر تعبث ببقايا الوشم في ظاهر اليد. لم يكن للرجل أعداء، هكذا نتصور دائما، اللهم من اختاروا أن يكونوا أعداء الحرية في بلاده، وأعداء أفكار نبيلة وقادرة على المقاومة. وأيادي أعدائه امتدت له في عز الحياة ، وإلى جسد كان نحيفا ولا شك، ولكنه كان ماديا موجودا في «جدلية» المناهضة. امتدت يد إلى تراب البلاد .. ربما لأن الأعداء الجدد أدركوا أن جسده صار تراب البلد، وربما أدركوا، في فجاءة الجهل، أن التراب تجسيد للجسد الذي كان. ادريس لا يسمعنا، لقد سمعنا كفاية عندما كنا أمامه، كما يكون المنشدون الدينيون أمام حائط للمبكى أو على سرير كبير للآلام الخفية. ادريس ينظر إلى البعيد، ونحن نصفه: عشت في الزمن الصعب، والناري، بسيطا، كان القبو والقبر، مكانين عاريين. اخترتهما في الزمن الصعب... وفي الزمن الضحل يا صاحبي، أيضا اخترت الموت بسيطا: قبر عار عرضة للهواء وهدفا للشمس. هي طريقة في التعويض عن سنوات الزنازن المظلمة، وخيالات القبر في المعتقل والمحابس، وطريقة ما ورائية للتعويض عن ما ضاع منك من سماء زرقاء، كانت تدخل مربعات صغيرة إلى الزنزانة أو لا تدخل في كثير من الأحيان. وهي طريقة، أيضا، للسخرية من الذين يبحثون عنك .. حيث ترك الذين لا يبحثون عنك، لأنهم سبق وأن وجدوك. هل كان القبر فخا نصبته لما تبقى من مكيدة في أرض البلاد؟ هل كنت تريد، أيضا، أن تطوي هذه الصفحة ولا تترك خلفك أيا من المرضى بالطعن ؟ سلاما عليك، فوق التراب وتحت الثرى..!